مدينة «الزبالة الجديدة».. جبال القمامة تحاصر التجمع الثالث.. ودخان الحرائق يغطى سماء القطامية والوفاء والأمل - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 2:20 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مدينة «الزبالة الجديدة».. جبال القمامة تحاصر التجمع الثالث.. ودخان الحرائق يغطى سماء القطامية والوفاء والأمل

جبال القمامة تحاصر التجمع الثالث
جبال القمامة تحاصر التجمع الثالث
تحقيق: داليا العقاد - تصوير: رافي شاكر
نشر في: الإثنين 8 ديسمبر 2014 - 11:20 ص | آخر تحديث: الثلاثاء 9 ديسمبر 2014 - 2:29 م

المكان: التجمع الثالث بالقاهرة الجديدة. الزمان: 24 ساعة. الحدث: حرق مئات الأطنان من القمامة ورائحة كريهة تغطى المكان. الفاعل: مجهول.

«الشروق» حققت فى أسباب استمرار الحرائق وسط جبال القمامة بمقلب القطامية والوفاء والأمل، وتصاعد سحب الدخان الملوث دون توقف، ما يتسبب فى إصابة الكثير من الأسر التى تقطن المنطقة المحيطة بالأمراض المختلفة، خاصة الصدرية.

قادتنا إلى مقلب القطامية التابع لجهاز مدينة القاهرة الجديدة، 3 خيوط، أولها الصور التى التقطتها كاميرات «الشروق» من على الطريق الدائرى، توضح وجود عشرات النقاط المضيئة بسبب اشتعال النيران ليلا، وثانيها التحدث مع أحد موظفى الأمن بالمنطقة المحيطة، والثالث حديث مع المسئولين بشركة «أمة العرب» الإيطالية الحاصلة على حق انتفاع من محافظة القاهرة لاستغلال القمامة فى مصنع سماد، على بعد أمتار من المقلب، وبناء مدفن صحى لدفن الفائض عن حاجة المصنع، تمهيدا لتحويله إلى حديقة عامة أو ملعب جولف.

حذرنا موظف الأمن الذى أرشدنا إلى مكان المقلب، من المكوث فى محيطه حتى دخول الليل، خوفا من أعمال البلطجة التى تتم على هذا الطريق، المعروف بـ«مدق الزبالة أو طريق القطامية القديم».. المشهد صادم حيث أكوام القمامة المتناثرة، ومخلفات البناء الملقاة على جانبى الطريق دون رقابة من الدولة.

وأكد أحمد السيد إبراهيم، مسئول بشركة «أمة العرب»، أن الشركة حصلت على حق انتفاع من محافظة القاهرة لاستغلال القمامة في مصطنع السماد وعمل مدفن صحي للفائض من حاجة المصنع تمهيدًا لتحويلة إلى حديقة عامة، وهناك محاولات من جهاز مدينة القاهرة الجديدة للسيطرة على المدخل بالقوة رغم عدم إنتهاء مدة حق الانتفاع التي ستنتهي في 2017. 

وتابع المسئول، أن  المدفن الصحي يقع أمام مقلب القطامية، وأن عمال المدفن يشتكون من الدخان، بسبب أعمال الحرق المتكررة، ويعانون خلال مبيتهم فى المساكن التى خصصتها لهم الشركة، مشيرًا إلى أن جهاز مدينة القاهرة الجديدة يقوم بتأجير المقلب إلى بعض الشركات القمامة الخاصة، ولا يتدخل لوقف أعمال الحرق المستمرة.

وأشار إبراهيم، إلى إنهم قاموا بتحرير عدة محاضر فى قسم الشرطة خلال شهر مايو الماضى، بسبب تضرر نحو 150 عاملا بالشركة من حرق القمامة، حيث أصيب بعضهم بنوبات اختناق شديدة.

وأكد إبراهيم أن الشرطة حضرت لمعاينة المقلب، وطلبت منا التوجه إلى وزارة البيئة لتقديم شكوى، مضيفا: توجهنا أيضا لمسئولى جهاز مدينة القاهرة الجديدة لإنقاذ العمال من أعمال الحرق اليومى، لكن المسئولين هناك قالوا لنا: «لا يحق لكم التضرر لأنكم لا تملكون أرض المدفن، وليست لكم صفة، ويجب أن تغادورا، ونحن سننهى هذا الأمر مع المحافظة، فنحن من نملك هذه الأرض».

