الدكتور محمد عليوة زيدان يكتب: الاعتراف الدولي بفلسطين.. بين الشرعية الدولية وسياسة الأمر الواقع - بوابة الشروق
الأحد 28 سبتمبر 2025 7:27 م القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

ما هي توقعاتك لقمة الأهلي والزمالك المقبلة؟

الدكتور محمد عليوة زيدان يكتب: الاعتراف الدولي بفلسطين.. بين الشرعية الدولية وسياسة الأمر الواقع

الدكتور محمد عليوة زيدان
الدكتور محمد عليوة زيدان

نشر في: الأحد 28 سبتمبر 2025 - 4:38 م | آخر تحديث: الأحد 28 سبتمبر 2025 - 4:38 م

شهدت أروقة الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 22 سبتمبر 2025 لحظة استثنائية أعادت القضية الفلسطينية إلى صدارة المشهد الدولي. فقد انعقدت الجلسة رفيعة المستوى بوصفها امتدادًا لـ«إعلان نيويورك» الذي اعتمدته الجمعية العامة في 12 سبتمبر الجاري بشأن تنفيذ حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وهو إعلان حظي بتأييد 142 دولة، ما يشكل دليلًا دامغًاعلى الإجماع الدولي واسع النطاق للحقوق الفلسطينية المشروعة، وفي مقدمتها حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

يتزامن هذا الزخم الدبلوماسي مع الكارثة الإنسانية غير المسبوقة التي تشهدها غزة منذ الثامن من أكتوبر 2023، حيث تشير تقارير الأمم المتحدة إلى سقوط أكثر من 64 ألف شهيد منذ اندلاع ما بات يوصف بـ(حرب الإبادة)، فضلًا عن انهيار شبه كامل للمنظومة الصحية، وحرمان مئات الآلاف من الغذاء والماء والكهرباء. هذه المأساة ألقت بظلالها الثقيلة على كلمات قادة العالم في الجلسة، وحوّلت النقاش من مجرد خطاب سياسي إلى استغاثة إنسانية وأخلاقية عاجلة. جاءت الجلسة في لحظة فارقة تتصاعد فيها السياسات الإسرائيلية القائمة على فرض الأمر الواقع ومحاولات تقويض أي مسار حقيقي نحو حل الدولتين.

وسط هذا المشهد المأساوي، يبرز السؤال المحوري؛ هل يكفي الاعتراف الدولي والقرارات الأممية لمواجهة سياسات فرض الامر الواقع بالقوة، أم أن الأمر يتطلب مزيداً من الجهود المكثفة للتوصل لوقف إطلاق النار في غزة ما يمهدلإحياء عملية السلام وحماية ما تبقى من فرص الحل العادل والدائم، ويضع حدًا للانتهاكات الإسرائيلية السافرة واستخدامها التجويع والحصار كسلاح من اجل اجبار الشعب الفلسطيني على ترك أرضه.

يمثل إعلان نيويورك تعهّد سياسي جماعي بإبقاء حل الدولتين على قيد الحياة. والجلسة رفيعة المستوى التي شهدتها الدورة الـ 80 للجمعية العامة للأمم المتحدة؛ جسّدت أول ترجمة عملية لهذا التعهّد، إذ أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من على منبر الأمم المتحدة “آن الأوان… أعلن أن فرنسا اليوم تعترف بدولة فلسطين." لم تكن فرنسا وحدها، بل لحقت بها بلجيكا، لوكسمبرج، مالطا، موناكو وأندورا، وسبق ذلك اعتراف أستراليا وبريطانياوكندا والبرتغال بالدولة الفلسطينية. ليرتفع عدد الدول المعترفة بفلسطين إلى أكثر من 153 دولة، في لحظة إجماع دولي نادرة. هذه الاعترافات لم تعد مجرد رمزية سياسية، بل تحوّلت إلى أداة ضغط متزايدة على إسرائيل ورسالة بأن العالم بدأ يرفض استمرار الاحتلال كأمر طبيعي.

لكن في مقابل هذا الحراك الدولي، تواصل إسرائيل انتهاج ما يُعرف بسياسة "الأمر الواقع “، في أدبيات العلاقات الدولية، تشير سياسة «الأمر الواقع» إلى خلق وضع جديد بالقوة ثم السعي إلى تثبيته سياسيًا ودوليًا باعتباره حقيقة لا رجعة عنها. ومن ثم فإنها تعد أداة لتقويض القانون الدولي وتحويل مسار التسويات لصالح الطرف الأقوى. إسرائيل تطبّق هذا النهج منذ عقود أي تفرض حقائق جديدة على الأرض بالقوة ثم مطالبة العالم بالتسليم بها. يتجلى ذلك في توسيع المستوطنات في الضفة الغربية، وتهجير الفلسطينيين قسرًا من أراضيهم، والضم التدريجي للأراضي تحت ذرائع أمنية. منذ بداية 2024 وحدها، أقرّت إسرائيل بناء آلاف الوحدات الاستيطانية الجديدة، ما يهدد بجعل حل الدولتين غير قابل للتطبيق عمليًا.

سياسة الأمر الواقع لا تقتصر على الجغرافيا، بل تمتد إلى الحصار الاقتصادي والعسكري، وتقييد حركة الفلسطينيين، واستخدام التجويع كسلاح حرب كما وصفه مسؤولو الأمم المتحدة. الهدف النهائي يبدو واضحًا؛ تصفية القضية الفلسطينية عبر فرض واقع جديد لا يمكن التراجع عنه. بهذه السياسات، تعمل إسرائيل على إفراغ أي اعتراف دولي من محتواه العملي،وتحويله إلى مجرد ورقة معنوية لا تؤثر في موازين القوة على الأرض.

وإلى جانب السياسات الإسرائيلية على الأرض، يلعب حق النقض (الفيتو)الأمريكي دورًا حاسمًا في تعطيل أي تحرك دولي يمكن أن يحول الاعتراف إلىواقع ملزم. فواشنطن، التي تقدم دعمًا عسكريًا وسياسيًا غير محدود لإسرائيل،تواصل توفير الغطاء الدبلوماسي لها في مجلس الأمن. ومنذ السابع من أكتوبر2023، استخدمت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) ست مرات لإسقاطمشاريع قرارات تهدف إلى وقف العدوان أو إدانة الانتهاكات الإسرائيلية أو دعمالفلسطينيين. هذا السلوك لا يكتفي بإجهاض أي إجماع دولي، بل يكرس أيضًاصورة مجلس الأمن كمنبر عاجز أمام إرادة القوة الأميركية ـ الإسرائيلية. النتيجة أن الاعتراف الدولي يبقى في حدود الضغط الرمزي، بينما يُمنع تحولهإلى قرار أممي ملزم يمكن أن يغير قواعد اللعبة.

في مواجهة سياسة فرض الأمر الواقع الإسرائيلية، تقود مصر حراكًا عربيًا ودوليًا مكثفًا للدفاع عن الحقوق الفلسطينية وإبقاء حل الدولتين حاضرًا على جدول أعمال المنظمة الأممية. فمنذ اندلاع العدوان على غزة في أكتوبر 2023، تحركت القاهرة عبر مندوبها الدائم لدى الأمم المتحدة لتنسيق الموقف العربي داخل الجمعية العامة ومجلس الأمن، وكانت من أبرز الداعمين لاعتماد «إعلان نيويورك» الذي طالب بخطوات ملموسة ولا رجعة عنها نحو إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.

وعلى الصعيد السياسي، استضافت مصر اجتماعات وزراء الخارجية العرب لتوحيد الموقف الإقليمي، وأكدت في كل بياناتها رفض أي محاولات للتهجير القسري أو فرض حلول أحادية الجانب. كما لعبت دور الوسيط الفاعل في جهود وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، إلى جانب ذلك، كثّفت القاهرة اتصالاتها مع العواصم المؤثرة مثل واشنطن وبروكسل وموسكو وبكين للضغط من أجل وقف العدوان. ولم يقتصر الدور المصري على البعد السياسي فحسب، بل شمل البعد الإنساني من خلال تسهيل دخول المساعدات عبر معبر رفح وإقامة مستشفيات ميدانية لاستقبال المصابين بالتنسيق مع الهلال الأحمر المصري ووكالات الأمم المتحدة، بما يعكس التزام مصر بمسؤوليتها التاريخيةتجاه الشعب الفلسطيني ويؤكد أن مصر تنظر إلى الأزمة من منظور شامل يجمع بين الحلول السياسية والعمل الإنساني.

وإلى جانب ذلك، يظل صمود الشعب الفلسطيني وتمسّكه بحقوقه التاريخية وبقائه على أرضه عاملاً حاسمًا في مواجهة محاولات التهجير والتصفية. فرغم الحصار والتجويع والقتل الممنهج الذي تمارسه إسرائيل منذ اندلاع الحرب على غزة، يثبت الفلسطينيون أن إرادتهم هي السدّ الأخير في وجه محاولات فرض الاحتلال كأمر واقع. هذا الصمود هو ما يمنح الاعتراف الدولي قيمته الفعلية ويحول دون تحوّل الاحتلال إلى أمر واقع مقبول دوليًا.

ختامًا أعادت جلسة حل الدولتين الزخم للقضية الفلسطينية وأظهرت عزلة الموقف الإسرائيلي، لكنها أيضًا وضعت العالم أمام مسؤولياته. الاعتراف وحده لا يكفي؛ يجب تحويله إلى ضغط سياسي وقانوني واقتصادي مستمر، وفرض عقوبات على المستوطنات، ومحاسبة مرتكبي جرائم الحرب. وقبل ذلك كله التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار. بين الاعتراف وسياسة الأمر الواقع تدور معركة مصيرية؛ فالاعتراف يمنح الفلسطينيين شرعية سياسية، فيما يسعى الأمر الواقع إلى محوهم من الجغرافيا. وستُحسم النتيجة بمدى قدرة المجتمع الدولي على تحويل هذه اللحظة إلى نقطة تحول تاريخية تقود إلى قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، بدلاً من أن تبقى مجرد قرار جديد يُضاف إلى أرشيف القرارات المؤجلة.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك