سكولا بايلوت - عصام رفعت - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 11:42 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سكولا بايلوت

نشر فى : الخميس 9 أكتوبر 2014 - 7:55 ص | آخر تحديث : الخميس 9 أكتوبر 2014 - 7:55 ص

تم الإعلان عن 30 ألف فرصة عمل لمدرسين، بلغ عدد المتقدمين لشغلها مليونا ونصف المليون. ومعنى هذا الرقم ببساطة ان المتقدمين لشغل هذه الوظيفة هم من المتعطلين الباحثين عن عمل وليسوا من المؤهلين تربويا لممارسة عملية التدريس ولذا فإن هذه التعيينات مجرد سد خانة، فالحكومة وفرت فرص عمل، والمعينون لقوا فيها فرصة عمل أفضل من التعطل وكلا الطرفين فى المعادلة لا يحقق الانجاز المطلوب فى التعليم وقال لى سائق تاكسى إن الفصل الذى به ابنه بالابتدائى فيه 119 تلميذا وان ابنه رقم 120 فيه، وبهذه المناسبة التعليمية قفزت من ذاكرتى القصة التالية عن المدارس التى تلقى بها التعليم أجيال قبل ان يصاب التعليم بالشيخوخة والعجز.

كنت واحدا من فريق الهوكى بالمدرسة الثانوية الحكومية، نعم فريق الهوكى وهى لعبة كانت بالمدرسة مثل عشرات الألعاب الأخرى الفردية والجماعية والانشطة الثقافية والفنية والاجتماعية والتى أدت ممارستها كلها إلى اكتشاف المواهب بالتلاميذ وتنميتها.

ذهبنا للعب نهائى بطولة الجمهورية على ملاعب المدرسة السعيدية وأكرر ملاعب المدرسة السعيدية بجوار جامعة القاهرة وقد بهرنى آنذاك جمال مبانى المدرسة وملاعبها وفناؤها الواسع كأى مدرسة أخرى ولكنها تضم إلى جانب ذلك بيت أو فيللا الناظر والذى كان قبل ذلك بكثير إنجليزيا كما كان لها إطلالة على ساعة جامعة القاهرة.

انتهت المباراة وتسلمنا كأس البطولة وعندما عدت إلى المنزل قصصت على والدتى رحمها الله الإطلالة على ساعة جامعة القاهرة التى كانت دقاتها تعلن الوقت فى الراديو أما باقى ما شاهدته من المدرسة فلا يستحق الحكى إذ لا تكاد مدارس ذلك الزمن ــ حتى تلك التى فى عواصم المحافظات ــ تختلف عن بعضها إلا اختلافا بسيطا.

ودخلنا جامعة القاهرة من خلال مكتب التنسيق الذى يراعى العدالة بين الناجحين فى الثانوية العامة فالمجموع هو المعيار الأوحد لتوزيعهم على كليات الجامعات وليس هناك معيار آخر كالثروة أو الانتماءات الطبقية أو المحسوبية والوساطة وسمعنا بعد ذلك عن مدارس الفترتين الصباحية والمسائية وعن إلغاء الأنشطة بالمدارس وعن بناء الفصول على أحواش المدارس وعن الدروس الخصوصية والمراكز التعليمية بغير ترخيص وعن وضع للتعليم إلى جوار التعليم الرسمى لا تعلم الدولة عنه شيئا ولا تراقبه ولا تنظمه وكأنه فى دولة أخرى يقوده بعض المغامرين ويذكرنا بأنشطة ومجالات أخرى سادها العفوية والعشوائية.

نعود إلى المدرسة السعيدية والتى كان المتخرج فيها يفتخر كأنه متخرج فى هارفارد أو كمبريدج، منذ بضع سنوات طلبت من تلك المدرسة عقد لقاء مع الطلاب واستجبت على الفور وراحت صورتها الذهنية تتقلب فى مخيلتى إلى أن ذهبت إلى هناك ووقفت السيارة إلى جانب الرصيف وقال لى السائق هذه هى المدرسة وقلت له بكل ثقة لا ليست هذه هى المدرسة لابد أننا وقفنا بالخطأ أمام مبنى آخر ولكن اللافتة التعيسة كانت تقول المدرسة السعيدية ودخلت من الباب فإذا بى أمام عالم آخر لا المدرسة هى المدرسة ولا المبانى ولا توجد ملاعب ولا حوش للمدرسة واختفت الإطلالة على ساعة جامعة القاهرة وتحولت المدرسة كلها إلى كتلة عشوائية صورة طبق الأصل من المناطق العشوائية فى البلاد والطريف ان أحدا ممن هم داخل المدرسة أو خارجها من المسئولين قد شعر أو يشعر بحجم هذا الدمار الذى لا مثيل له ولا بحجم تأثيره على حاضر ومستقبل هذه الأمة.

الخلاصة إذن من وراء هذا المشهد الذى ليس فريدا ولا وحيدا ان التعليم فى مصر فى وضع لا يحتاج إلى شرح ومن ثم فهو بحاجة إلى إحلال منظومة أخرى إذ لن تفلح محاولات إصلاح وضعه الحالى والمطلوب نظام تعليمى وتربوى لا يصلح ما فسد ويحل مكانه فحسب ولكن نظاما تعليميا يواكب العصر الذى نعيشه من تكنولوجيا وعلم حديث.

نحن نعلم أن لهذا تكلفته الشديدة والتى قد تكون أكبر من طاقة الحكومة وقدراتها المالية ولهذا علينا اكتشاف مصادر جديدة وموارد تخصص حصيلتها للتعليم ولإنشاء مدارس نموذجية رائدة (سكولا بايلوت) وعلى سبيل المثال فإن أصحاب الجامعات الخاصة يكلفون بإنشاء مدارس على أرقى مستوى ومجانية تحدد لهم الدولة شروطها ومواصفاتها كما ان أصحاب مدارس اللغات عليهم إنشاء مدارس أخرى متميزة مجانية وفقا لشروط ومعايير وزارة التعليم ووفقا للأسس الحديثة فى التعليم ولا يمكن إعفاء رجال الأعمال من هذه المهمة المقدسة وعليهم القيام بإنشاء مدارس فى المناطق وبالشروط التى تحددها الدولة وفى تصورنا هذه أولى خطوات إصلاح التعليم كما ينبغى عليهم أى رجال الأعمال إنشاء مراكز تدريب مهنى فى المناطق الصناعية وفى مصانعهم لتوفير العمالة المدربة، لقد شبعنا كلاما من عينة التعليم أمن قومى وجاء وقت إعلان الحرب على الفقر والجهل والتطرف والانحطاط العام من خلال الارتقاء بالتعليم وصحوة ضمير المجتمع بالمشاركة الفعلية بفاعلية.

عصام رفعت من ابرز الكتاب الإقتصاديين فى مصر والوطن العربى ، عمل رئيسا لتحرير الأهرام الإقتصادى ومقدما لبرنامج المنتدى الإقتصادى بالتليفزيون وشارك فى العديد من المؤتمرات المحليه والعربيه والدوليه وله العديد من المقالات بالأهرام والصحف العربيه والدوريات العلميه.
التعليقات