ماذا يحدث لو أن الحكومة قررت نقل 1% فقط من سكان العشوائيات إلى مناطق جديدة مخططة؟ يجيب مؤخرا على هذا السؤال المركز المصرى للدراسات الاقتصادية بأن تكلفة ذلك تبلغ نحو 26 مليار جنيه.
وهناك سؤال آخر أكثر أهمية هل هذه المشكلة وغيرها مما يطفح على سطح المجتمع كالحوادث وغيرها جديد على المجتمع؟ وما الذى دفعها بشدة الآن؟ وكيف تعالج؟
من المؤكد أن جديدا لم يطرأ فمثل هذه المشكلات وغيرها تتفاقم منذ سنوات طويلة وملفاتها الساخنة تتراكم ولكن الجديد هو المشاركة بين الناس والحكومة حولها وظهور إرادة سياسية تبغى حلها وكانت غائبة وتركتها الدولة تتزايد وتتزايد وتتسع لتشمل كل محافظات مصر بغير استثناء لدرجة أن شمال سيناء بها 37 منطقة عشوائية وفى نفس الوقت تقول لنا الإعلانات بالصحف وتبشرنا بما يسمى منتجعات أو كما يفضل سكانها (كومبودنات) كلها فيللات وملاعب جولف وحمامات سباحة بينما تركت المناطق العشوائية دون أن تجد من يحنو عليها أو يهتم بها. الأمر المؤكد أن كل تلك الهموم ليست جديدة علينا وها هى دراسة شاملة للوضع القائم فى العشوائيات فى المحافظات والأساليب المختلفة لعلاجها والعجيب أن الذى أخرجها هو مركز معلومات مجلس الوزراء عام 2008 ولكن لم يلتفت إليها أحد، لماذا؟ يبدو أنها كانت بعيدة عن مصالح التحالفات الرأسمالية والسلطة بينما كانوا يلهثون ويضعون أياديهم على مساحات شاسعة لتحويلها إلى منتجعات ولم يفكر أحد فى آثار ونتائج تلك الإطلالة من المنتجعات على ما يجاورها من مناطق محرومة.
الدراسة المشار إليها قالت إن المناطق العشوائية ــ فى تعبير مهذب ــ هى كل ما يتم إنشاؤه بالجهود الذاتية سواء مبانى من دور أو أكثر أو عشش فى غيبة من القانون ولم يتم تخطيطها عمرانيا، وقد تكونت فى رقع صغيرة بدأت فى التوسع بالتدريج وتحولت إلى مجتمعات غير مخططة تفتقر إلى المرافق والخدمات. تلك المناطق تشترك فى مشاكل أساسية منها مثلا صعوبة توفير المرافق والخدمات وانتشار التلوث البيئى وارتفاع الكثافة السكانية وتدنى مستوى الخصائص السكانية وافتقارها إلى الطرق.
يزيد من المشكلة عدم توافر بيانات دقيقة عن سكان تلك المناطق وخصائصم الأساسية ويقدر عددهم ــ فى سنة 2005 ــ بحوالى ستة ملايين و200 ألف تستوعب القاهرة وحدها بحوالى ثلث سكان المناطق العشوائية يليها الجيزة والقليوبية حيث يتركز فى هذه المحافظات الثلاث حوالى 59% من إجمالى سكان العشوائيات.
الدراسة التى صدرت عن مجلس وزراء 2007 حددت بوضوح (يا سلام) أن مشكلة العشوائيات فى مصر من أكثر القضايا إلحاحا نظرا لما لها من انعكاسات اجتماعية واقتصادية وأمنية تهدد أمن واستقرار المجتمع وأصبحت معالجتها مطلبا ملحا يتطلب تضافر الجهود للحد منها وذكرت أن هناك ضعفا فى المشاركة المجتمعية فى تطوير العشوائيات وقلة أو انعدام المبادرة من رجال الأعمال والمستثمرين.
والسؤال المطروح كيف يمكن وقف ظهور عشوائيات جديدة أو الحد منها؟
من المؤكد أن تطوير العشوائيات أكبر من طاقة الدولة الآن فى الظروف التى تمر بها البلاد ومن ثم من الضرورى والحتمى مشاركة رجال الأعمال والقادرين فى مواجهة المشكلة وطرح شعار: اكفل منطقة عشوائية وأن يلتزم ما يسمون بالمطورين العقاريين ببناء وحدات سكنية مقابل كل فيللا أو شقة فاخرة يتم بناؤها فى منتجعاتهم الفاخرة، إنهم بذلك يحمون أنفسهم ويدعمون السلام الاجتماعى ويشاركون فى تحقيق العدالة الاجتماعية قبل فوات الأوان وقبل مزيد من تفجر المشكلة وطوفانها.