وصف الشعراء والكتّاب أجمل الوجوه، وأجمل المدن، وأجمل الأصدقاء، وأجمل علاقات الحب، وأجمل كل شىء بعبارات وألفاظ تختصر الكلام الكثير، وتذهب إلى حقيقة المعنى، أما معظمنا ففى بحث لا يتوقف عن هذا الأجمل، سواء كنا نعرفه أو نتخيله، أو كنا لا نعرفه، ونتمنى أن نلتقيه أو نعثر عليه.
الجمال يشبه الحلم أو الفكرة البعيدة التى ليست كبقية الأفكار الملقاة على الطرقات، على حد تعبير الجاحظ؛ لذلك فإن معظم أحكامنا وتصوراتنا عنه غالبًا ما نكوّنها من الأفلام والأغنيات والكتب. أليست أجمل الفتيات فى خيال المراهقين هن نجمات السينما؟ وأجمل الشباب هم فتيان السينما الأوائل؟ وأجمل المدن ما وصفه الرحّالة فى كتبهم؟ وأجمل قصص الحب ما سطرته أقلام الكتّاب؟
أما لماذا هذا السعى لقولبة الجمال أو السعى للعثور عليه؟ فلأننا حين نصف أجمل ما فى الأشياء، فإننا فى الحقيقة نصف حنيننا، واحتياجنا، ونظرتنا إلى الحياة، نحن نبحث عن الجمال، لأن الجمال ليس ترفًا، بل غريزة دفاعية ضد قبح العالم وثقل الوجود. إننا لا نصف جوهر المدينة وحقيقتها، لأننا لم نرها كلها فى ثلاثة أيام، ولم نسبر عمق وغور قصص الحب الأجمل، كما أننا لم نحترق بذلك الحب الأجمل ربما، أو لم نعشه بالطريقة الأجمل التى نبحث عنها.
أتذكر أننى فى اليوم الأول لوجودى فى مدينة أغادير الرائقة جدًا، فتحت باب الشرفة، كانت الساعة السابعة والنصف، لم يزل الضوء فى رحلته البطيئة لم يكنس آخر بقايا الظلمة بعد، سمعت صوت دحرجة الموج على الشاطئ، صافحت عيناى مياه المحيط الأطلسى، حلّق نورس وحط على الجدار العازل بينى وبين الغرفة المجاورة، شكرت أغادير أنها أيقظتنى فى هذا التوقيت، وشكرت المحيط والنوارس.
قلت: هذا أجمل صباح، وهذه أجمل مدينة صحوت فيها، لكننى تذكرت أننى أقمت فى مدينة أطلت على المحيط ذات زمن، وحلّقت حولى نوارس، وتدحرج موج كثير ما زالت رائحته فى أنفى. لا ننفك طالما نحن نتنفس هواء هذه الأرض، نسعى خلف الأجمل والأكثر سلامًا وإنسانية. والأجمل من وجهة نظرى هو ما يشبه إنسانيتنا!
عائشة سلطان
جريدة البيان الإماراتية