قبل أيام قليلة كان الذى يزور وسط البلد أو يمر من شوارعها لابد ان يصاب بالحزن مما جرى فيها والهلع مما يراه من احتلال للباعة الجائلين كل الأرصفة والشوارع ولا تستطيع سيارة المرور إلا بصعوبة بالغة فضلا عن الدمار الذى لحق بالمبانى الخديوية ذات الطرازا لباريسى الجميل.

لقد وقعت أجمل شوارع العاصمة فى يد هؤلاء والذين جعلوا البلطجة سلاحهم فى البقاء والاستمرار ومهما مرت عليهم من حملات كانوا يعودون بعدها أكثر شراسة وبلطجة.

وكان الحل العملى لرئيس الوزراء هو نقلهم إلى موقف الترجمان بعد إعداد المبنى لهذه الوظيفة وهو ما تم بالفعل منذ يومين او ثلاثة بنجاح كامل وخلت شوارع وسط البلد منهم وسيطرت القوات على النظام فيها حتى لا تخرج مجموعة من البائعين ثم يحتلها آخرون.

وسط المدينة الآن مبتهج يتلألأ والشوارع عادت كى تكون شوارع نظيفة والمحال فتحت ابوابها على مصراعيها وعمليات البيع نشطت والحركة التجارية عادت مرة اخرى بعدما ذاق تجار وسط البلد الأمرين ووقف الحال لسنوات من سيطرة الباعة الجائلين.

إنجاز محلب والمسئولين معه والجيش والشرطة يحسب لهم ومع ذلك لدينا ملاحظات.

أولا: أن الترجمان ليس مجرد جراج أو موقف لسيارات الأقاليم ولكنه الآن مول أو مركز تجاري له طبيعة خاصة سواء من حيث البائعين وبضائعهم أو المشترين ومستوى دخولهم ومن ثم فإن هذه الطبيعة الخاصة تتطلب إدارة متخصصة فى إدارة مثل هذه المراكز ولا يمكن ان توكل إلى إدارة بنمط حكومى بحت يعتمد على أن وكيل الوزارة جاى يمر ووكيل الوزارة مشى أو إنشاء إدارة جديدة فى المحافظة أو الحى تسمى الإدارة العامة المركزية لشئون الترجمان، لأن هذه الطبيعة وهذا الجمهور لابد ان يحصل على كل ما يحدث فى المولات الكبيرة من مسابقات وعروض فنية ومقاهٍ ومطاعم محترمة ترتفع بذوق روادها وتعطيهم الإحساس بأنهم غير مهمشين أو من عجينة أو طبقة معزولة.

ثانيا: أن نجاح هذه التجربة أو ما يمكن أن نسميه المشروع الرائد أو القائد لابد أن يعمم بالمحافظات والتى تعانى من العشوائيات التى باتت واضحة فى كافة الأنشطة الاقتصادية من الصناعة إلى التعليم والصحة والغريب ان اتحاد الغرف التجارية واتحاد الصناعات فى واد آخر واقتصرت مشاركتهم فى قضية الباعة الجائلين على الشكوى دون أن يتقدم أى منهما بخطوة.

وثالثا: أن نشاط الباعة الجائلين يعد نوعا من النشاط التجارى المعترف به عالميا ومن ثم فإن نجاح ما جرى لابد ان يدفع الحكومة إلى البحث فى ملفاتها عن قانون الباعة الجائلين وعليها تفعيله وتنظيم هذه القوة الاقتصادية سواء من الناحية الإدارية وعلاقاتها بالأجهزة الحكومية والتراخيص والتسهيلات النى يمكن ان تقدم لها او من حيث التمويل واعتبارها مشروعات متناهية الصغر او من حيث اعتبارها منفذا لمنتجات مشروعات الصندوق الاجتماعى كما يجب تدريب من يصلح منهم على التصنيع بدلا من الاستسهال فى بيع السلع الصينية الرديئة، وكل ذلك يعد مجرد خطوة لإدماج الاقتصاد غير الرسمى فى الهيكل الاقتصادى للدولة ولكن بشكل مطمئن للعاملين فيه بغير التزامات سيادية وبمزايا خدمية مغرية كالمشورة الفنية وإمدادهم بالآلات الحديثة والمعاونة فى التسويق.

أخيرا هناك تخوف بعد إزاحة الباعة الجائلين من انقضاض رجال الأعمال على مبانى وسط البلد وهذا حديث آخر.