وأشار إلى أن بعض اضطروا للتدخل لإطفاء الحرائق، لكنهم مع استمرار الحرق على يد جامعى القمامة «الزبالين»، توقفوا عن الإطفاء.

أرباح على حساب صحة المصريين

كل الخيوط كانت تشير إلى وجود جهات من مصلحتها استمرار الحرق المدمر للصحة والبيئة لجنى المزيد من الأموال بشكل سريع.

ويقول شهود عيان لـ «الشروق» إن إشعال النيران تنفذه بشكل عشوائى، سيارات نصف نقل تابعة لبعض الشركات الخاصة، التى من مصلحتها أن تحرق اليوم لتخلى مكانا لإلقاء القمامة غدا.

وتغيب الرقابة الحكومية على مقلب القطامية، غير أن الطريق المؤدى إلى المقلب ــ طريق القطامية القديم ــ ممتلئ بالمخلفات الملقاة فى عرض الطريق، لتشير إلى حجم المأساة.

ويؤكد شهود العيان لـ«الشروق» أن من يفرزون القمامة للحصول على البلاستيك والحديد وكل ما يصلح لإعادة التدوير، ويعرفون بـ«الفريزة»، يضطرون أحيانا إلى حرق القمامة لفلترة الورق والأشياء غير الثمينة للحصول على المواد الصلبة، ما يجعلهم رغم إنكارهم للأمر، أحد المسئولين عن الدخان الكثيف الذى يخرج كشيطان أسود، كل ليلة من تلك المنطقة.

الأحوال الجوية، هى أيضا أحد عوامل إشعال النيران فى القمامة المتراكمة، بسبب تحلل المواد العضوية بها بسبب الحرارة الشديدة، وبسبب ترك القمامة عرضة للهواء دون تغطيتها بالرمال لعزلها عن الجو.

محرقة الوفاء والأمل

مشكلة حرق القمامة فى منطقة القاهرة الجديدة، لا تقتصر فقط على مقلب القطامية، حيث أرشدنا الأهالى عن مدافن القمامة الخاص بالوفاء والأمل، القريبة من محور المشير طنطاوى، الذى لا يبعد كثيرا عن مقلب القطامية، وتقع مقلب الوفاء والأمل على نحو 400 فدان، بالقرب من ستاد رياضي يحمل اسم 30 يونيو وفندق طيبة روز، ومسجد، وجميعهم تابعبن للقوات المسلحة.

ورصدنا أيضا استمرار حرق القمامة بشكل مخالف، وهو ما ينتج أدخنة كثيفة تتجه نحو مناطق المقطم والمعادى والقاهرة الجديدة ومدينة نصر ومصر الجديدة، بسبب عدم تبطين المدفن، رغم أن القانون رقم 4 لعام 1994 يجرم حرق القمامة، وتصل العقوبة فيه إلى الحبس.

وكانت إحدى الصحف القومية نشرت خبرا عن وقوع انفجار بمدفن «الوفاء والأمل» يوم 31 ديسمبر عام 2009، حيث اشتعلت النيران بصورة كبيرة، ولم تستطع قوات الإطفاء السيطرة عليها، وظلت الحرائق مشتعلة لمدة أسبوع، والسحابة السوداء الكثيفة تغطى سماء القاهرة دون أن يعلن أى مسئول عن أسباب الحريق.

ليس لدينا آلية بديلة للحرق

يوضح الأستاذ بقسم البيئة كلية العلوم جامعة القاهرة، الدكتور محمود سالم أن مدافن القاهرة الجديدة صممت بشكل خاطئ، مطالبا بإغلاق مقالب القمامة، وإبعادها عن المناطق السكنية، والاستفادة منها فى توليد الطاقة وتشغيل المصانع، بدلا من حرقها ما يولد غازات سامة مسرطنة، موضحا أن حرق المقالب أحد العوامل المسببة للسحابة السوداء فى القاهرة.

وأرجع سالم استمرار حرق القمامة إلى عدم وجود تخطيط ومنظومة سلمية، أو حتى متابعة من جهاز شئون البيئة لتلك المناطق، مشيرا إلى أن مراكز الدراسات والجامعات مليئة بمئات من رسائل الدكتوراه والماجستير لحل هذه المشكلة، مستدركا «للأسف لا يوجد أى آلية لتنفيذ الحلول العلمية السلمية الآن».

