استقِل.. يرحمك الله - إسعاد يونس - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 11:15 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

استقِل.. يرحمك الله

نشر فى : الخميس 16 أبريل 2009 - 5:07 م | آخر تحديث : الخميس 16 أبريل 2009 - 5:07 م

 *صدق أو لا تصدق.. أنا أحسد المرأة التى اغتصبها عشرة رجال.. فقد كانت محظوظة جدا!

*على الأقل هى تعيش الآن مرفوعة الرأس بعد أن نال مغتصبوها حكما بالإعدام من قاض عادل نزيه.. ببسيط العبارة.. راجل جدع ولا كل الرجالة.

*أما حبيبتنا التى نحلم بها ونعمل من أجلها ولها وبها.. السينما المصرية فيتم اغتصابها يوميا ممن لا يمكن محاكمتهم ولا حتى نقدر ننطق معاهم.. ولسه..

*نشأنا وترعرعنا على أن جميع الأعمال الفنية السينمائية تصب فى مكان واحد وتخرج من عنق زجاجة واحد هو جهاز الرقابة على المصنفات الفنية.. والذى كان يملك وحده حق التصريح بالفيلم.. والمفترض أن القائم على هذا الجهاز كان يتم اختياره بمعايير فنية وثقافية رفيعة حتى نضمن لهذه الصناعة دوام الرقى والحرية والإبداع الذى حفظ وجه مصر الثقافى والريادى منذ نشأتها وخلال كل العصور التى تلت ذلك.

*ولكنها الآن منتهكة من الجميع.. ترقد على ظهرها جريحة فى استسلام الضعيف قليل الحيلة.. للقوى المعتدى.. مخلوع سترها وتنتظر انتهاك عرضها من كل عابر سبيل.

*أصبح المؤلف يكتب نصه ويسلمه للجهاز وهو لا يدرى من الذى سيمسك بالمنجلة ويحش أمعاءه.. من الذى سيتناول نصه ويجلس أمامه مرتديا نظارة الناقد أو الخبير أو الغيور على مصلحة ما أو الموجه من جهة ما أو المكلف بادعاء الخبرة والمفهومية فى مجال لا يفقه فيه شيئا.. وسيمد يده بمنتهى الجرأة والعنجهية ليشطب أو يذبح أو يقوم بإخصاء النص من رجولته.. ويرشق بلطته فى رأس مبدع ما.. قد يكون جلس فى غرفته لشهور أو سنين ليكتب شيئا آمن به وأراد أن يعبر به عن همه.. وخوفه على هذا الوطن.. وقد يكون كاتبا ساخرا.. أراد أن يضحك طوب الأرض من وعلى بلاوينا.. وللعلم.. مداد القلم الذى يكتب به الكاتب الساخر موضوعاته.. لونه أحمر.. فالسخرية لا تتشكل إلا من دماء نزيف.. من كاتب عاش تجربة شقت قلبه وجرحت جلده وقطعت شرايينه.. فاستخدم دماءه فى الكتابة ليسخر ويجلد ذاته حاله حال جميع المصريين.. نحن الشعب الساخر.

*وعلى مدى الحقب التى عاشها جهاز الرقابة على المصنفات الفنية.. تم تعيين رؤساء مختلفين.. منهم من حاول أن يقاوم بشرف.. فاتشال من منصبه.. اتشال.. مالهاش وصف تانى.. ومنهم من بل ثيابه رعبا ولم يكن البامبرز قد اخترع بعد.. فاتشال.. اتشال.. برضه مالهاش وصف تانى..

*وكان الوضع دائما هو حشد مجموعة من البشر تحت هذا الرئيس يطلق عليهم الرقباء.. معظمهم ستات.. وقلة قليلة من الرجال.. دارسين دراما؟.. لأ.. خريجين معاهد فنية؟.. لأ.. لهم نشاطات ثقافية؟.. لأ.. ولكنهم يقومون بقراءة المصنف.. ووضع ملحوظات عليه.. ملحوظات محفوظة صم.. زائد ملحوظات من عندهم وطبقا لثقافتهم والبيئة التى نشأوا فيها.. بدءا من عيب وحرام وقلة أدب.. لحد بايخ وما بيضحكش ومالوش لزوم..

*ثم يتم تصوير الفيلم ودعوة نفس الشلة للمشاهدة قبل التصريح بالعرض.. فتحضر مجموعة النساء فى مواعيد تضمن لهم عدم التأخير عشان يرجعوا يحضروا الغدا للافندى العيال.. ومعهم نوتات يدونوا فيها الملحوظات.. وبعد المشاهدة يضاء النور لتبدأ المحاكمة.. فيجلس أمامهم المؤلف والمخرج والمنتج.. ويبدأ النطق بالحكم..

*ياما رأينا مؤلفين ومخرجين ومنتجين يخرجون من هذه الجلسات وقد انتفشت شعورهم.. أو انتصبت شعيرات الصلعة القليلة فى ذعر.. يخلعون النظارات ليفركوا أنوفهم فى غيظ وقد احولت عيونهم وأفواههم تطلق برطمة مكتوبة خشية أن يسمعوهم ويدوهم إعدام.. ولكن هل هناك مقاييس؟.. لأ.. معايير ثابتة؟.. لأ.. ما يتم الموافقة عليه اليوم قد يشطب غدا والعكس صحيح..

*الغوص فى هذا التاريخ سيجعلنا نتذكر ضحايا الرقابة على مدى السنين الطويلة ودائما كانت المشكلة تقع فى الأفلام العظيمة.. ما من كاتب عظيم أو مخرج عظيم أو منتج جرئ إلا ووقف على مقصلة الرقابة.. ويمتلئ التاريخ بفضائح ثقافية كثيرة لمنع وشجب وشطب أعمال عند عرضها أصبحت رصيدا لثقافة وفكر هذه الأمة.. مثال بسيط وحيد.. فيلم البرئ..
*وكنا راضيين.. كل هذا البلاء وكنا راضيين.. يا ريته استمر..

*وعندما اختير السيد على أبوشادى رئيسا للجهاز.. زغردنا جميعا.. المستنير المثقف.. الناقد السينمائى فى الأصل وصاحب الرؤية الحضارية.. وتنفسنا الصعداء.. ياللا نبدع يا جدعان.. على وصل يا ناس ياعسل.

*ولكن فجأة.. وجد على نفسه يقف على بساط الريح.. غير ثابت على الأرض ولا ماسك فى أى حاجة.. عذرا يا على.. سأقول ما أشعر به.. سواء أعجبك أو لم يعجبك.. فأنت صاحبى وحبيبى.. ولكن.. ما يحدث لا يعجب أحدا.. أصبح لعلى شركاء فى المنصب غير مرئيين.. ولكنهم مؤثرين وفاعلين ومعطلين.. ورويدا رويدا تم توثيق يديه خلف ظهره.. ونزع معظم السلطات منه.. مرة بشكل علنى معلن ومرات بطرق كثيرة خفية..

*فلم يعد أحدنا يدرى من هو الشخص أو ما هو الجهاز الذى يضمن أن يخرج منه بنصه سليما.. هل هو وزارة الداخلية؟.. الأمن العام؟.. أمن الدولة؟.. المخابرات؟.. الأزهر.. مجمع البحوث الإسلامية؟.. الكنيسة القبطية؟.. الكنيسة الإنجيلية؟.. الآثار؟.. نقابة الأطباء؟.. نقابة المعلمين؟.. نقابة الصحفيين؟.. نقابة المهندسين؟.. مجلس الشعب؟.. المحامون الذين يرفعون قضايا مطالبين بوقف الأفلام عمال على بطال.. ولا أدرى من أين ينفقون على مصاريف هذه القضايا؟..

*وبما أن الوضع أصبح كذلك.. فأرى أن يتقدم السيد على أبوشادى بالاستقالة.. ونقفل جهاز الرقابة ده خالص.. طالما أن الوزارة التابع لها هذا الجهاز لا تدافع عنه ولا تعطيه صلاحياته ولا تقف وراء رئيسه.. بل وتمده بموظفين يعيقونه أكثر.. ولا تدافع عن صناعة السينما بالشراسة المطلوبة ولا حتى تطالب بمساواتها بالصحافة والحريات المطلقة لها..

*هيا نختار جهة من الجهات المعوقة للصناعة.. هيا نختار مجلس الشعب الموقر ونصنع أفلاما على ذوق أعضائه مثلا.. فنصنع فنا يناسب العضو الذى قدم استجوابا يناقش بدل رقص فيفى عبده.. أو ذلك الذى رفع حذاءه على زميله فى المجلس.. أو السادة المزوغين من الجلسات.. أو الذين إما يقزقزون اللب أو ينامون أثناء مناقشة القوانين المهمة.. أو نصنع أفلاما على ذوق الجماعة المحظورة لتخرج كلها صايصة وبلا طعم.. تقدم وجها عكس الحقيقة على طول الخط.. هو مش اللى بيكذب بيروح النار؟..

*هيا نصنع أفلاما يظهر بها كل الناس ملايكة وشرفاء وقمامير.. والأطباء مهرة والبوليس طيب على طول الخط والمهندسين عباقرة والصحفيين شرفاء لا تشترى أقلامهم.. وأصحاب المناصب لا يستغلونها ولا يكونون ثروات على حساب الشعب ومن ماله الخاص.. نظهر مجتمعا ليس به ريحة الرشوة.. نقى من الفساد.. لا يتبادل فيه بعض الأزواج زوجاتهم.. ليس به تحرش جنسى ولا شذوذ ولا أطفال شوارع ولا تجارة أعضاء بشرية.. ولا مظاهر متدينة تخفى تحتها مخاطر ارهابية أو جنسية أو أمنية ولا أى حاجة.

*هيا نتخلف أكثر.. وماذا كنا نصنع فى السنوات الأخيرة غير السير بهمة وسرعة شديدة إلى الخلف.. فالبلد كلها تسير مارشادير.. اشمعنى احنا يعنى؟

*واللا أقول لكم.. هيا نقفلها أحسن.. فنفقد وجها آخر من أوجه ثرائنا وتقدمنا وتميزنا وتوثيق تاريخنا.. ونفقد صناعة من أهم صناعاتنا مهما كره الحاقدون.. حتى نسعد من حولنا وننال رضاهم.. دول حا يزقططوا.

===============================

*أخى العزيز الفنان القدير / نبيل الحلفاوى

*قتلتنى عندما صادتك الكاميرا عند خروجك من صوان عزاء الراحل الجميل السيد راضى عندما قلت ما معناه: احنا كل يوم بنودع حد.. إحنا بنخلص.. جيلنا بيخلص.. مش فاضل كتير.. الدنيا بتفضى.. خلاص.. الدنيا دى ما بقتش بتاعتنا!!. وانصرفت لا تلوى على شىء.

إسعاد يونس  فنانة ومنتجة سينمائية مصرية
التعليقات