سراج لرضوى عاشور.. حكاية عربية عن المقاومة - بوابة الشروق
الأحد 26 يناير 2025 3:32 ص القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

سراج لرضوى عاشور.. حكاية عربية عن المقاومة

إيمان صبري
نشر في: الجمعة 29 نوفمبر 2024 - 6:33 م | آخر تحديث: الأحد 1 ديسمبر 2024 - 5:30 م

سراج حكاية عربية عن المقاومة

كتبت: إيمان صبري

"حكاية عربية" هكذا كُتب بشكل واضح ومباشر على غلاف رواية "سراج" للأديبة رضوى عاشور؛ كلمتان أثارتا العديد من الأسئلة.. هل المقصود كونها حكاية من التراث العربي تعيد الكاتبة صياغتها؟ أمحكاية تحدث في دولة عربية ما بعيدة كل البعد عن مصر؟ أم المقصود أنها حكاية لا تحدث سوى في بلادنا العربية فقط؟

المفاجأة كانت أن الرواية ذاتها إجابة واضحة وصريحة على كل ما سبق من تساؤلات، بل تعد واحدة من أهم التجارب الروائية التي عبرت من خلالها رضوى عاشور عن هويتها العربية التي لم تتجزأ وتتمزق بين بلدة على حساب أخرى؛ فما دامت المعاناة متشابهة بل واحدة لن يختلف الانتماء، لكنها عبرت إلى تلك الهوية من بوابة التاريخ بالمزج بين الحقيقة والخيال، كان المكان متخيل وزمن الأحداث حقيقي ونتائجه متوقعة؛ فكانت رواية سراج التي صدرت عام 2008 عن دار الشروق.

تبدأ أحداث الرواية من رحلة "آمنة" اليومية من منزلها إلى قصر السلطان الحاكم حيث تعمل خبَّازة، لم تتخلف يوما عن موعدها الذي يبدأ مع شروق الشمس وينتهي بغروبها، وتمسكت بعملها رغم رحيل زوجها بلا رجعة وسفر الابن "سعيد" إلى بلاد بعيدة يصعب حساب العودة منها بقدر المسافة بينهم.

رحل "سعيد" ابنها الوحيد على متن واحدة من السفن التي تأتي إلى الجزيرة تحمل خيراتها إلى بلاد الغرب، وتمر في طريقها ببلاد عربية لم يسمع عنها أحد، اختار الابن الرحيل لعلّه يجد حياة أخرى خارج الجزيرة بعيدا عن فقر الشعب واستسلامه، وعبيد السلطان الذين زاد عددهم من تسلطه وظلمه بالرغم من أن الكلمة النهائية ليست له.

كانت الكلمة للاحتلال البريطاني المسيطر على خيرات الجزيرة التي بالرغم من حصار البحر لها بين اليمن وزنزبار؛ لكنها مليئة بخير البضائع  التي تصلح للتجارة؛ فتدر عائدًا ضخمًا يمول حملاتهم، ولم يكتف رجال الاحتلال بذلك بل قرر أحدهم بناء قاعدة عسكرية في الجزيرة لإحكام القبضة عليها.

ظن "سعيد" أنه يفر من سيطرة الاحتلال على الجزيرة؛ وإذا به يواجه نفس المصير في الإسكندرية حيث رست السفينة ورحلت في موعد مبكر عن ميعاد رحيلها المعروف، ليعايش "سعيد" يوميات الثورة العرابية، ثم محاصرة الإسكندرية ودك حصونها وقتل المئات من أهلها وهزيمة عرابي واحتلال مصر بالكامل.

تلك الأحداث كانت الخلفية التاريخية التي اختارتها الكاتبة رضوى عاشور للحكاية العربية؛ حتى تقف من خلالها على جذور الاحتلال الذي ظل يدمي قلوبنا لسنوات ومازال حتى الآن، لكنه في تلك الفترة كان يعتمد على بٌعد المسافات وجهل الشعوب ببعضها البعض، ولكن الهوية واحدة وهو ما أكدته الكاتبة من خلال الصداقة التي جمعت "سعيد" بـ"محمود" الشاب السكندري الذي انتشله من التيه، وقدمه إلى عائلته ليصبح فردًا منهم، حتى يجد سعيد نفسه أمام رحيل آخر.

