تفجر موجة ولع بالحضارة المصرية بين الصينيين يبشر بطفرة سياحية - فاروق حلمى - بوابة الشروق
الأحد 26 مايو 2024 4:13 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تفجر موجة ولع بالحضارة المصرية بين الصينيين يبشر بطفرة سياحية

نشر فى : الأحد 25 مايو 2014 - 12:35 م | آخر تحديث : الأحد 25 مايو 2014 - 12:35 م

مع نهضة الصين وتطورها الهائل الذي صعد بها الى مرتبة ثاني أكبر اقتصاد في العالم ويمهد للأولى في غضون أعوام قليلة، تزايدت أعداد الطبقة المتوسطة ودخول الأفراد فيها وأصبحوا متعطشين للسفر ولمشاهدة العالم بعد عقود من الانعزال عنه في القرن الماضي. وبلغ عدد الصينيين الذين سافروا للسياحة الخارجية خلال العام الماضي 100 مليون لتحتل بذلك مركز أكبر سوق مصدر للسائحين بالعالم، كما أصبح سائحوها أكبر المنفقين في الخارج بإجمالي 102 مليار دولار في ذلك العام.

وشهدت الشهور الأولى من العام الحالي تطورا هاما في السياحة الصينية الى مصر ، فبعد أن رفعت السلطات هناك الحظر على السفر لمصر ارتفع عدد الصينيين الذين زارونا في الربع الأول للعام بنسبة 30 % مقارنة بالربع السابق، ورغم أحداث العنف القبلية التي وقعت في أسوان.

وجاء هذا بينما تجتاح الصين حاليا "حمى مصرية" اذا صح استخدام هذا التعبير، ويتزايد بين الأوساط الثقافية فيها نشر الكتب والمؤلفات حول الحضارة المصرية القديمة، كما يتكثف عقد الدورات الدراسية واطلاق ألعاب الكومبيوتر والمسابقات على الانترنيت، مما يسهم في دعم التفاهم بين الشعبين ويعزز التعاون الثنائي في مجالات السياحة والثقافة.

وقد نشر الاعلام الصيني تقارير في الآونة الأخيرة تفيد بأن شركات صينية متخصصة في تطوير ألعاب الفيديو على الانترنيت أطلقت ألعابا جديدة تتصل بالحضارة المصرية، ومن بينها لعبة باسم "مغامرة الشجاع" تعتزم الشركة المطورة لها عقد مؤتمر صحفي في مصر كمحطة أولى في إطار نشاط "مغامرة حول العالم" للترويج للعبة، وقامت من أجل تشجيع اللاعبين بتخصيص صفحة في موقعها الالكتروني تطرح أسئلتهم على مؤلف اللعبة المشهور، وسيتم منح أصحاب أفضل الأسئلة فرصة مجانية لزيارة مصر. واستعانت الشركة بآثار وخصائص مصرية مثل الأهرامات والنيل والصحراء وشخصيات فرعونية كخلفيات للعبة.

وتوقع الخبراء أن تستقبل مصر موجة من الاعصار السياحي الصيني على خلفية تضافر جهود ثلاث جهات في استثارة اهتمام الجماهير بالتوجه الى هذا البلد، وهي وكالات السفر والسياحة والهيئات الثقافية والشبكات الاجتماعية.

كما نشرت دار النشر لأكاديمية شنغهاي للعلوم الاجتماعية في أبريل نسخة جديدة من كتاب "تاريخ مصر الكامل"، وهو أول كتاب من نوعه يجمع التاريخ الفرعوني والإسلامي معا انطلاقا من رؤية "حضارة مصرية موحدة". وصرح خبراء في الشئون المصرية بأن مميزات الحضارة الفرعونية والعربية والإسلامية تختلط جميعها في دماء الشعب المصري ولا يجب فصلها، ولذا كان من الضروري مراجعتها من خلال رؤية أشمل.

ونوه هؤلاء بأن العلماء الصينيين خطوا خطوات جيدة في علم الآثار والدراسات الوثائقية المصرية، إذ يخصص مجلس المنح الصيني مبلغا خاصا لتعزيز البحوث والدراسة في مجال علم الآثار المصرية ومساعدة الطلاب والعلماء على الدراسة في دول أجنبية مهتمة بهذا المجال مثل ألمانيا وفرنسا والدانمارك وطبعا مصر. وأشاروا الى أن خمس جامعات صينية أقامت فرقا بحثية من الأساتذة والطلاب حول الآثار المصرية تحت رقابة كليات التاريخ في مدن صينية كبيرة، ونشرت جامعة بكين عدة أطروحات بحثية في مجال الدراسات الوثائقية المصرية.

وقد زاد عدد العلماء الذين يفهمون اللغة المصرية القديمة بعشرة أضعاف في العقود الثلاثة الأخيرة إلى ما يزيد عن 100 عالم. وأطلقت جامعة المعلمين ببكين العام الجاري ثلاث دورات دراسية ذات صلة من بينها "نبذة عن علم الآثار المصرية" و"دراسة لغة مصر القديمة" اللتين سجلتا حضورا كبيرا من طلاب كليات وجامعات أخرى.

كما تم مؤخرا اعادة طبع كتاب "دراسات حول الفلاح الفصيح" الذي حظي بتقدير كبير في الأوساط الأدبية وبين المتخصصين في مجالي المصريات والاستشراق ، حيث قام المؤلف بتحويل نص الرواية الأصلية من الهيروغليفية الى الصينية، مرفقا به تحليل عميق للجوانب السياسية والاقتصادية والدينية للانسان المصري القديم. وهي قصة مصرية قديمة تعرب عن حب وسعي المصريين القدماء للحق والعدل وكراهيتهم للفساد السياسي والظلم الاجتماعي، وتحكي عن فلاح يدعى "خن-انوب" عاش في عهد الأسرة التاسعة أو العاشرة تعرض لاعتداء من قبل نبيل يدعي رينسي بن ميرو، بعدما تعثر حمار الأول في أراضي الثاني فاتهمه باتلاف الزرع.

