مقتطفات من قصص مجموعة «رق الحبيب» - بوابة الشروق
الثلاثاء 18 نوفمبر 2025 8:32 م القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

كمشجع زملكاوي.. برأيك في الأنسب للإدارة الفنية للفريق؟

مقتطفات من قصص مجموعة «رق الحبيب»

غلاف كتاب رق الحبيب
غلاف كتاب رق الحبيب

نشر في: الجمعة 9 يوليه 2021 - 7:20 م | آخر تحديث: الجمعة 9 يوليه 2021 - 7:20 م

* فاجأه صوت أم كلثوم بين الثلج والجليد، وتحت قبة الغسق المبكر، وكان جسده مُنهَكا وذهنه فى سفح إجهاده. ولفَّقت ثمالة الذهن ظلا لوجود بلا أصل، هلوسة بصرية واضحة أرته النافذة مُضاءة، وأعقبها وهام انتظارها فى غرفته، فجرى إلى ذلك الوهم مخطوفا كالمجانين. لحظة جنون قطعها رعب انزلاق مميت، ثم نحَّاها سقوطه الآمن على وَثَارة حِشية من نديف الثلوج. (من قصة بعد ما طال السفر).

* اشترى لها طوق الفل وهما فى شارع الكورنيش فأصرت أن ترتديه وأن تمعن فى أرجحته على صدرها وهى تتمايل ضاحكة. تزغرد بالضحك وكأن الدنيا خلاء فرغ من البشر جميعا إلا هما. يكادان يكونان وحدهما على الممشى فى الجهة الشرقية من الجسر القديم فوق النيل. لا أحد غير النجوم العالية ومويجات النهر الهادية يتكسر عليها ضوء النجوم. ثم كان طوق الفل ينسحق بين الصدرين المشتاقين وتنفرط بين جسميهما زهراته، فيفوح الأريج. (من قصة ضربة كوليرا)

* كان يفضل أداء هذه اللعبة وهو جالس على أحد فوتيهات الأنتريه، يجلس كل منهما على أحد ساقيه، محيطا كل واحد بذراع، بينما أصابعه تلامس آباطهما الطرية وضلوعهما الرقيقة، وينطلق فى الدغدغة بينما يؤرجحهما على ركبتيه ضابطا إيقاع الأرجحة بترديد ما يشبه أهزوجة «ولادى قططى وكلابى. ولادى قططى وكلابى» فيصدح البيت بزقزقات وشقشقات وصخب قهقهة الطفولة وتصايح الأب ــ الجد. وتتساقط النجوم من السماء كالمطر، تريد أن تعرف سر كل هذا الفرح المتصاعدة أصداؤه من كوكب الأرض. (من قصة شهيق عميق، زفير مرتاح)

* فجأة، بدا بحر الرمال أمامى يتماوج، وعبر تماوجه ترتفع كثبان على هيئة قباب ليست كأى قباب. فهى منسابة الأقواس بنعومة لم يكن فى حدود خبرتى حينها أن أشبهها بأى شىء رأيته، ثم استقر يقينى بعد سنين أنها نهود ناعمة لفاتنات خفيات يستلقين على ظهورهن فى الرمل الذى يخفى كل ما فيهن من سحر، إلا سحر تلك النهود العجيبة، تُرصِّع قممها نخلات دانية القطاف، مثقلة بسباطات بلحٍ أحمر وأصفر متوهجين، مُغريين. (من قصة نهود الرمل)

* زادت حيرتهم عندما اكتشفوا أن والده فى غرفة العناية المركزة رقم 5 لم تكن وافته المنية وإن بدا ـ كمعتاد أيامه الأخيرة ـ فى غشية تشبه النوم أو نوم يشبه الغشية، بفعل «كوكتيل» قاتلات الألم القوية والمهدئات التى كان يفيض بها عليه ابنه، وكان الأب فى غشيته بالغة الشفافية، هذه المرة، يضحك، موجات من الضحك الواهن الصامت تسرى فى كيانه الضامر، وترتعش بها ملامح وجهه الشاحب الذابلة. (من قصة حلاق سيبيريا)

* وجدت نفسك كأنما تستيقظ من بيات كئيب. دبيب فرح طازج راح ينتشر فى كيانك بينما صارت أضواء آلاف هذه النجوم البشرية الشابة تتحول إلى سماء مبهجة على الأرض وينعكس ألقها على مياه البحيرة. وشغَّلت المقاهى والمطاعم مولداتها الاحتياطية فشعت قلوبها وشرفاتها بالنور. وفى هذا النور خرج الطهاة والجرسونات فى كل المطاعم والمقاهى يشاركون الآلاف فى صناعة تلك البهجة الذاتية بعروض مبتكرة بأدواتهم ويونيفورم محالهم. (من قصة قمر ونجوم حارس الليل الضرير)

* حط على المكان صمت مُطبَق. وفى ذلك الصمت انحنى الحكم واللاعب المهزوم النازف ليُنهِضا مُسعد من انكبابه الأليم. لكنه لم ينهض بل هوى على جانبه ملموما على نفسه فى تقلص. دخل فى الوضع الجنينى. آخر مُحاولة لهروب إنسان من رعب هائل يحاصره. يلجأ إلى حصن الحماية المطلقة الأول. يعود جنينا إلى رحم الأم الغائب فى واقع اليفاع والحاضر أبدا فى طفولة النفس! (من قصة السملات)

* أخذ يحوِّل نفسه إلى مايكل جاكسون بقبعة من ورق الجرائد يضعها على رأسه فيظهر تحتها شعره متهدِّلا. أما جوارب مايكل جاكسون البيضاء، فقد استعاض عنها بطلاء مكانها على كاحليه بدهان من الماء والدقيق. صار «مالكل ساكسون» كما بدأ ينطقها. فلاح صغير مضحك يرقص رقصا عجيبا ويسرسع صوته بتلك الأغانى إنجليزية الكلمات. أضحى فُرجة البلدة ونسمة ضحكتها أينما مرَّ أو استقرَّ. (من قصة عزوز جاكسون)

* لم يغب عن أم كلثوم اللماحة عمق عاطفة الرجل وقررت أن تعطيه وتعطى نفسها فرصة. كانت تعرف بخبرة السنين الطويلة ولوعة قلب الفلاحة الكتوم الذى لم يسبر أغواره أحد أنها كلما كانت تغنى وسط محبين كلما كان الغناء أشجى وأعلى. لهذا مكثت مُحتفظة بتميمة القصبجى خلفها لآخر لحظة، برغم نوبات شروده الأخيرة وضياعه بعيدا عن اللحن. (من قصة رق الحبيب)

* سرت بحذر، أدور وأعاود الدوران والتوقف، ذاهلًا بين حقول القتل، ولاحظت أن العشب النابت فيها كان رهيفًا كألحان الأسى. ثمة أطراف عظام تطل من التراب ومزق ثياب غبراء تتناثر فى المكان. انحنيت أنبش بطرف قلم فاستخرجت مزقًا شتى من ملابس كان يرتديها الضحايا عند دفنهم. تُرى هل أعثر هنا على مُزقة من قميص خطيب ناسجة الحرير المشجر بألوان القرمزى والأصفر والأخضر؟ (من قصة مزقة من قميص مشجر)



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك