أعتقد أن بعض محبى الموسيقى الكلاسيكية وخاصة الأعمال التى ألفت لآلة الفلوت، يعرفون جيدا كونشيرتو الفلوت «الليل La Notte» للموسيقار الإيطالى المولود فى مدينة البندقية، أنطونيو فيفالدى 1678 ـ 1741 والذى كان أيضا قسيسا وعازفا ومعلما لآلة الكمان، والمعروف بسبب كونشيرتو الفصول الأربعة المكون من أربعة كونشيرتو للكمان، والذى حاول فيه محاكاة عوامل الطبيعة المختلفة مثل نسيم الربيع الهادئ ورياح وعواصف الخريف والشتاء. أما كونشيرتو الليل للفلوت فمعه يحملنا فيفالدى فى رحلة صوتية فريدة إلى أعماق الليل بين الصحو والغفوة والنعاس والنوم وما وراء النوم إلى عالم الحلم الشامل الغريب، بارتحال صوت الفلوت بين الرعشة والهمس، ومن خلفه الآلات الوترية تردد أو تعارض اللحن. وقد ألف فيفالدى أكثر من عمل للفلوت، ولكن هذا العمل هو مصاحبى فى ليل الكون دائم التجدد.
وقد ألف موزارت أيضا أعمالا موسيقية لآلة الفلوت ولعل أوبرا الفلوت السحرى من الأعمال الأوبرالية البارزة؛ حيث فى المشهد الثالث من الفصل الأول يعزف تامينو الأمير الوسيم لحنا على الفلوت السحرى فتظهر الحيوانات وترقص مأخوذة بحلاوة النغم.
أما الناى فيعتبر من أقدم الآلات الموسيقية، إذ استخدمت نغماته فى الطقوس الدينية كما الدنيوية، من الكهنة إلى رعاة الغنم. وقد اعتمدت الجماعات الصوفية فى تركيا على الناى أثناء طقوس الذكر عند بعض الدراويش.
وانتشر الناى فى شمال أفريقيا والشرق الأوسط وايران والهند واليابان، وأصبح من الآلات الأساسية فى الموسيقى العربية، وبرع فى مصر بعض عازفى الناى مثل الفنان سيد سالم عازف الناى فى فرقة السيدة أم كلثوم والفنان محمود عفت الذى كان يعزف فى البداية آلة الفلوت ولكنه انتقل إلى الناى الأكثر انسجاما مع الموسيقى الشرقية، وقد تولى قيادة الفرقة الماسية بعد وفاة الفنان أحمد فؤاد حسن. وهنا يجب ذكر كونشيرتو الناى للموسيقار عطية شرارة.
أما فى مصر القديمة وكما هو مسجل على جدران المقابر وكما وجد أيضا داخل حجرات الدفن، نجد أن آلة الناى ذات أهمية خاصة.
وفى عام 1991م، وتبعا لما نشر بجريدة الأهرام بتاريخ 1 يونيو عام 1991م، قام مجموعة من العلماء المصريين والأمريكان بتجربة علمية كشفت عن أن الفراعنة عرفوا السلم الموسيقى قبل العالم اليونانى «فيثاغورث»، وذلك من خلال تجاربهم على آلات الناى الموجودة بالمتاحف المصرية. وهذا نص ما ورد فى جريدة الأهرام: «تجربة علمية مصرية أمريكية بالمتحف المصرى تكشف أن الفراعنة عرفوا السلم الموسيقى قبل العالم اليونانى فيثاغورث». وقد قام وقتها بهذه التجربة المثيرة، الدكتور فتحى صالح، الأستاذ بهندسة القاهرة، والفنان محمود عفت عازف الناى، والأستاذ بأكاديمية الفنون بالقاهرة، والدكتور روبرت كريبسى من جامعة كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية، وقد تم الاتفاق مع الفنان محمود عفت على القيام بتجربة عملية يعزف خلالها على بعض من مجموعة «الناى» الموجودة بالمتحف المصرى وتسجل النغمات والذبذبات على الكمبيوتر، وقد قام الفنان محمود عفت باختيار الغاب الذى قام بصنع ناى التجربة منه، من وسط مئات الغاب فى محاولة للعثور على غاب يماثل الغاب الذى صنع منه ناى المتحف. وبدراسة النتائج، ومن خلال عزف محمود عفت، وجد نايا يرجع إلى عصر الأسرة الفرعونية الثامنة عشر يطابق تماما السلم الموسيقى المعروف حاليا بالسلم السباعى كما عثر على «ناى» يرجع إلى الدولة الوسطى يعطى نغمات السلم الخماسى. وكان الكهنة يحتفظون بالمعبدبناى ذات مواصفات خاصة من ناحية نوع الغاب والطول وموضع الثقوب، وبالرجوع إلى ذلك الناى المرجع كانت تصنع النايات الأخرى.
وهناك قصيدة رائعة عن الناى لمولانا جلال الدى الرومى يقول فيها:
«أنصت إلى الناى يحكى حكايته
ومن ألم الفراق يبث شكايته:
مذ قطعت من الغاب، والرجال والنساء لأنينى يبكون
أريد صدرا مزق بألم الفراق
لأبوح له بألم الاشتياق
فكل من قطع عن أصله
دائما يحن إلى زمان وصله»