«المجتمع والسلطة» لإصلاح وإعادة بناء الدولة - سمير عليش - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 12:27 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«المجتمع والسلطة» لإصلاح وإعادة بناء الدولة

نشر فى : الأربعاء 23 أبريل 2014 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأربعاء 23 أبريل 2014 - 8:00 ص

لقد اعطت جماهير الملحمة الثورية المصرية فى 30/6/2013 (المصممة على تحقيق أهدافها المعلنة فى 25/1/2011) إشارة البدء فى تغيير المسار الديمقراطى وفق دستور 2012، على أثر احتشادها للمطالبة بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، بسبب فشل أول رئيس مدنى منتخب لجمهورية مصر العربية فى إدارة مهمة إصلاح وإعادة بناء الدولة (الوطنية الديمقراطية الدستورية الحديثة).

والآن، وبعد سلسلة من خطايا الاستقطاب السياسى والصراع على السلطة والعنف المجتمعى/ الجنائى والحوادث الإرهابية، هبت رياح الانتخابات الرئاسية. وللأسف قد تقرر إجراء تلك الانتخابات وفق قانون مخالف لدستور 2014، وفى مناخ «أمنى وحقوقى وإعلامى» يزيف الوعى أدى إلى تباين مشاعر الجماهير فيما يتعلق بنتائجها، بين «التخوف والتربص والإحباط» عند البعض، وبين «الترقب والأمل واليقين» الذى يسود أغلبها فى أن يتولى أمور مصر من ينجح فيما فشل فيه الرئيس المعزول.

ومن منطلق عضويتى فى تيار النضال المستمر لإنجاز تلك المهمة، رأيت المساهمة بطرح رؤى حول أهم الاستحقاقات والتحديات المطلوب توافرها والتصدى لها، ثم إلقاء الضوء على أهمية دور«المجتمع المدنى» المتحرر من استبداد السلطة من ناحية، والمتعاون معها فى إطار قوانين تتسق مع المعايير الدولية من ناحية أخرى.

•••

أول الاستحقاقات الأربعة المطروحة هو التحول من دولة الفرد «الملهم، المنقذ...إلخ» إلى دولة المؤسسات والقانون والمواطنة والحكم المحلى، التى لا تذوب على الإطلاق فى أى حزب أو أيديولوجية «علمانية/ دينية/ عسكرية»، ولا تقبل بالفساد وبالتهميش الاجتماعى أو الدينى أو النوعى. حيث إنه كان أهم أسباب انحسار الدور المصرى الذى ساد فى العقود الماضية هو نتيجة اختصار الدولة المصرية بمكوناتها وقدراتها فى شخص الرئيس.

العمل على بناء نموذج سياسى مؤسس على أن الشعب هو مصدر السلطات لا إقصاء فيه لأحد طالما احترم قواعد تداول السلطة سلميا والتزم بها، ولا استحواذ فيها للسلطة لأى فرد أو مؤسسة بغير سند من الإرادة الشعبية المتمثلة فيمن ينتخبهم الشعب (أو يعاد انتخابهمRe-call).

إرساء قواعد العدالة الاجتماعية وتحقيق الكرامة الإنسانية والتنمية المستدامة (العيش)، عبر تبنى اقتصاديات المعرفة والسوق الموسعة والمتوازنة على كافة محافظات مصر، بجانب تولى مؤسسات الدولة مشروعات قومية عملاقة لدفع عجلة الاقتصاد وتصديا للبطالة، وبما يحقق الأمن القومى واستقلال القرار السياسى. وكل ما سبق الإشارة إليه فى إطار توفير منظومة عدالة ناجزة لاستعادة الثقة فى الدولة، وعبر العمل على تعزيز رأس المال الاجتماعى وتبنى ثقافة غير تنموية.

