من الممكن إنقاذ ثورة مصر - محمد العريان - بوابة الشروق
السبت 4 مايو 2024 11:55 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

من الممكن إنقاذ ثورة مصر

نشر فى : السبت 17 مايو 2014 - 6:00 ص | آخر تحديث : السبت 17 مايو 2014 - 6:00 ص

فى وقت لاحق من الشهر الحالى سوف تتيح انتخابات رئاسية جديدة فرصة أخرى لمصر كى تحقق وعد الانتفاضة الشعبية التى أطاحت بالرئيس حسنى مبارك قبل ثلاثة أعوام. ولكى ينجح الرئيس القادم، سوف يتعين عليه العمل بسرعة على ثلاث جبهات: الأمن والتمويل والنمو الاقتصادى، وسوف يجب عليه القيام بذلك فى سياق السعى لتحقيق أهداف الثورة الخاصة بـ«العيش والكرامة والعدالة الاجتماعية».

المهمة رقم واحد هى معالجة ذلك السيل من العنف الذى شهدته البلاد مؤخرا. وعلى الرغم من محدودية تلك الانفجارات فقد أودت بالعديد من الأرواح، وحرمت مواطنين كثيرين من إحساسهم بالأمان، وأضعفت موقف البلاد الدولى، وقضت على السياحة، وقوضت الأنشطة الاقتصادية، وأسهمت فى حدوث أشكال ضارة من العجز.

ثانيا: لابد للبلاد من معالجة العجز التجارى، ذلك أنه حتى إذا حققت الحكومة هدفها الخاص بخفض العجز المالى إلى 14 بالمائة من إجمالى الناتج المحلى فى العام المقبل فسوف يظل هذا العجز الكبير يهدد بتفاقم التضخم المفرط بالفعل، وهو ما يضر الفقراء بشكل كبير. وفى الوقت نفسه يتطلب العجز التجارى الكثير من القروض الأجنبية، الأمر الذى يجعل مصر معتمدة بشدة على المساعدات الاستثنائية من الدول الصديقة كالإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والكويت.

ثالثا: لابد للحكومة من العثور على طريقة تعزز على نحو دائم النمو الاقتصادى الذى كان بطيئا جدّا فى استيعاب الداخلين الجدد إلى قوة العمل، وتحقيق تقدم فى المستويات المرعبة من البطالة بنوعيها الصريح والمقنع، ومعالجة الفقر المدمر ونقص الحراك إلى أعلى الذى يصيب شرائح المجتمع الأكثر عرضة للخطر.

ومع أن التحديات كبيرة، فإن لدى مصر القدرة على التغلب عليها. فمن خلال مشاركتى فى الكثير من جهود الإصلاح خلال الخمسة عشر عاما الأولى من حياتى العملية فى صندوق النقد الدولى، رأيت بلدانا لديها موارد أقل كثيرا مما لدى مصر وهى تغيير أوضاعا أكثر صعوبة إلى الأفضل.

الأمر الأساسى بالنسبة للرئيس القادم ــ ومن المرجح أن يكون عبدالفتاح السيسى وزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة المصرى السابق المتوقَع أن يحقق فوزا حاسما ــ هو انتهاز فرصة إحساس المصريين المتزايد بالمواطنة والوعى القومى الذى أطلقته ثورة 2011.

مازالت المكاسب الأساسية للانتفاضات الشعبية فى الأعوام الثلاثة الماضية قائمة، على الرغم من أن مصر تكافح بقوة حتى الآن لتحقيق محور معظم الثورات الأكثر تعقيدا وحساسية، وهو التحول من تفكيك الماضى القمعى إلى بناء مستقبل واعد. فبعد أن غرَّبهم النظام القمعى لعقود، لدى أغلبية المصريين العاديين الآن إحساس أكبر بامتلاكهم لبلدهم والفخر به. وهم يتوقون بحق إلى قدر أكبر من الديمقراطية والعدالة والرخاء.

على الجبهة الأمنية، سوف يكون على الرئيس الجديد مزج الحزم بالسياسات الجديدة الخاصة بالمصالحة الدائمة مع الخصوم، مع تجنب اعتياد قمع الماضى. وفى الوقت نفسه، سوف يتعين عليه أن يعد بسرعة خطة اقتصادية مدتها ثلاثة أعوام، وهذه مصدر قوة ودعم كان مفتقدا على نحو محزن لسنوات. وبالإضافة إلى مؤشرات الاقتصاد الكلى المعتادة، سوف تحدد هذه الخطة بوضوح أهدافا فى مجالات كالتوظيف والصحة والتعليم والقدرة على القراءة والكتابة ووفيات الأطفال على نحو قابل للقياس ويتسم بالشفافية والأهمية بالنسبة للسكان بصورة عامة. وهى بذلك يمكن أن تساعد أيضا فى تجميع قروض منخفضة الفوائد وطويلة الأجل من المؤسسات الرسمية متعددة الأطراف (كصندوق النقد الدولى والبنك الدولى)، والمنظمات الإقليمية (ومنها الاتحاد الأوروبى) والحكومات. والأمر المهم أن هذا سيكون دعما لبرنامج من تصميم مصر ويخصها.

على الرغم مما عُرف من عدم كفاءة القطاع العام فلن يكون له خيار فى هذه المرحلة إلا القيام بدور محدِّد فى تحسين البيئة لكل من رجال الأعمال المصريين والمستثمرين الأجانب. وسوف يقتضى هذا معالجة تمويل الحكومة وتنظيم دعم الطاقة وإعادة صياغة النظام الضريبى وإصلاح شبكة الأمان الاجتماعى وتحسين الإطار المؤسسى وجعل الجهاز البيروقراطى أكثر شفافية وقبولا للتنبؤ به. باختصار، سيكون على الحكومة تعديل أدائها وطريقة عملها أو «نسقها العقلى» على نحو مستدام ليصبح نسقا عقليا مُمَكِّنا لمواهب المصريين ومزاياهم النسبية، وبالتأكيد ليس باعتباره بديلا لها أو نسقا عقليا يسعى إلى تقويضها من خلال الأنشطة المفسدة أو المهدرة للجهد والمال.

إن رئيس مصر القادم لديه فرصة كبيرة لإعطاء قوة دفع لعملية تعزز نفسها بنفسها للإنعاش الاجتماعى والمالى والسياسى والاجتماعى. وهو بذلك سيفعل ما هو أكثر من تحسين حياة 90 مليون ومواطن وسبل معيشتهم. كما أنه سيسهم فى إحداث قدر أكبر من الاستقرار فى منطقة مهمة من العالم.

ينشر هذا المقال بإذن خاص وترتيب مع «بلومبرج»

محمد العريان محمد العريان، كبير المستشارين الاقتصاديين فى مؤسسة إليانز، وعضو لجنتها التنفيذية الدولية، وهو رئيس مجلس التنمية العالمية التابع للرئيس باراك أوباما. شغل سابقا منصب الرئيس التنفيذى والشريك الرئيسى التنفيذى للاستثمار فى شركة بيمكو.
التعليقات