ما بين التقديس والرفض - نادر بكار - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 5:13 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ما بين التقديس والرفض

نشر فى : الجمعة 16 أكتوبر 2015 - 10:50 ص | آخر تحديث : الجمعة 16 أكتوبر 2015 - 10:50 ص

ثمة فارق كبير بين إضفاء قدسيةٍ على التيار الإسلامى بكل أطيافه فى كل قراراته أو فى ذوى أبنائه (وهو ما أرفضه بشدة)، وبين (إدراك) حقيقة أن مشروع الدولة فى الإسلام سبق كل مشاريع الديمقراطيات الحديثة فى إرساء قواعد منظمة لإدارة الدول وصناعة القرار السياسى والاقتصادى والعسكرى وفق ركائز أساسية، أولاها إرضاء الله سبحانه وتعالى وحده. وثانيتها البعد القيمى الأخلاقى. وثالثتها المحافظة على الكرامة الإنسانية.. ومن وجهة نظرى، فإن إلقاء الضوء على عملية صناعة القرار السياسى فى العهد المدنى من سيرة النبى صلى الله عليه وسلم من بداية تكوين الدولة الإسلامية وحتى بلغت أقصى ازدهار ممكن لها فى عهد الخلفاء الراشدين ومن بعدهم أصبح حاجة ملحة سواء لفضِ إشكالية علاقة الإسلام بسياسة الدولة، أو لدراسة قراراتٍ كان لها تأثير بالغ على البشرية كلها نستفيد منها فى سياق إدارتنا للتغيير.

المسلمون قدموا نموذجا متكامل الأركان لصورة الدولة المؤسسية فى الوقت الذى كان فيه تقديس الحكام صناعة شيطانية وتقليدا لا إنسانيا توارثته البشرية كابرا عن كابر، حتى أتت عليه الشريعة الإسلامية من قواعده فنسفته نسفا؛ ففى الوقت الذى ما كانت الدنيا تسمع بغير الأكاسرة والقياصرة والأباطرة، كان أبو بكر الصديق يفرق بين كونه ثانى اثنين فى الغار ينزل بشأنه وحى ٌ قرآنى وبين كونه مسئولا سياسيا يصيب ويخطئ، فيقول فى خطاب توليه ( فإن أحسنت فأعينونى، وإن أسأت فقومونى )؛ ووقفت الدنيا مشدوهة تنصت لخطاب ( ربعى بن عامر ) وأصحابه طلائع الفتح الاسلامى فى وجه (رستم) ممثل الديكتاتورية الفارسية، يوم قال له: (الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله).

وكتب تراثنا تزخر بمئات بل ألوف الأمثلة توضح كيفية صناعة القرار فى الدولة الإسلامية على كل المستويات من الحرب والمعاهدة والتحالف ومعايير اختيار القادة العسكريين والسياسيين وآليات الإدارة وكذلك آليات حل الخلاف الذى ينشب بين القيادات، وإدارة الكوارث والأزمات.

هذا بخلاف الملامح السياسية للحكم فى هذه الحقبة التى شهدت (ديناميكية) وتطورا غير مسبوقين مع حفاظها على الركائز الرئيسية التى أشرنا إليها من قبل، ومن ذلك مجالس الشورى (كمجلس الستة الذى عهد إليه عمر بالإشراف على عملية انتقال السلطة إلى خليفةٍ جديد يختاره المسلمون) وأسلوب اختيار الحكام والولاة والقضاة، التعامل بين الحاكم والمحكوم، صور المعارضة أثناء حكم الخلافة الراشدة وكيف كانت مرشدة لخدمة الدولة.. التوازن بين سياسة السوق الحر وتحقيق العدالة الاجتماعية، إدارة ولايات الدولة بين المركزية واللامركزية وتطبيق العدالة الانتقالية فى الولايات المفتوحة، هذا إلى جانب تجليات مفهوم المواطنة التى بدأت بوثيقة المدينة وتطورت لاسيما مع اتساع رقعة الدولة الإسلامية إلى دخول الكثير من الفئات غير العربية فى دواوين الوزارة وتقلدهم مناصب عليا فى الدولة على أساس معيار الكفاءة وحدها دون النظر لانتماء عرقى أو (إثنى).