تغيير جذرى فى سياسة مصر الخارجية لتخليص القرار الوطنى من التبعية، ومنطلقة من مبدأ حماية مواطنيها فى كل بقاع الأرض، ومبدأ تحقيق التوازن بين المبادئ والمصالح، ومبدأ تأمين كافة الممرات الدولية وخاصة لدول حوض وادى النيل والمنطقة العربية لتحقيق أمنها القومى فى ظل التزايد السكانى والفقر المائى.

•••

أول التحديات الثلاثة المطروحة هى تصحيح العلاقة بين «سلطة الدولة والمجتمع» والخروج من مآزق الدولة المسيطرة على المجتمع عبر: الدولة الراعية (رأسمالية الدولة)، أو الدولة الإيديولوجية الرأسمالية «تحالف الفساد والاستبداد»، أو الدولة الإيديولوجية الدينية.

ففى فترة حكم «ناصر» كانت الدولة الراعية (التى أممت العمل الأهلى ومعظم القطاع الخاص) هى المصدر الأساسى لكافة أنواع الحراك «سياسياً واجتماعياً واقتصاديا وثقافياً»، لذا كان المجتمع كله معتمداً عليها وخاضعاً لشروطها إما بالاستبداد أو الاقتناع. ثم كان التحول الجذرى للعلاقة بين «سلطة الدولة والمجتمع» بعد (الهزيمة العسكرية والنكسة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية فى 67، ثم بيان 30مارس)، الأمر الذى مكن المجتمع (بمواطنيه بمختلف انتماءاتهم العقائدية والأيديولوجية وترابطاته المدنية داخل وخارج مصر) من المبادرة والمشاركة الفاعلة فى التصدى لقضايا زيادة وكفاءة الإنتاج (الساعات الإضافية الطوعية) وخفض الاستهلاك (الاستغناء عن السلع الترفيهية والإقلال من الحج والعمرة...الخ) واخيراً وليس آخراً فى كل مهام إعداد الدولة/الجيش لعبور مستنقع اليأس إلى آفاق الانتصار فى أكتوبر العظيم.

ثم قرب نهاية حكم «السادات» وخلال حكم «مبارك» أهملت سلطة الدولة دروس 67 -73 وبسطت سيطرتها الكاملة على «المجتمع» عبر تحالف» الفساد والاستبداد وبمساندة من العولمة المتوحشة من جهة، وبارتفاع مخيف لفاتورة دعم السلع والخدمات من جهة أخرى، وهذا بدون أى اعتبار للانعكاسات العديدة على قيم وسلوكيات المواطنين بسبب انسحاب الدولة وعجزها عن تقديم خدمات لائقة، وبسبب ايضاً المتغيرات العالمية، «نشطاء حقوق الإنسان، الإعلام الإلكترونى...الخ». ماذا حدث ؟

وخلال سنة حكم «مرسى» حاولت الإيديولوجية الدينية التحكم فى المجتمع عبر السيطرة على مفاصل مؤسسات الدولة ورأس المال أو التحالف معهما من ناحية، والاستخفاف بدور قطاع مهم من «المجتمع» وبالأخص من أطلقوا شرارة الملحمة الثورية من ناحية أخرى ماذا حدث؟

وخلال الفترات الانتقالية منذ 25 يناير 2011 حتى تاريخه فإن الشواهد متعددة على الأداء المتدنى الذى أصاب «سلطة الدولة» مع تقاعس جزء كبيراً من «قوى المجتمع» عن الاضطلاع بمهامه لأسباب متعددة. ماذا يحدث؟

الخروج من النكسة الاقتصادية والاجتماعية والتراجع المروع لثقافة التسامح والحوار وانهيار الثقة فى مؤسسة العدالة والتدنى غير المسبوق للقيم والسلوكيات الحضارية الفردية والجماعية. ولاشك أن الأمر يتجاوز مجرد إصلاح القوانين واللوائح والسياسات التى تحكم عمل مؤسسات الدولة وإنما الأمر يتطلب تغييرا جذريا للثقافة الحاكمة لأداء الأفراد ولعمل تلك المؤسسات وأهمها «العدالة، التربية والتعليم والثقافة والإعلام». وبمعنى آخر الحاجة الماسة إلى تغييـر «السوفت وير» الذى يحرك غالبية العقل المصرى بما يتسق مع قيم ومعطيات عصر التكنولوجيا والمعلومات والمعرفة واحترام حقوق الإنسان والديمقراطية.