أطفال فى محارق القمامة: عاوزين ناكل عيش

وسط الدخان الكثيف والروائح الكريهة، يفتش الأطفال رامى وسيد ومحمود، الذين لا تتعدى أعمارهم 13 عاما، عن العبوات البلاستيكية، وكانزات المياه الغازية، أو أى مواد معدنية أخرى داخل مقلب قمامة القطامية، يجمعونها ليحصلوا من ورائها على أموال تكفى بالكاد لإطعامهم.

لا يفارق الغبار الأسود بشرة الأطفال «نابشى القمامة»، التى لم تعد رقيقة، ورغم قسوة الظروف التى يعملون فيها، فإن الابتسامة لم تفارق وجوههم عندما بدأوا فى الحديث لـ«الشروق» عن قصتهم مع أكل العيش المر، الذى يجرون خلفه ليلا ونهارا.

يتردد على مقلب القطامية عشرات الأطفال والصبية يوميا، الذين يعملون فيما يشبه الورديات، بينهم رامى، الذى ترك المدرسة منذ فترة لا يتذكرها، وتفرغ لفرز القمامة وسط مجموعة من الشباب والرجال، يقول: «أعمل قدر ما أستطيع، وأحيانا أحصل على 30 جنيه يوميا، وأحيانا 50 جنيها، ولا أجد عملا آخر لكسب العيش منه، لذلك أتحمل الحرائق ورائحة القمامة». ولا يختلف حال سيد كثيرا عن زميله رامى، فأوضح لـ«الشروق» أنه اضطر للعمل وسط الأدخنة ليساهم فى نفقات أسرته، مشيرا إلى أن عمله يعتمد على جمع أكبر كمية ممكنة من البلاستيك والحديد، ووضعها فى أجولة، تمهيدا لنقلها إلى منطقة الزرائب فى المقطم، ويحصل فى المقابل على يومية تصل إلى 60 جنيها.

أهالى القطامية: أنقذونا من انتشار الإجهاض والسرطان

تلقت «الشروق» حملة توقيعات من السكان وأصحاب الشركات المتضررين من حرق مقلب القمامة بمنطقتى الوفاء والأمل خلف معسكر الجيش على طريق محور المشير طنطاوى، والقطامية على الطريق الدائرى بداية من طريق العين السخنة، حيث أثرت سحب الدخان السوداء الناتجة عن حرق القمامة على صحة السكان وتكررت حالات الاجهاض للنساء بسبب التلوث، بالإضافة إلى معاناة الجميع من أمراض حساسية الصدر، ما دفع بعض السكان للبحث عن سكن بديل، ولجأ آخرون إلى نوافذ سميكة وفلاتر للهواء كلفتهم آلاف الجنيهات.

ورغم وعود المسئولين المتكررة وآخرهم محافظ القاهرة الدكتور جلال سعيد، حيث صرح منذ أسبوع بنقل مقلب القمامة بالقطامية خلال 48 ساعة، استجابة لشكاوى المواطنين، واستبداله بمقلب العين السخنة التابع لوزارة الاسكان، فإن حرق جبال القمامة وسحبها السوداء لاتزال مستمرة.

قالت رشا زين، إحدى ساكنات منطقة الفرسان ــ أم لطفلين ــ: إنها عانت من الإجهاض ثلاث مرات منذ إقامتها بالمنطقة منذ خمس سنوات، وأرجع الأطباء تكرار الإجهاض إلى أثر التلوث على الجنين.

وأضافت أن جارتها أيضا عانت من الإجهاض دون سبب محدد، مما دفعها لعمل صفحة على الفيس بوك تحت اسم «اتحاد متضررى حرق القمامة»، لنشر صور الحرق ومشهد الدخان الكثيف ذى الرائحة الكريهة، الذى أصبح زائرا ثقيلا فى غرف النوم والمعيشة وحجرة الأطفال بشكل يومى، ومطاردا لها على شكل ضباب يحجب الرؤية أثناء قيادتها للسيارة على الطريق الدائرى، أثناء توصيل ابنها للمدرسة، مخلفا عشرات الكوارث.

وأشارت رشا إلى أنهم أرسلوا عدة شكاوى إلى وزارة البيئة ومحافظ القاهرة وجهاز رعاية الطفولة والأمومة، والشرطة، فكانت النتيجة وعودا وتدخلات مؤقتة بمنع الحرق ثم نستيقظ اليوم الذى يليه على نفس الرائحة القذرة»، موضحة أن السكان لم يعد أمامهم سوى التهديد بالاحتجاج السلمى أمام منازلنا كحل أخير إذا لم يستجب المسئولون.

وقال محمد الحسينى، أحد سكان المعادى جاردنز، إن الدخان الأسود يطاردنا في كل مكان بالقطامية حتى فى منطقة النوادى فى التجمع الثالث، لما له من تأثير ضار على الأطفال والأسر والرياضيين أثناء تدريباتهم المنتظمة»، مشيرا إلى أنهم أرسلوا عدة شكاوى أيضا بلا جدوى، مؤكدا أن كوارث السير فى هذه المنطقة كثيرة بسبب انعدام الرؤية بسبب الدخان الأسود حتى 20 مترا، كما أن هناك العديد من الحضانات والمدارس القريبة من المكان تختنق بسبب الدخان.

شكوى أخرى حصلت عليها «الشروق» قدمها سكان البارون سيتى إلى وزير البيئة جاء نصها على النحو التالى «نرجو اتخاذ اللازم فى موضوع حرق القمامة، وتصاعد الأدخنة السامة والتى تصل إلى المجمع السكنى شمال الطريق الدائرى، حيث نعانى نتيجة تزايد الأدخنة السامة من الساعة الرابعة فجرا إلى السابعة والنصف صباحا، حتى أصبح أول نسيم هواء يتنفسه أطفالنا أثناء ذهابهم إلى مدارسهم هو الدخان السام»، وتم إرسال نفس الخطاب لجهاز مدينة القاهرة الجديدة.

ولم يستبعد أحمد درويش، أحد سكان المعادى جاردنز، أن تكون هناك مصلحة ما لجهاز مدينة القاهرة الجديدة فى استمرار الحرق، خاصة أن مقلب القمامة بالقطامية التابع لها يقع بجوار مدفن صحى تؤجره شركة إيطالية منذ عدة سنوات.

وأشار إلى أن الشرطة لا تحصل غرامات ضد سائقى سيارات النصف نقل أثناء إلقاء القمامة على جانبى طريق القطامية القديم طوال اليوم، أو حتى منعهم من حرقها ليلا وفجرا، واندهش من عدم قدرة الشرطة على التدخل، رغم أن مكان تمركز مرور القطامية قريب جدا من مكان الحرق، وأشار إلى أنه سبق أن قدم بلاغا لقسم الشرطة، ولم يتواصل معهم أحد بعد ذلك.

لا تقتصر المعاناة على الأهالى فقط، يقول أحد أصحاب الشركات فى منطقة التجمع الثالث شمال القاهرة طريق القطامية العين السخنة ــ شركة تويتا ــ المهندس حسن شعبان لـ«الشروق» إنهم أجروا الأرض من جهاز مدينة القاهرة الجديدة منذ 2001، بعد أن وعدهم المسئولون فى الجهاز بنقل مقلب القمامة خلال عام، مضيفا: «نتلقى مثل هذا الوعد كل عام بلا جدوى، وأجرينا لقاءات عديدة مع المسئولين دون نتيجة».

شعبان يعانى خسائر اقتصادية كبيرة يوميا بسبب عاملين، الأولى تتلخص فى معاناة الموظفين يوميا أثناء القيادة على طريق القطامية القديم بسبب وجود كسور وردش وحرق القمامة على جانبي الطريق التى تسير عليه على الأقل 10 آلاف سيارة يوميا، والمشكلة الثانية تتمثل فى رفض كثير من العملاء التعامل مع الشركة بسبب الدخان الأسود والروائح الكريهة المنفرة الصادرة من مقلب قمامة القطامية، وتابع «الرائحة والدخان زاد بشكل كبير تحديدا من عامين ولا نعلم لماذا لا يقف أحد أمام هذه الأزمة».

اقرأ ايضاً:

«البيئة»: تقرير محرقة النفايات بمناطق «الوفاء والأمل والقطامية والقاهرة الجديدة» على مكتب محلب



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك