ثورة استرداد الثورة - محمد محمود الإمام - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 3:06 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ثورة استرداد الثورة

نشر فى : الأربعاء 7 مايو 2014 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأربعاء 7 مايو 2014 - 8:00 ص

وكأننا طوينا صفحة الماضى القريب وبدأنا نتبنزط (من البيزنطية) حول ما حدث.. هل كان حقا ثورة أم كان وهمًا بناه الخيال؟ وهل كان ثورة أم ثورتين، إيحاء بفوارق عميقة بينهما.. وأن تلك التى انطلقت فى 25 يناير انتهت بانقلاب ناعم وضع لبنته الأولى فتحى سرور، ونفذه مبارك وأناب عنه عمر سليمان ليوكل أمر «إدارة شئونها» لقيادة طالما دانت له بالولاء. وحينما يتحدث الرئيس عدلى منصور عن «ثورتين»، فإنه ينطلق من كونه لم يكلف بمواصلة مرحلة انتقالية أعقبت أولاهما، بل ببناء متطلبات تنفيذ ثانيتهما التى رفضت ما جرى خلال تلك المرحلة مستندا إلى شرعية ثورية متجددة. وعلينا أن نضع كلا منهما فى إطارها السياسى الصحيح.

●●●

لقد واجهت ثورة 25 يناير أحداثا منذ لحظة قيامها أخرجتها عن السياق الموضوعى الذى دفع فئة من الشباب إلى إطلاق شرارتها الأولى، ليس رفضا لنظام قائم أساء إلى كيان دولة جديرة بالاستمرار بعد تصويب النظام الممسك بقيادة أمورها، وترشيد كيان وأداء مؤسساتٍ جوهرها صحيح لا يحتاج سوى تطهيره من شوائب علقت به، بل كانت (كما أوضحت فى مقالى الأخير «الشروق 2 مايو») ثورة لبناء دولة جديدة، قد تتشابه فى مسميات مؤسساتها، ولكنها تختلف أشد الاختلاف عما استقر فى الأذهان بشأنها. وكما ذكرت أدركت تلك الفئة من الشباب حقيقة ما أصبح العالم على أبوابه بفعل الثورة التكنولوجية من حاجة لتصورات إبداعية لحياة تخلصت من القيود المادية وأعلت الاعتبارات الإنسانية التى نفضت عنها تلك القيود، وتعيّن عليها أن تبتكر صيغة غير مسبوقة لدولة تفسح المجال لبناء المستقبل وليس إحياء ماض عليل انتهت صلاحيته وفقد قدرته على العطاء.

ومن هنا كان أقرب التجارب التى تحولت بالثورة من صيغتها التقليدية، الساعية لتصحيح أوضاع جارية ووضع كل من فئات المجتمع فى مكان يمكّنه من التعايش مع الآخرين فى ظل نظام ديمقراطى يتوافق فيه الجميع على صالح مشترك يعطى الحقوق لأصحابها، ويحقق لهم الكفاية والعدالة، ويضفى عليهم جميعا مشاعر الكرامة إلى صيغة غير مسبوقة.. هو ثورة الشباب الفرنسى فى 1968 رغم أن أوروبا بما فيها فرنسا كانت قد استعادت مكانتها العالمية بعد استكمال سوق مشتركة وضعتها على مشارف الوحدة واستأصلت شأفة النظم الاستبدادية. وفى حالة مصر شعرت الطليعة الشبابية بأن الدولة لم يعمّها فقط الفساد والقمع والاستبداد، بل رسخت معايير لا تفسح مجالا لمن بلغ من المعرفة ما يمكّنه من تجاوز حدود الماضى الموروث، وحسن العطاء لفتح آفاق المجهول على نحو يضع البشر فى مكان الصدارة.

●●●

غير أن أحداث 28 يناير 2011 وما تلاها أشعرت الفئات التى وقفت تراقب حركة الشباب متمنية لها النجاح عسى أن تفلح فى وضع حد لمعاناتها، أن النظام البائد التقط أنفاسه، استعدادا لسحق كل أمل فى التغيير فانضمت بشبابها إليهم من أجل إحياء الأمل فى تحسين أوضاعها القائمة، لأنها حرمت من الحظ الكافى من الثقافة والمعرفة الذى يجعلها تضحى من أجل مستقبل مغاير. وهكذا بدا للعالم أن الثورة مستمرة وغاب عنا جميعا أنها اتخذت مسارا مغايرا لما رسمت الطليعة معالمه. وكان هذا هو الشرخ الأول فى جدار الثورة.

ثم بدأ مسلسل تعميق الشرخ بالاستفتاء على ما أسمى تعديل الدستور، بدا كما أن غاية المراد منه هو إغلاق باب التوريث أو أبدية الرئاسة، بينما جوهر المشكلة كان سلطات الرئيس التى جعلت توجيهاته فروضا مقدسة. وصادف هذا هوى جماعة كانت عقيدتها السمع والطاعة. فدست فريقا من الشباب صهرت عقوله فى أفران كُره كل إنسان لم يندرج فى سلك الإخوان، وحولت المسار من عملية بناء دولة جديدة أو إعادة الدولة القائمة بعد تخليصها من نظام أساء تسييرها، إلى الإيهام بأن أس البلاء هو الابتعاد عن شريعة رسموا معالمها وفق هواهم، فأغلقوا نهائيا أبواب مستقبل يقوم على المعرفة، وحاضر اتهم بالزندقة، ليعيدوا عقارب الساعة إلى أيام خلافة شهدت مصر خلالها ثورات على ولاة مستبدين فرضهم عليهم خلفاء عابثون، إلى أن نفضت عنها رداء الخلافة وأعادت بناء دولة حديثة بمقاييس العصر.

●●●

إن ما حدث فى 30 يونيو هو أن المصريين، شعبا وجيشا أدركوا أخيرا مغزى ما ثارت من أجله طليعة 25 يناير فهبوا طلبا لإزالة مجموعة فاسدة وأيقنوا أنهم فى ذلك يقطعون الأيدى التى أرادت أن تسرق أملا بمستقبل أفضل. وأكد الطغاة باستعانتهم بالإرهاب أنهم كانوا حقا ــ وما زالوا ــ يريدون مصادرة مستقبل لا مكان لهم فيه بأفكارهم المشوهة، ونفوسهم المريضة التى أدركت أنه لو تم فعلا بناء دولة المستقبل فلن يكون لهم أى فرصة للمشاركة فيها لأنها دولة النقيض. لأول مرة يثور الشعب بحسه الفطرى السليم من أجل فتح آفاق عالم جديد أمام وطنه وأمام البشرية جمعاء، وبهذا أعاد الثورة لمسيرتها الأولى. لذا تحالفت قوى البغى العالمية المتشبثة بدولة حاضر يعيش آخر مراحل المادية مع قوى الرجعية، ليس حبا أو كرها فى الإسلام، وإنما لإبقاء الصهيونية العالمية بجشعها وإغراقها فى المادية فى موقع القيادة لعالم يتحكم فيه عبدة المال.

المشكلة أن النخبة المصرية المزعومة ما زالت متقوقعة فى صندوق الأفكار الموروثة، وأن الشباب، مثله مثل شباب ثورة 1968 لا يملك القدرة أو الفسحة من الوقت لوضع معالم دولة محررة من قيود الماضى، وأصبح فى موقع الدفاع عن وحدته وإنقاذها من حرب طاحنة تفرقه شيعا وأحزابا، ليتولى الصراع وأد الحلم بدولة المستقبل.

نحن بحاجة إلى ثورة فكرية، وليس لبناء مؤسسات ديكورية لدولة صورية. هل يملك المرشحان للرئاسة القدرة على وضع أسس تلك الثورة؟ وهل تعى القوى المدنية المتكالبة على الحكم حقيقة مسئوليتها الوطنية؟ أم سيغرق الجميع فى بحار تتدفق مياهها لجى من نار؟

خبير فى التخطيط

محمد محمود الإمام وزير التخطيط الأسبق
التعليقات