فورين بوليسي : قطاع التكنولوجيا القشة القاصمة لظهر واشنطن في الحرب التجارية مع بكين - بوابة الشروق
الجمعة 25 أبريل 2025 7:24 م القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

فورين بوليسي : قطاع التكنولوجيا القشة القاصمة لظهر واشنطن في الحرب التجارية مع بكين

أ ش أ
نشر في: السبت 19 أبريل 2025 - 1:20 م | آخر تحديث: السبت 19 أبريل 2025 - 1:20 م

لم تكد تمر 48 ساعة على إعلان البيت الأبيض عن استثناءات من الرسوم الجمركية المضادة، ما خلق بعض الأمل لقطاع التكنولوجيا، إلا وخرج علينا وزير التجارة الأمريكي "هوارد لوتنيك" في تصريح يوم الأحد الماضي بأن الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر وبعض الإلكترونيات الأخرى المعفاة من الرسوم الجمركية الكبيرة على الواردات من الصين، ستواجه رسوما جديدة منفصلة إلى جانب أشباه الموصلات في غضون شهرين.

وذكرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، اليوم /السبت/ - أنه رغم الاستثناء المؤقت الممنوح لصناعة الإلكترونيات، إلا أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد يجد نفسه مضطرا إلى مواجهة حقيقة قاسية في سلسلة توريد التكنولوجيا العالمية، وهي أن استبعاد الصين سيكون أمرا صعبا، فوفقا لتقديرات شركة أبحاث وتحليل سوق التكنولوجيا "كاونتربوينت" العالمية، لا يزال حوالي 80% من أجهزة آيفون المباعة في الولايات المتحدة تُصنع في الصين، وكذلك الأمر بالنسبة لـ 70% من جميع الهواتف الذكية الأمريكية و80% من شاشات الكمبيوتر.

وفي هذا الصدد، يقول باراث هاريثاس، الزميل في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS) في واشنطن العاصمة، والذي يُجري أبحاثا في التجارة والتكنولوجيا والأمن القومي "من الواضح الآن أن الولايات المتحدة تعتمد على الصين أكثر مما تريد الاعتراف به، وعلى الرغم من كل هذا الحديث عن فك الارتباط (بين الاقتصادين الأمريكي والصيني)، فمن الواضح أن مجتمع الأعمال لديه وعيا عميقا بواقع هذا الأمر".

وترى المجلة الأمريكية أن تهديدات ترامب بالرسوم الجمركية ستؤثر بشكل غير متناسب على شركات وادي السيليكون الأمريكية. فعلى الرغم من أن إجبار الشركات على نقل مصانعها إلى الولايات المتحدة هو أحد الأهداف المزعومة لاستراتيجية إدارة ترامب بشأن الرسوم الجمركية، إلا أن إعادة توجيه سلسلة التوريد العالمية للتكنولوجيا بعيدا عن الصين ستستغرق وقتا أطول بكثير من الجدول الزمني الذي يتراوح بين أسابيع وأشهر وفقا لرؤية ترامب.

وتساءل الزميل في مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية، باراث هاريثاس، عما يمكن إنجازه بفعالية خلال شهرين أو ثلاثة أشهر (الاستثناء الممنوح لقطاع التكنولوجيا) لسلاسل توريد على هذا القدر من التعقيد؟.

وفي هذا الإطار، وفيما يتعلق بالرقائق، تحاكي مخاوف إدارة ترامب المتعلقة بالأمن القومي مخاوف إدارة سلفه جو بايدن، التي جعلت من تحفيز التصنيع المحلي أولوية لتقليل الاعتماد على آسيا. لكن أداة ترامب المفضلة فريدة من نوعها، حيث سيكون أول رئيس يفرض رسوما جمركية على أشباه الموصلات، وهي خطوة ذات تداعيات هائلة بالنظر إلى مدى أهمية الرقائق في نسيج الاقتصاد الحديث.

