تدريب على الإتقان - نادر بكار - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 1:00 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تدريب على الإتقان

نشر فى : الثلاثاء 23 يونيو 2015 - 10:05 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 23 يونيو 2015 - 10:05 ص

إذا ما تناولت يوم الصيام من بدايته، يصادفك حث النبى صلى الله عليه وسلم على (السَحور ) كعاملٍ مساعد ٍعلى (إتقان) الصيام نفسه «تَسَحَرُوا فَإِنَ فِى السَحُورِ بَرَكَة ».. فمن بركته أن يعين الصائم على أداء الطاعات المختلفة أثناء النهار من صلاة وقراءة وذكر ٍوتحصيل أسباب رزقٍ وطلبٍ لعلم، وإلا فإن شدة الجوع ستقعد الصائم عن الكثير من الواجبات، وهذا أمرٌ مشاهد ملموس لمن فاتته أكلة السحر.. ويبلغ الحث على (الإتقان) مبلغه حينما يستحب رسول الله صلى الله عليه وسلم تأخير السحور إلى قبيل الفجر مباشرة ليقلل من المساحة الزمنية للامتناع عن الطعام والشراب التى يكابدها الصائم، هذا بالطبع إلى جانب ما فيه من تهيئة تلقائيةٍ لأداء صلاة الفجر ومن ثم لاستقبال اليوم الجديد مبكرا.

ولأن البعض قد يظن (الإتقان) رفاهية يسعه أن يتخلى عنها يأتيه حديث (مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَهِ حَاجَةٌ فِى أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ) ليرده إلى صوابه ويشعره بأهمية (الإتقان) وتأثيره.. و مكمن الروعة، أن النفوس بعدما تهيأت لصيامٍ يغفر الذنوب كلها، واشتاقت لقطف ثمرة ٍ يكفى أن الله سبحانه قد أبهمها دلالة على عظم قدرها (إِلا الصِيَامَ فَإِنَهُ لِى وَأَنَا أَجْزِى بِهِ)، يأتيها التحذير النبوى من صيامٍ لا يؤثر كثيرا فى تهذيب سلوك صاحبه فلا يردعه عن ارتكاب الشرور والآثام قولا وعملا ومن ثمَ يصبح مجرد تعذيبٍ للنفس بحرمانها من الملذات دون فائدةٍ تذكر.. بل إن السنَة النبوية قد سبقت كل نظم التدريب الحديثة فحذرت أثناء تدريبها للنفس البشرية على تحرى (الإتقان) من العوامل الخارجية التى قد تشوه الصورة المثلى للعمل، وهو احتمالٌ وارد التكرر بشكلٍ يومى، وهذا الاحتياط ظاهرٌ فى حديث «فإِنْ سابَهُ أَحدٌ أو قَاتله فَليقُلْ إِنى صائِمٌ» فأرشد صلى الله عليه وسلم إلى الإجراء (الوقائى) الذى يلزم اتخاذه للمحافظة على (إتقان) الصيام، مستبقا ابتكار (دوائر الجودة quality circles ) الذى ظهر بعد ذلك بمئات السنين.

ويستمر التدريب النبوى يغرس فى أعماق النفس البشرية معانى (الإتقان) أكثر وأكثر حينما ينهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه عن ختم القرآن فى أقل من أسبوع، فعن عبدالله بن عمرو ٍأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اقْرَأ الْقُرْآنَ فِى شَهْرٍ ) قُلْتُ: إِنِى أَجِدُ قُوَة.. حَتَى قَالَ (فَاقْرَأْهُ فِى سَبْعٍ وَلَا تَزِدْ عَلَى ذَلِكَ).. و ما ذلك إلا لحرصه على (الإتقان) فى تدبر القرآن وفهمه، وهو ما عبر عنه الحديث الآخر: (لَا يَفْقَهُ ــ أى لا يفهم ــ مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِى أَقَلَ مِنْ ثَلَاثٍ ــ يعنى ثلاثة أيام ).

وفى نهايات الشهرالكريم كان دأب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن إذا دخلت أيام العشر الأواخر أَحْيَا اللَيْلَ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ وَجَدَ وَشَدَ الْمِئْزَرَ)، وقد وضح المفسرون أن عبارة (شَدَ الْمِئْزَرَ) هى كنايةٌ عن اعتزاله زوجاته رضوان الله عليهن تماما فى هذه الليالى، وما ذلك إلا لفرط اهتمامه بالتركيز على تحصيل كل خيرٍ ممكنٍ فيها لعله بذلك يصيب ليلة القدر، وما ذلك إلا لكون العبادة والتقرب إلى الله فيها خيرٌ من ألف شهر كما نصت الآية الكريمة، فمن تمام (إتقان) العبادة لمن أدرك هذه الليلة إفراغ القلب من كل شاغلٍ يمكن أن يعيقه عن الوصول إلى أقصى درجةٍ ممكنةٍ من الخشوع وتدبر الآيات واستحضار القلب عند الدعاء.

بل إن فى إبهام ليلة القدر وترك تحديدها على وجهٍ قاطع من بين ليالى العشر يُشعرك بالحث الربانى غير المباشر أن يتحرى الناس (الإتقان) فى القيام والدعاء والذكر طيلة ليالى العشر، وإلا لأصيب الناس بالارتخاء والفتور والتكاسل إذا ما اجتهدوا فى ليلةٍ علموا أنها دون سواها هى المعنية بالتقدير.