ظاهرة مؤقتة أم تحول فى فكر صناعها؟.. قضايا الأحوال الشخصية تفرض نفسها على الدراما التليفزيونية - بوابة الشروق
السبت 16 أغسطس 2025 11:07 م القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تتوقع النجاح لنظام الدوري المصري الجديد في ظل مشاركة 21 فريقًا؟

ظاهرة مؤقتة أم تحول فى فكر صناعها؟.. قضايا الأحوال الشخصية تفرض نفسها على الدراما التليفزيونية

إسراء زكريا
نشر في: السبت 16 أغسطس 2025 - 7:16 م | آخر تحديث: السبت 16 أغسطس 2025 - 7:52 م

• ماجدة موريس: ضرورة فنية تتطلب جرأة ومسئولية
• سعد هنداوى: «فات الميعاد» كسر الصمت حول العنف الأسرى وحرك مشاعر الشارع المصرى
• محمد شاكر خضير: «تحت الوصاية» جسد معاناة حقيقية عاشتها نساء كثيرات
• ناصر عبدالحميد: نعانى من نقص ملحوظ فى هذه النوعية من الأعمال
• ماجدة خير الله: الدراما تعكس التحولات الاجتماعية وتفتح ملفات مغلقة
• هالة منصور: الدراما تبالغ فى مناقشة قضايا الأحوال الشخصية وتغيب الموضوعية لصالح التشويق

الدراما التليفزيونية ليست مجرد وسيلة للترفيه، بل منصة لطرح موضوعات مجتمعية تمس حياة الناس، وعلى رأسها قضايا الأحوال الشخصية التى برزت مؤخرًا بقوة فى أعمال، مثل «فات الميعاد»، و«تحت الوصاية»، و«إلا أنا»، و«فاتن أمل حربى»، و«برغم القانون».

هذا التوجه أثار تساؤلات حول ما إذا كان يعكس تغيرًا فكريًا لدى صناع الدراما، أم أنه اتجاه مؤقت يستغل رواج هذه القضايا فى الفترة الأخيرة؟

فى التحقيق التالى، تستعرض «الشروق» شهادات من أبرز المخرجين والمؤلفين والنقاد، الذين شاركوا فى هذه التجربة أو تابعوها عن قرب؛ لفهم أبعاد هذا التحول ودلالاته.

قال المخرج سعد هنداوى، إن تصاعد الاهتمام بقضايا الأحوال الشخصية فى الأعمال الدرامية لم يكن تخطيطًا مسبقًا أو مقصودًا بل جاء كنتيجة طبيعية تعكس الواقع الاجتماعى، موضحًا أن الدراما بطبيعتها تلتقط هموم الناس، ومن بينها موضوعات الأحوال الشخصية التى تمس شريحة واسعة من المجتمع.

وعبر عن سعادته بردود الفعل الإيجابية التى تلقاها مسلسل «فات الميعاد»، مؤكدًا أن فريق العمل لم يكن يتوقع هذا الانتشار الكبير، وأن النجاح لا يعتمد فقط على القضية التى تطرح، بل على جودة التنفيذ والإتقان فى كل عناصر العمل من كتابة وإخراج وتمثيل.

وتابع أن الجمهور اليوم يمتلك حسًا نقديًا عاليًا، يمكنه التمييز بين الأعمال التى تناقش القضايا بصدق، وتلك التى تستخدمها كأدوات تسويقية أو جذب سطحية، مؤكدًا أن صدق العمل ينبع من دراسة متأنية لكل تفاصيله، بدءًا من السيناريو مرورًا ببيئة التصوير، وانتهاء بالأداء التمثيلى.

وأشار هنداوى إلى أن التفاعل الكبير عبر منصات التواصل الاجتماعى يعكس ارتباطًا وثيقًا بين الجمهور والعمل، وهو دليل قوى على نجاح العمل فى إيصال رسالته، مضيفًا أن مسلسل «فات الميعاد» ساهم فى كسر الصمت حول قضايا العنف الأسرى، وحرك مشاعر الشارع المصرى تجاه قصص حقيقية يومية.

فيما يرى المؤلف ناصر عبدالحميد أن حضور قضايا الأحوال الشخصية فى الدراما يعبر بصدق عما تشهده العلاقات الاجتماعية من أزمات حقيقية، مؤكدًا أن هذه القضايا هى جزء لا يتجزأ من الواقع اليومى، ويجب أن تحظى بمكانة بارزة فى الساحة الدرامية.

وأشار عبدالحميد إلى وجود نقص ملحوظ فى الأعمال التى تناقش هذه المواضيع بعمق فى السنوات الأخيرة، وذكر أن الأعمال مثل «تحت الوصاية»، «فاتن أمل حربى»، و«فات الميعاد» شكلت نموذجًا متكاملًا فى تناول قضايا متعددة من زوايا مختلفة، ما أضاف قوة وتأثيرًا على الجمهور.

