العلاقة بين الأزمة المالية فى اليونان والصين - محمد العريان - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 9:52 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

العلاقة بين الأزمة المالية فى اليونان والصين

نشر فى : السبت 11 يوليه 2015 - 11:35 ص | آخر تحديث : السبت 11 يوليه 2015 - 11:35 ص

للوهلة الأولى، هناك القليل الذى يربط بين الأزمتين الماليتين فى الصين واليونان. فالأولى تعكس تفكيك فقاعة السوق، والثانية تحركها أساسيات اقتصادية ومالية ضعيفة ومتدهورة. غير أنهما تشتركان فى عنصر واحد، وهما ليستا الدولتين الوحيدتين فى ذلك؛ فكلتاهما استفادت من السياسات التجريبية الفضفاضة على نحو مفرط والتى سعت إليها البنوك المركزية الكبرى فى العالم.

لم يكن أداء أسواق الأوراق المالية العالمية جيدا فى الفترة الأخيرة، وكان ذلك لأسباب مفهومة. فمع هبوط البورصات الصينبة ومخاطرة اليونان بخروج غير منظم من منطقة اليورو، قرر عدد متزايد من المستثمرين سحب بعض استثماراتهم ـ وذلك على الرغم من الجهود المحمومة للحكومات، فى كل من الصين وأوروبا، لتثبيت الأمور. بل إن بعض المستثمرين قلقون من احتمال أن تكون تلك هى اللحظة التى تتراجع فيها أسعار الأصول إلى مستويات أدنى بواسطة الأساسيات الأبطأ (كمعدل النمو الاقتصادى، ومعدل التضخم، ومعدل البطالة)، بعد أن أدت سياسة البنوك المركزية التجريبية إلى تضخمها.

فى مواجهة التعافى الاقتصادى البطىء على نحو محبط بعد أزمة 2008 المالية العالمية وامتلاك قدر كبير من الاستقلال السياسى، تحملت البنوك المركزية الغربية مسئوليات سياسات الاقتصاد الكلى الضخمة، ليس لأنها أرادت ذلك بل لأنها شعرت أنها مضطرة له ـ وأدى القصور السياسى إلى تهميش مؤسسات أخرى معنية بصنع السياسات وتمتلك أدوات سياسية أفضل بكثير .
كانت الطريقة الوحيدة التى يمكن بها للبنوك المركزية السعى لتحقيق نمو اقتصادى أعلى، هى التعزيز المصطنع لأسعار الأصول المالية. وقد فعلت ذلك على أمل أن تجعل أسواق الأوراق المالية المنتعشة الناس يشعرون أنهم أكثر ثراء، وبذلك تغريهم بإنفاق المزيد (وهو ما يسميه الاقتصاديون «أثر الثروة»)، وأن يثير ذلك «الروح الحيوانية» لدى الشركات التى تؤدى إلى إنفاق أعلى للشركات على المصانع والمعدات والأشخاص.

كلما زاد اعتماد البنوك المركزية الغربية على هذه المقاربة السياسية كان الضغط أكبر على البنوك المركزية الأخرى كى تتبنى كذلك المزيد من السياسات التى تحاكيها. ونجح الحل السياسى الجماعى فى تعزيز أسعار الأصول فى أنحاء العالم. لكنه كان أقل فاعلية فى هندسة انطلاق اقتصادى ـ وبذلك وضعت إسفينا بين أسعار الأصول المالية (المرتفعة) والأساسيات (البطيئة).

هذ الإسفين قد ينتهى فى آخر الأمر بطريقتين. بطريقة جيدة تتحسن فيها الأساسيات وتصبح الأسعار المرتفعة منطقية، أو بطريقة أقل جودة تهبط فيها الأسعار إلى مستويات تبررها الأساسيات الضعيفة. وهؤلاء الذين يحللون هذا الفصل الكبير شعروا بالقلق من احتمال الصدمة التى تحدث قبل أن يتوفر الوقت للأساسيات كى تتحسن ـ وهى الصدمة التى يحدثها خطأ سياسى أو أحد حوادث السوق.

والآن يحتمل أن يقدم الوضع اليونانى الطريقة الأولى، ويحتمل أن تقدم الصين الطريقة الثانية.

فاليونان ودائنوها عالقون فى مفاوضات مطولة وقاسية. ولم يكن هناك نقص فى قمم القادة الأوروبيين، واجتماعات وزراء مالية دول اليورو، والاجتماعات الفنية بين المسئولين اليونانيين و«المؤسسات» المكونة من المفوضية الأوروبية وصندوق النقد الدولى والبنك المركزى الأوروبى. ومع ذلك فقد فشلت جميعها فى تحقيق النتائج الضرورية الأربع: الإصلاحات الهيكلية الشاملة، والتقشف الذكى تبعا لمقتضى الحال، والإعفاء من الديون، والتمويل الخارجى الكافى. وفى تلك الأثناء كان الوضع على الأرض قد سار من السيئ إلى الأسوأ.

مع إغلاق البنوك منذ أكثر من أسبوع حتى الآن، الاقتصاد اليونانى يتفجر من الداخل بطريقة متسارعة على نحو مربك. فالنشاط الاقتصادى يتباطأ إلى حد التوقف، والسياحة تهوى بسرعة. كما يظهر نقص البضائع، بما فى ذلك الوقود وغيره من الواردات. وهناك القيود على حركة رأس المال سعيا لمواجهة هروب اليورو الذى مازال موجودا فى البلاد. وماكينات الصرف الآلى خالية من المال. ويقترب عدد متزايد من المشروعات الصغيرة من الإفلاس. وهذا كله يفاقم أزمة البطالة المفزعة بالفعل، حيث 50 بالمائة من الشباب تقريبا بلا عمل الآن.

فى هذه الأثناء فى الصين، شعرت السلطات بالفعل بأنه لا حول لها ولا قوة، حيث تحول انتعاش البورصة المذهل، الذى امتص المزيد والمزيد من المواطنين (بمن فى ذلك هؤلاء الذين يستخدمون الرافعة المالية لشراء الأسهم) إلى انهيار. وكلما هبط المزيد من الأسهم كان اندفاع المستثمرين إلى الخروج أكبر ـ على الرغم من الجهود الكبيرة من جانب الحكومة لوضع حد لهبوط السوق.
فماذا عن المستقبل؟

لدى النظام العالمى القدرة على التغلب على كل من هاتين الصدمتين، وإن لم يخلُ ذلك من شىء من الضغط العصبى. بل إنه قد يعالجهما معا، شريطة عدم وقوع مصائب أخرى. غير أن النجاح ليس مضمونا. فهو يتطلب حلولا سياسية أفضل تنسيقا وأكثر شمولا. وإذا ظلت هذه الحلول تشق طريقها بصعوبة، سوف تهبط أسعار الأصول إلى مستويات تبررها الأساسيات، وبذلك تنهى الفصل بين التوقعات المستقبلية للاقتصادات المتقدمة والناشئة.

محمد العريان محمد العريان، كبير المستشارين الاقتصاديين فى مؤسسة إليانز، وعضو لجنتها التنفيذية الدولية، وهو رئيس مجلس التنمية العالمية التابع للرئيس باراك أوباما. شغل سابقا منصب الرئيس التنفيذى والشريك الرئيسى التنفيذى للاستثمار فى شركة بيمكو.
التعليقات