رحيل لم يتعمده، فقط كان الهدف منه البحث عن صديقه الذي فقده خلال المقاومة، فإذا به في واحدة من القرى بالقرب من ترعة المحمودية، يلتقي "أبو إبراهيم" الذي يشفق على حاله؛ فيرسله إلى منزله ليظل وسط أبنائه حتى يعود من رحلته التي اعتزمها للانضمام إلى البقية الباقية من رجال عرابي.

يصل سعيد إلى منزل أبو إبراهيم لتحتويه زوجته كواحد من أبنائها، وهنا تسلط الرواية الضوء على دور المرأة الذي خصته الكاتبة بحيز كبير في أعمالها الأدبية، فمن بين يديها ينطلق السرد ومن خطواتها تبدأ الحكاية، فهي التي تشهد الأحداث وتتحمل تبعاتها بل تتحمل شجاعة حفظ الحكاية وروايتها عشرات المرات والتاريخ خير شاهد على ذلك باختلاف الظروف والزمان والمكان.

فكما حملت آمنة عبء العمل في قصر السلطان واخفت ألمها على رحيل ابنها الوحيد، تتحمل أم إبراهيل ألم موت الابن الأكبر ورحيل زوجها للحرب، وتتحمل مرارة الهزيمة التي يعود بها الزوج يحملها على كتفيه وتنعكس في طباعه التي تبدلت، وتضع فوق ذلك مسؤولية سعيد الذي يعتاد الحياة بين ابنائها ويتعلم حتى الزراعة التي لم يعرفها طيلة حياته، وهنا موضع آخر تحدثنا فيه عن الهوية والانتماء هل هو بالنشأة والميلاد فقط أم أنه بالتجربة، بالعادات والتقاليد التي تتشابه بالبشر الذين لا يختلفون عنك في شيء سوى أنهم ولدوا في مكان آخر وظروف مختلفة، إذا ماذا تعني الهوية؟ وما هو جوهر الانتماء؟ عليك أن تعيد التفكير في معناهم.

لم يقتصر دور المرأة في الرواية على آمنة وأم إبراهيم فقط فقد كان لها حضور مختلف في صور متعددة اختلفت بقدر اختلاف الظروف، حاكمة القصر زوجة السلطان، وملكة انجلترا، والعاملات في القصر، لكن تظل أبرزهم تودد الفتاة التي استمعت للقاضي يروي الحكايات من كتاب لا تعلم ما هو ولا تستطيع القراءة فيه لكن سحر الحكاية ورنينها أرغمها على التسلل وسرقة الكتاب لتتصفحه ليلا وكأن كلماته سوف تنطق لتخبرها بما تعنيه، وهنا ألم تكن تودد نواة ثورة ورغبة في التغيير؟ ألم يحدث التغيير الأكبر بالفعل حين اختلف دور المرأة العربية فيما بعد؟

تتكاتف الظروف وتمهد الطريق لعودة سعيد إلى الجزيرة التي لم تتغير في شئ، فمازالت آمنه تنتظره وتمارس مهامها اليومية، والعبيد يزداد عددهم ولا يجرؤ أي منهم على التمرد، حتى العجوز عمار الذي كان شاهد على تاريخ السلطان والجزيرة ويعلم خبيئة أهلها مازال على حاله لم تحول سنوات عمره بينه وبين العمل مما زاد السلطان قوة وبطش، لكن رحلة سعيد الطويلة لم تذهب هباء، كانت شرارة ثورة وتمرد على السلطان، لكنه نسي أن الاحتلال هناك بل أكتمل بناء قاعدته فأي نجاح للثورة بين هؤلاء؟

لكنها كانت محاولة أصبحت حكاية أبطالها سعيد وتودد والعجوز عمار، وحتى محمود الذي لم يعرفه أهل الجزيرة سوى من حكايات سعيد، لم تنساه آمنه بل تذكر حكايته يوميا وهي تستعيد حكايات أبناء الجزيرة، أصحاب الثورة التي لم تكتمل، تحول الحديث عنهم إلى سراج سنير لياليها الحالكة بالوحدة والشيخوخة، وبمرور الأيام تحولت ثورتهم إلى سراج أنار الطريق أمام من جاء من بعدهم بوهج جرئ أعظلم عيون السلطان والاحتلال إلى الأبد.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك