خلال اجتماعه مع الرئيس الأوكرانى وقادة الدول الأوروبية الكبرى، وقادة الاتحاد الأوروبى وحلف الناتو فى البيت الأبيض، كرر الرئيس الأمريكى دونالد ترامب ادعاء النجاح فى وقف ست حروب منذ وصوله للحكم للمرة الثانية قبل ستة أشهر.
امتدت الحروب، التى يدعى ترامب إيقافها، من الشرق الأوسط إلى إفريقيا، ومن البلقان إلى وسط وجنوب آسيا. وكان البيت الأبيض قد ذكر فى بيان له، فى بداية هذا الشهر، أن «الرئيس ترامب هو رئيس السلام»، وعدد البيان ست حالات هدأت فيها المواجهات بسبب قيادة الرئيس ترامب وحكمته، وهى أرمينيا وأذربيجان، وكمبوديا وتايلاند، وإسرائيل وإيران، ورواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، ومصر وإثيوبيا، وصربيا وكوسوفو.
يبدو أن مساعدى الرئيس ترامب يقومون بمسح خريطة العالم بحثا عن صراعات لإيقافها سريعا كى يرجع إليه الفضل فى ذلك، مما يدعم حملته العلنية للحصول على جائزة نوبل للسلام.
وتدفع ادعاءات ترامب لطرح المزيد من الشكوك حول أهداف سعيه لوقف الحرب فى أوكرانيا. ويبدو أن ترامب لا يكترث إلا بأن يتوج جهده باستضافة لقاء قمة ثلاثى يجمعه مع فولوديمير زيلينسكى وفلاديمير بوتين، وأن يتم توجيه الشكر له على الجهد الكبير والدءوب فى وقف حرب لا دور له فى اندلاعها، وكما يكرر أنها «حرب جو بايدن، وأنه لم تكن الحرب لتقع لو كان هو الرئيس آنذاك».
• • •
من المفارقات أن ما يقوم به ترامب من محاولات لوقف الصراعات حول العالم، والتى تتم فى هدوء، نتج عنها نتائج جيدة مقارنة بجهوده الصاخبة والعلنية فى صراعات أخرى.
اتبع ترامب طريقة هادئة تجاه التوتر الهندى الباكستانى، والذى وصل لحد شن هجمات جوية ومدفعية متبادلة. تدخلت واشنطن بطريقة احترافية وبهدوء ودبلوماسية، ومهدت الطريق لإيجاد أرضية مشتركة بين الطرفين، وهو ما كان.
يرى ترامب فى استضافته مراسم إعلان سلام مشترك وقعته أرمينيا وأذربيجان بشأن صراعهما الطويل الأمد فى البيت الأبيض إنجازا كبيرا؛ إلا أن الاتفاق، الذى تم توقيعه فى احتفال فخم فى البيت الأبيض، يتطلب الاعتراف بحدود بعضهما البعض ونبذ العنف ضد الأخرى، إلا أن الاتفاق أجّل تناول القضايا المعقدة دستوريا وإقليميا، والتى قد تعرقل التوصل إلى اتفاق سلام كامل.
لم يغب عن هذه المراسم تملق حكام العالم الثالث لترامب، إذ يدركون عشقه للتملق من الآخرين. وعلى سبيل المثال أعلن الرئيس الأذربيجانى إلهام علييف أن «الرئيس ترامب استطاع، فى ستة أشهر فقط، صنع معجزة».
وفى جنوب شرق آسيا هدد ترامب بتعليق الصفقات التجارية مع كل من تايلاند وكمبوديا إذا لم يجنحا لوقف حرب حدودية اندلعت بينهما، الشهر الماضى، أسفرت عن مقتل 38 شخصا على الأقل. وكانت طريقة ترامب فى الضغط على قادة الدولتين فعالة، وفهم رئيس الوزراء الكمبودى هون مانيه سيكولوجية ترامب، وبادر بترشيحه لجائزة نوبل للسلام بسبب «حنكته السياسية غير العادية».