وأوضحت المجلة أن فريق بايدن اختار مجموعة مختلفة من الأدوات. فمن خلال قانون الرقائق والعلوم لعام 2022، خصص الكونجرس 39 مليار دولار كمنح، وما يصل إلى 75 مليار دولار كقروض وضمانات قروض، وإعفاء ضريبيا بنسبة 25% لجذب مصنعي الرقائق إلى الولايات المتحدة. وقد نجح الأمر. فحتى أغسطس الماضي، أعلنت شركات أشباه الموصلات عن استثمارات تصنيعية جديدة في الولايات المتحدة بقيمة تقارب 450 مليار دولار منذ إقرار القانون. (كما اعتمد جو بايدن إجراءات عقابية أكثر على صناعة أشباه الموصلات الصينية، تمثلت في سلسلة من ضوابط التصدير خلال العامين الأخيرين من إدارته، مما حد من أنواع الرقائق المتقدمة التي يمكن بيعها للشركات الصينية).

وفي المقابل، وفي خطابه أمام الكونجرس الشهر الماضي، حث ترامب المشرعين على إلغاء قانون الرقائق والعلوم، واصفا إياه بأنه "فظيع". لكن يبدو أن الإدارة تميل حاليا –وفقا لتقارير- إلى الإبقاء على الحوافز الضريبية في القانون، مع فرض رسوم جمركية إضافية.

وحول مدى أهمية الرسوم الجمركية مقارنة بقانون الرقائق، توصلت دراسة أجراها معهد بيترسون للاقتصاد الدولي (PIIE) إلى أن الرسوم الجمركية وحدها كانت لتكون أقل فعالية بكثير من قانون الرقائق في تعزيز إنتاج الرقائق المحلي. ويرى خبراء أن إضافة رسوم جمركية (على أشباه الموصلات بنسبة 25%) إلى جانب الحوافز الحالية قد تسرع من ازدهار قطاع التصنيع في الولايات المتحدة، إلا أنها ستكلف الشركات والمستهلكين الأمريكيين الكثير.

وحيث إن الطلب الأمريكي على الرقائق يفوق العرض المحلي الحالي بكثير، لذا لن يكون أمام الشركات خيار سوى الاستمرار في استيرادها وتحمل الرسوم الجمركية لبعض الوقت. وفي حين تنتج جزيرة تايوان حوالي 90% من أكثر الرقائق تطورا في العالم، فإن هيمنة الصين تتزايد بشأن إنتاج الرقائق القديمة المعروفة باسم أشباه الموصلات التي لا تتمتع بنفس التكنولوجيا المتقدمة، ولكنها لا تزال تشكل ركيزة أساسية للاقتصاد العالمي، وتستخدم في منتجات من السيارات إلى غسالات الأطباق.

وأشارت "فورين بوليسي" إلى أن القلق ينصب حاليا على إنتاج الرقائق غير المتطورة، حيث شهد إنتاج الصين من هذه الرقائق ارتفاعا هائلا. فقد اشترت الصين كميات هائلة من معدات تصنيع أشباه الموصلات، وإنتاجها مرتفع بما يكفي لإثارة المخاوف من أن يكون هناك في نهاية المطاف فائضا في الطاقة الإنتاجية؛ مما يؤدي إلى انخفاض كبير في أسعار هذه الرقائق، وبالتالي خروج العديد من شركات أشباه الموصلات الأمريكية من العمل.

ونبهت المجلة إلى أن إدارة ترامب تواجه مشكلة تتمثل في أن سلاسل التوريد المتأثرة لا يمكن أن تتحرك بين عشية وضحاها. فعلى سبيل المثال، بدأت شركة TSMC لصناعة أشباه الموصلات الإنتاج في أول مصنع لها في ولاية أريزونا الأمريكية، لكن بناء المصنع التالي قد يستغرق عامين على الأقل. وفي غضون ذلك، ستثقل كاهل الشركات الأمريكية بتكاليف أعلى. وقد يؤثر ذلك سلبا على شركات الذكاء الاصطناعي بشكل خاص نظرا لحاجتها إلى عدد هائل من الشرائح لتشغيل مراكز البيانات الخاصة بها.

وبينما يفكر ترامب في خطواته التالية، تصر الصين بشدة على تذكير الولايات المتحدة بنقاط ضعف سلسلة التوريد لديها.

ففي أوائل أبريل الجاري، ردت الصين على حرب ترامب التجارية بالكشف عن قيود تصديرية تستهدف بشكل كبير المعادن الأرضية النادرة الثقيلة، مسلطة الضوء على نفوذ بكين الهائل على إحدى أكبر الاحتياجات الاستراتيجية الأمريكية. وبما أن الإجراءات الجديدة تلزم الشركات بالحصول على تراخيص تصدير خاصة، والتي لا تزال الصين تنشئ نظام ترخيص لها، فمن المرجح أن توقف بكين الصادرات لفترة زمنية غير محددة.

وبالنسبة للمشرعين والشركات الأمريكية، فإن كل هذا الغموض ينذر بالمتاعب. فمن هواتف آيفون وتوربينات الرياح إلى طائرات لوكهيد مارتن إف-35 المقاتلة، تعتمد العديد من التقنيات الحيوية للاقتصاد الأمريكي والأمن القومي على المعادن النادرة.

وتكمن المشكلة الكبرى التي تواجه المشرعين الأمريكيين في أن الصين تسيطر بشكل كبير على سلاسل توريد المعادن النادرة العالمية، لا سيما في مجال المعالجة وإنتاج المغناطيس. وقد استغلت بكين هذه الهيمنة كسلاح في خلافات دبلوماسية سابقة.

كما أن نقاط ضعف واشنطن لا تقتصر على المعادن الأرضية النادرة فحسب. فمع تناحر الصين والولايات المتحدة على التجارة والتكنولوجيا في السنوات الأخيرة، فرضت بكين ضوابط تصدير على مواد رئيسية، بما في ذلك الغاليوم والجرمانيوم، وهما من مدخلات صناعة الرقائق. كما حظرت بكين تصدير التقنيات المستخدمة في فصل المعادن الأرضية النادرة واستخراجها وإنتاج المغناطيس.

وتساءلت "فورين بوليسي" عما إذا كانت واشنطن وبكين تستطيع التراجع عن حربهما التجارية؟ ففي حين صرح أليكس وونغ، نائب مستشار الأمن القومي الرئيسي لترامب، في قمة الطاقة وأمن المعادن الحيوية في واشنطن في وقت سابق من هذا الشهر: بأن "هذا الوضع غير قابل للاستمرار بالنسبة لأمريكا أو للعالم"، حيث تركز إدارة ترامب بشدة على ضمان ألا يكون الاقتصاد الأمريكي والأمن القومي تحت رحمة الصين أو أي دولة أخرى، إلا أن الأمر لا يقتصر على الإرادة السياسية فقط.

فبغض النظر عن مدى حرص إدارة ترامب على تنويع مصادرها بعيدا عن المعادن النادرة التي تنتجها بكين، يؤكد خبراء الصناعة أن جهود الولايات المتحدة لتأمين سلاسل توريد جديدة ستستغرق سنوات على الأرجح حتى تؤتي ثمارها، لا سيما في ظل التحديات طويلة الأمد في مواجهة اقتصادات الحجم الكبير في الصين وفجوات الخبرة في هذا المجال.

ووفقا لتقرير حديث صادر عن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS)، فإن القدرات الأمريكية الحالية (بشأن عدم الاعتماد على الصين فيما يتعلق بالمعادن النادرة) في معظمها "في مراحلها المبكرة"، حيث لا يوجد حاليا أي فصل للعناصر الأرضية النادرة الثقيلة في الولايات المتحدة.

وختاما، فقد أظهرت التطورات التجارية الأخيرة، أن الصين ورغم ضعفها النسبي في الحرب التجارية بسبب اعتمادها على أسواق التصدير الأمريكية، إلا أنها تتمتع بنفوذ كبير على الولايات المتحدة في قطاعات حساسة ومؤثرة، وبالتالي فإنها قادرة على إلحاق ضرر كبير بالولايات المتحدة.

 



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك