الكاتب الكبير «نجيب محفوظ» رفض بإصرار أن يكتب سيرته الذاتية، لكن نجح الناقد الكبير «رجاء النقاش» فى إقناعه بأن يحكيها له بدلا من كتابتها. وعلى مرّ 18 شهرًا من أغسطس 1991 روى محفوظ سيرة حياته للنقّاش مسلّطًا الضوء على جوانب عديدة من شخصيته كان أغلبها بمثابة مفاجآت لقرائه ومحبيه.
وفى هذا الكتاب «مذكرات نجيب محفوظ» الصادر عن دار الشروق، يدلى الكاتب الكبير برأيه فى كل صغيرة وكبيرة عن الأدب والسينما والسياسة فى مصر، فيصف مراحل طفولته وتجارب شبابه، ثم يتناول رواياته التى أثارت أزمات صحفية وسياسية، كما يدلى بآراء صريحة فى زعماء مصر منذ سعد زغلول إلى الآن، وكذا قصته مع جائزة نوبل وأثرها فى حياته.
قبل أن يختتم «النقّاش» كتابه باستعراض محاولة اغتيال «محفوظ» وملابسات الحادث والقضية، هذا وغيره الكثير من الأسرار التى نشرت لأول مرة تجده فى الكتاب الذى يمثل سيرة ذاتية غير رسمية لـ«نجيب محفوظ».
ومن حكايات الكتاب البديعة والآراء القيمة ما ذكره محفوظ قائلا: «وفى اعتقادى أن النقد السينمائى هو أحد أبعاد الأزمة التى تعيشها السينما المصرية. ومن خلال متابعتى المحدودة لما ينشر فى الصحف والمجلات، تعرفت على مجموعة من الأسماء التى تمتلك أدوات النقد السينمائى ولديها موهبة الكتابة، أذكر منها سمير فريد والمرحوم سامى السلامونى وهشام النحاس.
ومع تقديرى لهؤلاء وغيرهم فإننى آخذ عليهم مسألة تحيزهم «الأيديولوجى»، فهم لا يفرقون بين الفن والسياسة، وما يتفق مع فكرهم السياسى يرفعونه إلى أعلى عليين، وما يختلف معه، ينزلونه إلى أسفل سافلين بدون أسباب موضوعية.
وهذه نقطة خلاف أساسية بين جيلنا والجيل الحالى، فقد كان جيلنا يفرق تماما بين السياسة والأدب ولا يخلط بينهما، الدكتور طه حسين مثلا كنا نختلف مع مواقفه السياسية ونعارضها بشدة أحيانا، ولكننا كنا نتتلمذ على يديه كأديب ومفكر ومبدع، ونقف إلى جواره فى معاركه الأدبية والفكرية، فالفنان أو المبدع يجب أن تحاسبه على فنه وإبداعه فقط، ولا تخلط بينهما وبين مواقفه الشخصية أو السياسية، فالفنان الكبير أحيانا يحمل بداخله إنسانا ضعيفا، وتاريخ الأدب العربى ملىء بنماذج كثيرة من هذا الصنف، وعمر بن أبى ربيعة مثلا كان شاعرا عبقريا، ولكنه فى المقابل كان إنسانا تافها، فلماذا نحاسبه كشاعر على هفواته الشخصية؟ هذا هو مأخذى الأساسى على الجيل الحالى من نقاد السينما».
يذكر أن «رجاء النقاش» (2008 ــ 1934) واحد من أهم النقاد فى العالم العربى، اكتشف العديد من المواهب والأسماء التى أصبحت أعلامًا فى الثقافة العربية مثل «محمود درويش» والطيب صالح وغيرهما.