تضميد جراح الماضى البعيد، وتصحيح خطايا الأحداث المأساوية والإرهابية التى وقعت خلال الفترات الانتقالية منذ 25 يناير2011 وحتى تاريخه (العدالة الانتقالية والتكافل الاجتماعى).

•••

ومن وجهة نظرى فإن تلك الاستحقاقات (الاشتراطات) فضلا على التحديات المشار إليهما أعلاه، يمكن اعتبارها بمثابة «عنق الزجاجة» التى يجب على «المجتمع والسلطة» اجتيازه لإنهاء العلاقة بين كل ما أعاق «مصر» عن اللحاق بالدول المتحضرة والمتقدمة.

وفى ظل الأوضاع الحالية لمؤسسات الدولة (المنتظر أن تخضع لعمليات إعادة التأهيل الكامل بتوجيه المنظومة الرئاسية الجديدة) فإن جزءا كبيراً من العبء المطلوب لاجتياز «عنق الزجاجة» سيقع على عاتق «المجتمع المدنى المتحرر من استبداد السلطة والمتعاون معها فى نفس الوقت وفق قوانين تتسق مع المعايير الدولية. والمقصود بـ «المجتمع المدنى» مجموعة التنظيمات والترابطات والحركات والشبكات التى ينشئها المواطنون «الطبيعيون والمعنويون» المقيمون فى مصر والخارج بصفة إرادية.

وبالمبادرة الطوعية. وتضم تلك التكوينات حاليا عشرات الملايين من العلماء والمثقفيـن والمهنيين والفنانين والإعلاميين ورجال الأعمال والعمال والفلاحيـن والشباب والنساء...الخ. والمنتظر أن يقوم «المجتمع المدنى» فور تحرره من سلطة الدولة بمضاعفة جهوده لتعزيز وتعبئة رأس المال الاجتماعـى محلياً وعالمياً، للاضطلاع بأنشطته المختلفة (الدعوية، الحقوقية، الخدمية) للمساهمة فى اجتياز «عنق الزجاجة»، فى إطار ما يعتقد أنه من ثوابت الضمير الجمعى للشعب المصرى من ناحية، والمتغيرات التى أحدثتها الملحمة الثورية من جهة أخرى.

ثوابت الضمير الجمعى للشعب المصرى تتمثل فى التمسك بقيم السماء، وبسلمية «الصوت الاحتجاجى»، فضلاُ على تثمين الارتباط المعنوى بالمؤسسة العسكرية فى السعى إلى تحقيق كل ما هو فى صالح «المواطن والوطن».

متغيرات (إنجازات) الملحمة الثورية حتى تاريخه:

استرداد المواطنين لصكوك ملكية وطنهم والمتمثلة فى حق استخدام أصواتهم الاحتجاجية والانتخابية، (بحرية وشفافية فى إطار قوانين تتوافق مع المعايير الدولية ).

زوال التخوف من ذوبان الدولة فى الأيديولوجية الدينية السياسية.

التقنين الدستورى لعلاقة المؤسسة العسكرية بالسياسة والاقتصاد والمجتمع منذ 1952، عبر تحديد فترة زمنية محددة (8 سنوات) تتفرغ بعدها بالكامل لمهمتها الاساسية.

•••

وفى الختام، نستطيع أن نؤكد على أن تحرر المجتمع «أفراده ومؤسساته المدنية» من استبداد الدولة يعد شرطاُ أساسيا لبناء نموذج سياسى وتنموى فعال وقوى لإصلاح وبناء الدولة الوطنية الديمقراطية الدستورية الحديثة التى تجسد قيم الثورة «عيش /حرية/عدالة/كرامة».

سمير عليش  ناشط في مجال الشأن العام
التعليقات