ويشهد سوق الكتب نفس الاهتمام السائد في الجامعات والمعاهد بالاقتراب من الثقافة والحضارة المصرية. ففي شبكة "دانغ دانغ"- وهي أكبر شبكة بيع كتب بالصين - يمكن أن يجد القارئ أكثر من 500 كتاب عندما يضع كلمة "مصر" في محرك البحث أغلبها في مجال الحضارة والأدب والثقافة.

ويمتد الاهتمام الى الأطفال، حيث يوجد أكثر من 190 كتابا يتركز معظمها على تقديم حضارة مصر القديمة باستخدام الرسوم الملونة والقصص البسيطة التي يمكن للأطفال فهمها بسهولة، وعلى رأسها كتاب "زيارة إلى مصر" المترجم من الانجليزية بقلم كاتبة أمريكية في إطار سلسلة تحمل اسم "حافلة المدرسة الساحرة". وتم بيع عشرات الآلاف من هذا الكتاب.

وأطلق مركز دراسة علم الآثار المصرية في جامعة بكين سلسلة من المحاضرات للجماهير الصينية العادية لتعريفهم بالحضارة المصرية منذ الربع الثالث من العام الماضي ، وتعزز ذلك باطلاق السفارة المصرية في بكين لمجموعة جديدة من الإجراءات الهادفة لتسهيل وتشجيع الزيارة إلى مصر منذ بداية أبريل.

ولا أدل على افتتان الصينيون بالآثار المصرية القديمة من اقامتهم حديثا لـ «صورة طبق الأصل من تمثال خوفو المصري في مدينة شيجياتشوانغ» بمقاطعة خبى الواقعة في شمال شرق الصين بطول 60 مترا وارتفاع 20 مترا.

وتشير هذه التطورات الى أن الفرصة سانحة لاستغلال السحر الأخاذ الذي تشكله الحضارة المصرية العريقة بالنسبة للصينيين، في ظل اشتراك الشعبين في كونهما أصحاب أقدم حضارتين على وجه الأرض وشعورهم برابطة خاصة فريدة تربطهم بنا بخلاف نظرتهم لشعوب أخرى، وينبغي علينا أن نقتطف ثمرة الاهتمام الجديد البادي بالثقافة والآثار المصرية القديمة والتطلع لزيارة مصر للتعرف على المزيد منها، من أجل احداث طفرة في زيارتهم لنا بما فيه من فائدة سريعة تعود على اقتصادنا دون عناء يذكر. وعلينا أن نستغل عدم تأثر المواطن الصيني بشكل كبير بما يقع في مصر من أحداث عنف واضطرابات بخلاف تأثر السائحون من مناطق أخرى كأوروبا وأمريكا.

وتشير الأرقام الى أنه من المتوقع أن يزيد عدد الصينيين المسافرين للخارج الى 150 مليون سائح بحلول عام 2020، وتقدر بعض التقارير ألا يقل نصيب مصر منها آنذاك عن مليوني سائح سنويا.

الا أننا لا يمكن أن نركن الى هذا ونظل قابعين ننتظر حدوثه أو نجاح دول أخرى في اجتذاب هذه الأعداد وحرماننا منها في وسط اتباعها لأساليب علمية جيدة التنظيم والتأثير في الترويج للسياحة لديها والانفاق الهائل عليه ، وانما يجب أن نكون أكثر نشاطا في جذب الصينيين لزيارتنا مستغلين استعدادهم الطيب. ويجب أن يعكف المعنيون لدينا على التفكير في أنسب الوسائل التي يمكن اتباعها لتحقيق ذلك بمشاركة من خبراء في صناعة السياحة والاجتماع وعلم النفس بالإضافة للمتخصصين في الشئون الصينية.

وأتصور أنه بالإضافة لما درجت عليه شركات السياحة المصرية من اقامة معارض في بكين وشنغهاي وجوانجزو وهونج كونج فقط، فانه ينبغي أن تمتد هذه المعارض الى المدن الصينية الغنية الأخرى وكذا ما يعرف بمدن الصف الثاني والثالث التي تتزايد فيها الدخول والقدرة المالية والاقبال على السفر بسرعة فائقة.

كما ينبغي اللجوء لسبل ذكية وغير تقليدية، فيمكن مثلا الاعلان عن جوائز تكون من نصيب المجموعات السياحية الزائرة لمصر من البر الرئيسي للصين وهونج كونج، كأن تتحمل الدولة عندنا تكلفة سفر وزيارة مجموعة بكاملها (10-20 سائحا) يتم اختيارها بالقرعة من كل عدة مجموعات، وتعيد القيمة التي دفعها أعضاء هذه المجموعة لشركة السياحة الصينية لتعيدها بدورها اليهم. ويمكن أن تمنح مجموعة أخرى مختارة بنفس الطريقة كوبونات لشراء احتياجات وهدايا قيمة من محال محددة بالسوق المصري وهكذا. وسيكون الاعلان عن هذا في الصين خير حافز لزيادة السفر، مع ما هو معروف عن الصينيين من حب متأصل لليانصيب والمقامرة، وميل شديد للإنفاق على الشراء في أسفارهم سواء لأنفسهم أو للأهل والأصدقاء والزملاء.

فاروق حلمى خبير في الشئون الصينية مقيم في هونج كونج
التعليقات