فى الاستعدادات للانتخابات البرلمانية والرئاسية، والتى ستقرر مستقبل مصر السياسى لعقود مقبلة، من الطبيعى أن يركز المرشحون خاصة للرئاسة، بل والناخبون، على قضايا السياسة الداخلية: الاقتصاد، التشغيل، الأجور، التعليم، الصحة.. إلخ هذه القضايا الحيوية التى تمس الحياة اليومية للإنسان المصرى، وتزداد هذه القضايا إلحاحا مع التدهور الذى شهدته هذه القضايا نتيجة لسوء السياسات وضعف الأداء خلال العقود الماضية، غير أن الاهتمام المشروع بهذه القضايا والمحاولات غير المتكاملة لمعظم المرشحين التى يقدمون بها رؤاهم وخططهم للتعامل مع هذه القضايا، ليس فقط لتقديم حلول سطحية وجزئية لها، وإنما لتحقيق نهضة شاملة تنقل مصر إلى مستويات الدول المتقدمة.

على الرغم من هذا فإن ثمة قضايا أخرى قد لا تقل أهمية وتداخلا ونعنى بها قضايا السياسة الخارجية، ويشهد تاريخ مصر المعاصر على العلاقة الوثيقة بين قضايا السياسة الداخلية والخارجية، فالمكانة الإقليمية والدولية التى تسعى لها مصر لن تتحقق إلا على أساس قاعدة داخلية سليمة ومجتمع صحى اقتصاديا واجتماعيا، من ناحية أخرى فإن سياسة خارجية غير مدروسة وتدار على أساس غير مؤسسى قد تنتهى، كما أظهرت خبرة الستينيات، إلى انتكاسات قد تنال من كيان الوطن.

●●●

لهذه الاعتبارات فإننا ندعو ونتوقع من مرشحى الرئاسة بوجه خاص أن يعلنوا عن سياساتهم تجاه قضايا السياسة الخارجية المصرية الإقليمية والدولية وكيف سيتعاملون معها: قضايا النزاع العربى الفلسطينى، قضايا مياه النيل، وكيف نبنى علاقات إيجابية وتعاونية مع دولة، وكيف نشيد وتستعيد مصر مكانتها فى نطاقها الأفريقى، ما هو دور مصر فى بناء النظام الإقليمى العربى، وعلاقتها بدول الجوار، خاصة بعد الثورات والانتفاضات العربية، وكيف ستتعامل مصر مع التغيرات الجارية فى النظام الدولى وعلاقات القوى فيه وكيف ستساهم مصر فى بناء هذا النظام على أساس ديمقراطى تتعدد فيه المراكز ولا تهيمن أو تنفرد فيه قوة واحدة، وكيف سيتعاملون مع ما أصبح يعرف بالقضايا العالمية Global Issues مثل: منع الانتشار النووى، الإرهاب، البيئة، المخدرات، الأمراض، الكوارث الطبيعية.. إلخ.

ولا نتصور أن يكتفى مرشحو الرئاسة بخبراتهم الشخصية ومتابعتهم لقضايا السياسة الخارجية، بل سيتطلب الأمر، كما يحدث فى دول كثيرة، أن يكون لدى المرشح فريق متخصص فى السياسة الخارجية، ومن خبرائها يساعدون فى صياغة برنامجه الانتخابى وتصوره لكيف سيدير علاقات مصر مع العالم، كما لن تكتمل هذه العملية إلا بأن تخضع هذه التصورات، وهذه البرامج لحوار واسع تشارك فيه قوى المجتمع المدنى ومنظماته ومراكز البحث فيه وبشكل تتبلور فيه فى النهاية برامج لسياسة خارجية فعالة تعتبر الظهير القوى لعملية البناء والنهضة الداخلية.