وتابع أنه يستمد خبرته من سنوات طويلة فى العمل الصحفى، حيث كان يتابع التحقيقات التى تكشف هموم الناس الحقيقية، وهذا دفعه إلى التركيز على تقديم قصص واقعية تعكس حياة الناس بشكل عميق، مع إتاحة مساحة للنقاش والحوار بدلًا من تقديم رسائل تقليدية مباشرة.

وعن مشاركته فى كتابة مسلسل «فات الميعاد»، أوضح أن الفكرة انطلقت من سيناريو قدمته الشركة المنتجة عن سيدة تواجه صراعًا مع طليقها وزوجها الحالى، وكيف تتخذ خطوات معقدة للحفاظ على حقها فى حضانة أطفالها، ثم طور الفريق هذه الفكرة إلى قصة متكاملة تمتد على 30 حلقة.

واختتم حديثه بتسليط الضوء على التحديات التى واجهته أثناء الكتابة، مثل تمرير الزمن داخل الأحداث بشكل سلس، مع الحفاظ على تماسك الشخصيات والعلاقات الدرامية، إلى جانب الجهود المكثفة التى بذلت لضمان دقة التفاصيل القانونية، بالتعاون مع عدد من الخبراء المتخصصين.

قال المخرج محمد شاكر خضير إن التركيز على مناقشة قضايا الأحوال الشخصية فى الدراما لم ينبع من فراغ أو صيحة عابرة، بل جاء نتيجة لتحولات اجتماعية وقانونية جذرية تمر بها الأسرة المصرية والعربية، مؤكدا أن تناول هذه الموضوعات يعكس وعيا حقيقيا بدور الفن فى كشف المشكلات التى تواجه المجتمع.

وأشار خضير إلى تجربته مع مسلسل "تحت الوصاية"، التى شكلت منعطفا مهما فى مسيرته الفنية، حيث تفاجأ بأن الأحداث مستمدة من وقائع حقيقية تؤثر على حياة العديد من النساء. وشرح أن الهدف من العمل لم يكن تقديم حلول جاهزة، وإنما إثارة نقاش حول قوانين مثل الوصاية والتحديات التى تواجه المرأة قانونيا واجتماعيا.

كما أكد أن التعاون بين فريق الكتابة والإخراج والتمثيل أسهم فى نقل التجربة بواقعية وصدق، بعيدا عن المبالغة أو استغلال العواطف، مما جعل الرسالة تصل إلى الجمهور بشكل مؤثر. وأوضح أن الدراما المبنية على فهم دقيق للواقع قادرة على إحداث تأثير ثقافى حقيقى، حتى وإن لم تؤد إلى تغيير مباشر فى التشريعات.

واختتم خضير حديثه بتأكيد أن دوره يكمن فى فتح باب النقاش بين الجمهور، مضيفًا: «أنا لا أقدم حلولًا بل أطرح تساؤلات، وأتيح فرصة للحوار، وهذا من صميم مهام الفن وربما من واجباته».

أما الناقدة ماجدة موريس فقالت إن دخول قضايا الأسرة إلى الدراما لا يعد مجرد رد فعل لنجاح بعض المسلسلات، بل يمثل مسارًا متوقعًا يواكب التغيرات الاجتماعية والثقافية التى يشهدها المجتمع.

وأضافت أن الفن أصبح منصة مؤثرة لكشف المسكوت عنه فى هذه القضايا، وأن الأعمال التى تتناولها بوعى وعمق تسهم فى فتح حوار مجتمعى واسع، وتدفع نحو مراجعة قوانين وعادات لم تعد ملائمة لواقع اليوم.

وأشارت موريس إلى أهمية معالجة هذه الموضوعات بجدية، بعيدًا عن السطحية، مشددة على أن الدراما التى تترك أثرًا إيجابيًا فى وعى الناس هى تلك التى تتميز بجودة إنتاجية وأداء تمثيلى مقنع يجعل المشاهد يشعر بأن ما يعرض على الشاشة قريب من حياته اليومية.

واختتمت موريس حديثها بالتأكيد على أن طرح قضايا الأحوال الشخصية بجرأة لم يعد ترفًا فكريًا أو مجرد توجه مؤقت بل بات ضرورة وواجبًا يقع على عاتق الفن، وخطوة مهمة نحو رفع الوعى المجتمعى والمطالبة بتغيير حقيقى فى بعض المفاهيم والممارسات السائدة.

ووصفت الناقدة ماجدة خير الله اهتمام الأعمال الدرامية بتناول قضايا الأحوال الشخصية بأنه تطور منطقى ومتدرج، يبرز التحولات الاجتماعية المتسارعة وزيادة وعى الجمهور، مضيفة أن الدراما أصبحت أداة مهمة لفتح ملفات كانت مغلقة أمام النقاش العام لفترات طويلة.

وأوضحت خير الله أن الجمهور الآن بات أكثر انفتاحا لتلقى أعمال تناقش قضايا مثل الطلاق، الحضانة، والولاية التعليمية، شرط أن يتم تقديمها ضمن سياقات درامية متوازنة تحترم ذكاء المشاهد، بعيدًا عن الاستخدام الاستعراضى السطحى لجذب الانتباه.

وأشارت إلى أن أعمالًا مثل «تحت الوصاية» و«فاتن أمل حربى» قدمت نموذجًا متقدمًا فى تناول معاناة المرأة المصرية عبر شخصيات وأحداث مستمدة من الواقع، دون مبالغة أو تمثيل مصطنع، ما أكسبها مصداقية وقبولًا لدى المشاهدين.

كما أشادت بمسلسل «إلا أنا» الذى تناول قضايا اجتماعية مهمة من خلال حكايات مستقلة، ما أتاح تغطية معمقة لمواضيع متنوعة، مثل العنف الأسرى، والتمييز فى الميراث، وحرمان النساء من التعليم، مضيفة أن هذا التنوع أعطى بعدًا اجتماعيًا قويًا للعمل.

وختمت خير الله مشددة على أن الجمهور قادر على التمييز بين الأعمال الجادة فى تناول قضايا المرأة، وتلك التى توظفها لأغراض ترويجية، معتبرة أن الدراما تتحمل مسئولية اجتماعية كبيرة فى هذا السياق، وأن النجاح الحقيقى يرتبط بتكامل عناصرها الفنية من كتابة وإخراج وتمثيل.

فيما قالت الدكتورة هالة منصور، أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس، إن قضايا الأحوال الشخصية لطالما حظيت بحضور بارز فى الدراما المصرية، لكنها كثيرا ما تعرض من زوايا غير موضوعية. وأوضحت أن الأعمال الدرامية تميل فى أغلب الأحيان إلى الانتصار لطرف على حساب الآخر، فإما تظهر المرأة مظلومة بشكل دائم، أو تسلط الضوء على معاناة الرجل، وهو أمر نادر الحدوث.

وأضافت أن هذا التحيز لا يعكس الواقع الحقيقى للمجتمع، مشيرة إلى أن الدراما المصرية باتت تعتمد بشكل متزايد على الفانتازيا والخيال بدلًا من تصوير نسيج الحياة اليومية وقصص الناس الواقعية. وأكدت أن صناع الدراما أصبحوا يبحثون عن كل ما هو غريب ومثير من أجل جذب المشاهدين، ما يدفعهم إلى دمج عدة مشكلات فى قصة واحدة، فتخرج الأعمال بصورة غير واقعية، ويتحول العرض إلى تحامل واضح على طرف معين، ما يؤثر على مصداقية ما يعرض.

وتابعت منصور قائلة إن قوة أداء الممثلين والإخراج المحترف يسهمان فى إقناع الجمهور بأن ما يشاهدونه هو الواقع، رغم أن الصورة المقدمة كثيرًا ما تكون بعيدة عنه. وأردفت أن الحياة مليئة بمواقف يظهر فيها الرجل كمظلوم، لكن هذه الجوانب لا تجد طريقها إلى الشاشة بالقدر الكافى، ما يجعل الدراما متحيزة فى تناولها لقضايا الأحوال الشخصية.

وأشارت إلى أن الدراما لا تكتفى بالتحيز، بل تبالغ أيضًا فى تناول المشكلات، إذ تسلط الضوء على أكثر من نقطة مثيرة فى حالة واحدة، ما ينتج شعورًا مجتمعيًا بالزخم والقهر، وكأن المشاهد يواجه حقيقة كاملة وليست مجرد معالجة درامية.

ولفتت منصور إلى أن معظم المسلسلات التى تناولت قضايا الأحوال الشخصية خلال السنوات الأخيرة، مثل مسلسلى «تحت الوصاية» و«فاتن أمل حربى»، جاءت منحازة بشكل واضح للمرأة.

وتطرقت إلى مسلسل «فات الميعاد» الذى عرض مؤخرًا، مؤكدة أنه قدم صورة لزوجة مسئولة ومحبة للأسرة، فى مقابل زوج أنانى ومتنصل من واجباته، مع تركيز شديد على التضحيات من طرف والتمرد من الطرف الآخر، واعتبرت أن هذا الطرح افتقد الموضوعية إلى حد ما، مشددة على أن مثل هذه الحالات قد تحدث فعلًا فى الواقع، لكنها لا تجتمع كلها فى قصة واحدة كما تفعل الدراما، وهو ما يبرره صناعها برغبتهم فى تقديم أعمال أكثر جاذبية للجمهور.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك