قرارات الرئيس الأخيرة بشأن الفساد - فاروق حلمى - بوابة الشروق
السبت 18 مايو 2024 10:37 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

قرارات الرئيس الأخيرة بشأن الفساد

نشر فى : الثلاثاء 14 أبريل 2015 - 10:00 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 14 أبريل 2015 - 10:00 ص

قام السيد الرئيس يوم 9 مارس الحالى بإصدار قرارات تتصل بمشكلة الفساد المنتشر فى مجتمعنا، ولاشك أن الرأى العام تابعها بشغف مؤملا أن تكون لها فائدتها. وعكست هذه القرارات ــ وما ذكره الرئيس بمناسبة صدورها ــ اهتمامه بالمشكلة، ومحاولته إزالة ما لصق بأذهان الكثيرين من شكوك حول جدية النظام الحالى فى قمعها نتيجة اطلاق سراح جميع رموز النظام البائد الذى عم الفساد فى عهده، وتأكيده للحرص على إعادة الثقة لدى المواطن بأن الدولة تسهر على صون مصالحه. وقد كان جميلا أن يوجه سيادته بأهمية المتابعة الدورية والمستمرة للمسئولين فى المواقع المهمة والمؤثرة، وعرض ما تسفر عنه التحريات بدقة نشرا لقيم الجدية والالتزام فى العمل، وفقا لما نقله عنه المتحدث الرئاسى.

ومع كامل التقدير لإقدام السيد الرئيس ونبل مقاصده، فإن تحركه لا يحقق بالضرورة الغاية المنشودة. والأمل معقود على أن تكون خطوته هذه مجرد «بداية الغيث قطرة ثم ينهمر»، ونكون فى طريقنا لأن يفاجئنا بالمزيد للتعامل مع صلب المشكلة.

•••

لقد اقتصرت قراراته هذه المرة تماما على ترفيع اثنين من قيادات نفس الجهاز الذى – وإن كنت لست فى موضع يمكننى فيه تقييم عمله – فإن الفساد ازداد ترعرعا فى ظله عقودا طويلة، وهو هيئة الرقابة الادارية. وسيرأس الهيئة أحد من تدرجوا فى العمل بها دون أن تكون أنشطتها حاسمة فى الحد من تلك الآفة.

كما خلقت القرارات منصب مستشار للرئيس ليشغله المدير القديم للهيئة مما لا يضيف جديدا. فهو مجرد معاون بالرأى والمشورة، ولا أرى فعالية له فى ضمان التعاون والتنسيق بين الهيئة ومختلف الأجهزة الأمنية مثلما أوضح المتحدث الرئاسى، حيث لا يتبعه جهاز مزود بكفاءات عالية يمكنه من أداء المهمة.

فضلا عن أن القرارات الصادرة تزيد مرة أخرى من تكريس السلطة فى يد رئيس الدولة. فلا يعقل أن نقوم بتعيين مستشار للرئيس ــ أو لجنة عليا برئاسته ــ لكل شىء نشكو منه، متصورين أن هذا يحل المشكلة بينما هو إجراء قاصر عن مجابهتها ويصرفنا عن التصدى الحقيقى لها.

وتقل هذه القرارات كثيرا عما نحتاجه فى مواجهة جسامة المشكلة من خطوات، وربما يأتى فى مقدمتها إنشاء آلية فعالة تعلو الأجهزة الرقابية المتعددة لدينا وتنسق عملها. ولنا فى الصين مثلا يهتدى به، فقد أنشأت الشهر الماضى ــ وفى عامها الثالث من محاربة الفساد ــ «مكتبا أعلى» لتصعيد مكافحته برئاسة نائب وزير، ويتم اختيار عشرات من كبار المدعين فى هذا البلد للعمل به، وإدماج ثلاث جهات رقابية فيه مسئولة عن مكافحة الفساد واستغلال النفوذ والإهمال فى العمل، وذلك بالتوازى مع اضطلاع لجنة فحص الانضباط القوية التابعة للحزب الشيوعى بمهامها فى رصد حالات الاشتباه فى الفساد والتحقيق فيها وإحالة المشتبه فى ارتكابه جرائم للنيابة العامة، أو توقيع جزاءات تأديبية للمخالفات الأقل. ولم تقم السلطات الصينية بتتبيع هذا المكتب الأعلى الجديد إلى الرئيس.

وفى الصين، تعلو سلطة الحزب أى سلطة أخرى فى الدولة بما فيه الجيش، وتعرض نتائج جهود رصد الانتهاكات المتعلقة بمواقع العمل على مجالسه ومن بينها المجلس القومى لنواب الشعب الذى يعتبر أعلى سلطة تشريعية، بينما تحال الجرائم إلى القضاء. ويجرى الآن تسريع خطى العمل التشريعى لوضع قانون لمكافحة الفساد، لكى يكون أساسا قانونيا وآلية فعالة لمعاقبة المخالفين وردع غيرهم. ويأتى هذا فى إطار سعى السلطة المركزية لفرض مبدأ التطبيق الشامل لحكم القانون، باعتباره ركنا اساسيا من أركان الإصلاح المتعمق الذى تنتهجه الصين فى مختلف الميادين منذ تولى الزعامة الجديدة.

•••

وتجدر الاشارة فى هذا المقام أيضا لما نشره الاعلام لدينا أخيرا حول إحالة «الجهاز المركزى للمحاسبات» لـ 520 قضية فساد للنيابة العامة منذ سبتمبر 2012، وتصريح رئيسه بأنه لا يوجد قيد التحقيق منها سوى 92 فقط أى قرابة السدس، ولم يبلغ الجهاز برقم القضية أو التصرف فيها فى 366 وتم تشكيل لجان فى 23 وحفظ 29 من هذه القضايا، دون أن تخطر النيابة الجهاز بالتصرف فى القضية سواء بالتحقيق أو الحفظ ولا يعلم الأخير عن مآلها إلا من وسائل الاعلام.

ويكشف هذا التصريح لمسئول كبير عن صراعات يمكن أن تؤدى لتعويق تحقيق العدالة وضياع فرص مكافحة الفساد ومساءلة المنتهكين. وأيا كان المصيب أو المخطئ فى هذه الحالة، فإن الواقع يدل على أن هناك شيئا بالغ الخطأ. ويا ليت النشر يكون قد دفع الحكومة إلى السعى لتصحيح الخلل.

وتقودنا إثارة هذا الموضوع للتساؤل عن نتاج نشاطات الأجهزة الرقابية الأخرى فى البلد، وإذا كان جهازا واحدا وهو الجهاز المركزى للمحاسبات قد نشط فى السنوات الأخيرة وعلمنا بجهده نتيجة صرخة أطلقها رئيسه بالصحف، فما الذى فعلته الجهات الأخرى، وهل قامت بواجبها، ومن يحاسبها على مستوى جهدها؟ وما هو شكل التعاون والتنسيق القائم بين هذه الأجهزة وبعضها؟

كل هذه أسئلة مشروعة تحتاج لتدقيق، ولاشك أن الأمر يحتاج لجهاز أعلى مستقل يتولى القيام بذلك. وقد يرى السيد الرئيس تشكيل فريق من الخبراء والشخصيات العامة المتميزة لبحث إنشاء هذا الجهاز وعلاقاته بالجهات العاملة فى الميدان، ودراسة أن يكون هذا الجهاز تابعا للبرلمان وليس للسلطة التنفيذية.

ولنضع فى اعتبارنا أن نجاحنا فى تطهير الصفوف ومعاقبة المنتهكين للقانون بمنتهى الحزم لا يسهم فقط فى كبح تبديد الموارد والأموال العامة وردع من تسول له نفسه، وإنما يضمن إعادة بث قيم وأنماط جديدة من السلوكيات تدريجيا بين الجماهير والأجيال الجديدة، عودة إلى الأخلاقيات المصرية الحميدة القديمة.

فاروق حلمى خبير في الشئون الصينية مقيم في هونج كونج
التعليقات