اتخذت باكستان خطوة مماثلة بترشيح ترامب لنيل جائزة نوبل للسلام فى إطار هجوم دبلوماسى ناجح لكسب ود الرئيس ترامب وإلحاق الضرر بمنافستها الهند بعد اندلاع اشتباكات حدودية بين القوتين النوويتين فى مايو الماضى، وتدخل ترامب لوقف إطلاق النار بين الدولتين. إلا أن حكومة رئيس الوزراء الهندى ناريندرا مودى، وهو صديق سابق لترامب، رفضت مزاعم واشنطن بلعب الدور المحورى فى وقف القتال، وقالت إن دولا أخرى، بما فى ذلك المملكة العربية السعودية وتركيا وبريطانيا، لعبت دورا كبيرا فى التوصل لوقف إطلاق النار، وليس الولايات المتحدة فقط. ولم يتطرق ترامب لاتفاق شامل بين الهند وباكستان ينهى حالة العداء المستمرة بينهما وسط مشكلات وأزمات متكررة تشعل القتال بينهما كل عدة سنوات على مدار العقود الماضية.
كما أعلن ترامب «انتصارا مجيدا للسلام» فى اتفاق تم التوصل إليه بين رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية. ويتضمن ذلك خطوات أولى مهمة بشأن الاعتراف بالحدود ونبذ الحرب ونزع سلاح الميليشيات. مع ذلك، لا يتوقع أحد أن ينتهى الصراع قريبا، لأن أحد الحركات المتمردة الرئيسية المدعومة من رواندا رفضت الاتفاق. ويرى بعض المحللين أن المبادرة، التى توسطت فيها قطر أيضا، وأن الدور الأمريكى ما هو إلا محاولة لتأمين حقوق فى مجال المعادن كجزء من تنافس الدول الكبرى على خيرات إفريقيا.
ويدعى ترامب أنه أوقف القتال بين إسرائيل وإيران، ولم يتطرق إلى أن بلاده هاجمت بنفسها منشآت إيران النووية، ودعمت عسكريا واستخباراتيا الهجمات الإسرائيلية على إيران.
أما ادعاء ترامب بأنه توسط فى السلام بين مصر وإثيوبيا هو محض خيال، إذ لم يتعد دور ترامب المطالبة بحل عاجل بين الطرفين على حصص مياه نهر النيل. ودعا ترامب إلى التوصل إلى اتفاق بشأن سد النهضة، لكن لم يتم التوصل إلى اتفاق ملزم بين القاهرة وأديس أبابا حتى الآن.
ويرجع ترامب الفضل لنفسه فى دفع صربيا وكوسوفو فى فترة حكمه الأولى إلى بدء خطوات تطبيع اقتصادى بينهما. لكنهما ما زالا لا تربطهما علاقات دبلوماسية حتى اليوم بعد 17 عاما من إعلان كوسوفو استقلالها عن صربيا.
• • •
فى النهاية لا يخفى ترامب رغبته وإلحاحه للحصول على جائزة نوبل للسلام. ولا أدرى كيف له أن يتصور ذلك فى وقت يشجع فيه على الاستمرار فى القتال حتى يتم القضاء على حركة حماس، حتى لو كان ذلك على حساب مقتل عشرات الآلاف من نساء وأطفال قطاع غزة.
لا أدرى كيف لترامب أن يحلم بجائزة نوبل وهو يقف صامتا أمام عمليات الإبادة الجماعية التى يقوم بها الجيش الإسرائيلى الحليف لواشنطن، والمسلح أمريكيا فى قطاع غزة. كيف ينسى ترامب أنه، جزئيا، مسئول عن حدوث مجاعة على نطاق واسع فى قطاع غزة، مع استمرار دعمه بكل الصور لرئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو المطلوب جنائيا أمام محكمة العدل الدولية.
ألا يدرك ترامب أن مآسى غزة ستحبط آماله فى الحصول على جائزة نوبل بغض النظر عما يحدث مع أوكرانيا؟