لا ينبغى للصورة الوطنية الملتبسة أن تحجب التقدم على الأرض - محمد العريان - بوابة الشروق
الأربعاء 22 مايو 2024 7:50 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لا ينبغى للصورة الوطنية الملتبسة أن تحجب التقدم على الأرض

نشر فى : الإثنين 12 أغسطس 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الإثنين 12 أغسطس 2013 - 8:00 ص

يشترك أصدقائى المصريون المقيمون بالخارج، وكذلك أصدقائى الأجانب المهتمون بمصر، فى اليأس الذى يشعر به المصريون المقيمون فى مصر: سوف يستغرق الأمر زمنا لا آخر له لوضع البلاد على طريق الرخاء الاقتصادى الأكبر والعدالة الاجتماعية. ويشعر كثيرون خارج مصر بإحساس إضافى خاص بالإحباط الشخصى العميق. فهم يرغبون فى واقع الأمر تقديم إسهام إيجابى لتيسير رحلة مصر الثورية التى تكثر فيها المطبات، لكنهم لا يعرفون كيف السبيل إلى ذلك.

فكرت كثيرا بشأن هذه القضية. وعلى أى الأحوال فليس غالبا أن يصادف المرء إمكانية أن يكون الجميع فائزين. وهذا هو الذى يكون أمامنا جميعا إن نحن عثرنا بشكل جماعى على طريقة لربط ثلاثة أشياء ببعضها: الاستعداد للمساعدة، والقدرة على القيام بذلك، والأنشطة الشعبية المشجعة الكثيرة التى ظهرت منذ بداية ثورة الخامس والعشرين من يناير.

ستصبح هذه الصلة الدائمة مكسبا فوريّا للمواطنين فى مصر الذين يمكن تقليل كفاحهم اليومى إلى حد ما بدعم من الأصدقاء ومن يتمنون الخير لهم من الخارج على الرغم من كون ذلك هامشيّا فحسب، لكنى آمل أن يزيد على ذلك. وسوف يكون مكسبا كذلك لمن يعيشون فى الخارج ويرغبون بشدة فى مساعدة تحول مصر التاريخى والصعب. وسوف يكون مكسبا للبلاد، بما فى ذلك الصالح العام للأجيال الحالية والقادمة.

الآن، وقد سمعتمونى أقول هذا من قبل، فإن أفضل شىء لمصر فى الوقت الراهن هو إقامة خمس دعائم متينة ودائمة: اقتصادية ومالية ومؤسسية وسياسية ومجتمعية. وهذه الدعائم مهمة للمحور الثورى الناجح الذى مازال يراوغ مصر من التجمع معا كأمة إلى تفكيك الماضى القمعى، إلى البقاء معا كى يبنوا بشكل جماعى مستقبلا أكثر إشراقا.

ما يؤسف له أن هذه المهمة بما هى عليه من أهمية تتجاوز كثيرا قدرة من يقيمون فى الخارج. فهى مهمة يمكن فقط، بل ينبغى فقط، أن يملكها ويقدمها بشكل جماعى المصريون المقيمون فى مصر. وأفضل شىء يمكن لمن فى الخارج تقديمه فى هذا الشأن هو الاستجابة فورا للمطالبة بالمعلومات، والمشاركة بالرؤى المتعمقة ذات الصلة من تجارب البلدان الأخرى، وتوفير أى دعم آخر محتمل خاصة عندما يتصل الأمر بالحاجة الماسة والملحة إلى المصالحة الوطنية الشاملة.

لكن من يقيمون فى الخارج يجب ألا ييئسوا. فهناك طرق مباشرة أخرى يمكنهم اتباعها لمساعدة مصر. وسوف يقطع بعض التسهيل من داخل البلاد شوطا طويلا فى واقع الأمر فى ترجمة الإمكانيات المشجعة إلى واقع مؤثر.

المراقبون لمصر من بيننا عن كثب منذ سنوات لا يسعهم أن يؤثر فيهم ويشجعهم انفجار الأنشطة الشعبية التى وقعت بعد الخامس والعشرين من يناير عام 2011.

العامان ونصف العام الماضيان يتعلقان بما يزيد كثيرا على الصحوة السياسية الوطنية غير المعقولة التى مكنتها الحركات الشبابية التى ساعدت ملايين المصريين على التغلب على ثقافة الخوف وسُحُب القمع الخانقة التى جاءت مع ذلك. فقد كان هناك كذلك تكوُّن لمبادرات جزئية من مواطنين لم يعودوا يشعرون بأنهم كالفلاحين المعدمين الذين يؤجرون مساحة فى البلد تمتلكها أقلية مميزة وتُدار لمنفعتهم فقط.

ولا يمر شهر دون إطلاعى على معلومات مثيرة للإعجاب بشأن جهود جديدة على الأرض. البعض منها مبتكر بحق. والبعض الآخر أقل من ذلك غير أنه على قدر مساو من الأهمية حيث تسعى كذلك إلى التغلب على الإخفاقات والعيوب التى طال أمدها.

أشير هنا إلى المبادرات التى تهدف إلى (1) تحسين قدرة شرائح الشعب المعرضة للخطر على الوصول إلى خدمات تعليمية وصحية أفضل و(2) تمكين منظمى الأعمال الجدد، ماليّا ومؤسسيّا، بأفكار مشرقة ودافع مدهش و(3) تمكين القفزات التكنولوجية التى يمكن أن تحسن القدرة الإنتاجية ماديّا وبسرعة و(4) ربط المصريين القادرين جدّا (بمن فى ذلك من يقيمون خارج القاهرة) على نحو أفضل بشبكات الابتكار وتزويدهم بروابط تشغيل أفضل والقدرة على الوصول إلى شبكات الإنتاج، سواء أكانت محلية أو إقليمية أم عالمية.

ليست هذه بالقائمة الشاملة، فهناك الكثير من الأمور الأخرى التى مكنتها الثورة.

أؤكد على هذا كله لأن هناك ميلا لدينا جميعا إلى التركيز على القضايا الجزئية، وخاصة إذا كان المرء يعيش خارج البلاد. وعلى أى الأحوال، من المؤكد أن الإعلام يشجعنا على فعل ذلك. فبالنسبة للصحفى تغطية تجمع شعبى أو احتجاجا عنيفا أكثر إثارة من إبلاغنا بالتزايد الكبير المثير للإعجاب للأنشطة الشعبية. لكننا إذا سمحنا بتوجيه مركز اهتماما صوب القضايا الوطنية الكبيرة فحسب فسوف نقلل على نحو ضار من أثر المبادرات الجزئية الكثيرة.

لنتذكر أن كل من هذه المبادرات على الأرض ينقذ حياة مصريين أفرادا معرضين للخطر، وهى يمكن أن تتيح فرصا أكبر لأبنائهم وأحفادهم، ويمكن أن تشجع مبادرات مفيدة أخرى على أن تكون لها جذور أعمق.

بالإضافة إلى ذلك، فى مرحلة ما على الطريق سوف يكون هناك ما يكفى من المبادرات الجزئية لتوجيه الوضع الكلى بطريقة مفيدة ومستمرة. وبالطبع كان بالإمكان تسريع هذه المرحلة ماديّا لو أن مصر أقامت الدعائم الكلية اللازمة لاستكمال الثورة وتحقيق أهدافها المهمة. لكن كما يقول المثل القديم فى الأعمال التجارية، لا ينبغى لنا جعل الأحسن عدوّا لما هو حسن. وهذا هو الموضع الذى نحتاج فيه إلى بعض العون من داخل مصر.

أعتقد ان هناك مجال لمزيد من الناس داخل مصر كى ينظموا بأنفسهم المعلومات ويجمِّعونها ويجعلون الحصول عليها أيسر بالنسبة للمصريين المقيمين بالخارج الذين يأملون فى المساعدة. ويمكن أن تتبع المبادرات الشعبية نموذج «شبكة السرطان المصرية» فى تيسير التبرعات المالية لقضية مهمة (فى هذه الحالة تقديم الخدمات الصحية المجانية للأطفال المرضى بالسرطان). والمعلومات الخاصة بكيفية دعم تنمية ومراقبة منظمى الأعمال الجدد أعتقد أنها ستلقى ترحيب الكثير من المستثمرين المحتملين به.

الأمر ببساطة هو أنه من المهم بالنسبة لنا جميعا أن نحاول بجد، وبجد شديد، تجنب جعل هذا الجزئى المفيد ضحية للكلى المشوش. فالذى يتعرض للخطر فى هذه الحالة أمر شديد الأهمية فى واقع الأمر.

تتجاوز الاحتمالات المفيدة الحياة التى قد يمكن إنقاذها (وينبغى إنقاذها) بفضل الخدمات الصحية الأفضل. فهى تتجاوز الأطفال الذين يمكن تمكينهم (وينبغى تمكينهم) بشكل أفضل نتيجة للتعليم الأفضل. وهى تتجاوز فرص العمل والدخول التى يمكن خلقها (وينبغى خلقها) بفضل ظهور الشركات الجديدة صغيرة ومتوسطة الأجل. وسوف تسهم الفوائد كذلك فى نوع تحول النمو الذى تحتاجه مصر بشدة إن هى أرادت النجاة من الفقر والتبعية بشكل حاسم.

فى عالم اليوم المتعولم والمتداخل، لا ينبغى لمحركات النمو المصرية الاعتماد على وجود اتخاذ القرار المستنير وحده على قمة النظام السياسى. إذ لا بد من تغذيتها باستمرار من أسفل بالأنشطة القابلة للتطوير والمؤثرة التى تخاطب ذلك القدر الهائل من البراعة والموهبة والطيبة الذى لدى كثير من المصريين.

على أى الأحوال، لنناقش القضايا الوطنية الكبيرة ونستكشف طرق تعزيز المصالحة الوطنية. وبينما نقوم بذلك، لنتأكد كذلك من أننا لا نسمح دون قصد للكلى المشوش بإرباك المصلحة التى يمكن تحقيقها على المستوى الجزئى.

لقد حان الوقت كى نجتمع على المستويين الجزئى والكلى.

محمد العريان محمد العريان، كبير المستشارين الاقتصاديين فى مؤسسة إليانز، وعضو لجنتها التنفيذية الدولية، وهو رئيس مجلس التنمية العالمية التابع للرئيس باراك أوباما. شغل سابقا منصب الرئيس التنفيذى والشريك الرئيسى التنفيذى للاستثمار فى شركة بيمكو.
التعليقات