أوهام قرض الصندوق - عمرو عادلى - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 6:05 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أوهام قرض الصندوق

نشر فى : الخميس 11 أبريل 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الخميس 11 أبريل 2013 - 8:00 ص

صرح رئيس الوزراء قبل أيام بأن الاتفاق مع صندوق النقد الدولى ليس مرهونا بالانتخابات البرلمانية، وقال إن البلاد بحاجة للاقتراض الخارجى لدعم الاحتياطيات الأجنبية المتآكلة ولسد عجز الموازنة كما أنها بحاجة للقرض كشهادة من الصندوق بصحة الاقتصاد المصرى على نحو يمكن الحكومة من التوسع فى الاقتراض الخارجى من ناحية، وجذب استثمارات أجنبية من ناحية أخرى، وكلاهما ضرورى لتدارك العجز فى ميزان المدفوعات. هذا مع اقتراب موعد زيارة بعثة الصندوق التى لا تكل ولا تمل من التفاوض على القرض مع الحكومات المصرية المتعاقبة منذ منتصف العام ٢٠١١ دون التوصل لاتفاق نهائى.

 

يدفع معارضو القرض بأنه يتضمن مشروطية غير معلنة مفادها تطبيق برنامج تقشفى قاس يؤدى لتخفيض الإنفاق العام، ورفع الأسعار كنتيجة نهائية لخفض الدعم مع عدم توفر شبكة للضمان الاجتماعى، وفرض المزيد من الضرائب غير المباشرة على المستهلكين، وتخفيض الجنيه فى مواجهة الدولار فى بلد يعتمد على استيراد ما يقرب من نص حاجاته الغذائية من الخارج. ويقول هؤلاء إن قرض الصندوق هو إعادة إنتاج لذات الانحيازات الاقتصادية والاجتماعية الغالبة فى عصر مبارك، وأنه سيجعل من عامة فقراء المصريين يدفعون ثمن إعادة الهيكلة المالية فى تجلٍ فج لغياب العدالة الاجتماعية. ولكن عادة ما يتهم هؤلاء بأن انتقادهم للقرض لا يحمل معه أية مقترحات جدية يمكن الأخذ بها لعلاج مشكلات البلاد الملحة من نقص شديد فى الاحتياطيات الأجنبية اللازمة لتأمين الواردات الشهرية بما فيها الغذاء والوقود، ومن عجز متزايد فى الموازنة سيتجاوز فى الأغلب مائتى مليار جنيه أى ما يقارب ١٣٪ من الناتج المحلى الإجمالى، وذلك فى ضوء عدم إمكانية الاستمرار فى الاعتماد على الجهاز المصرفى المحلى مع ما يواجهه من مشكلات سيولة من ناحية، ولأن هذا يأتى على حساب فرص القطاع الخاص فى الاستثمار لإخراج الاقتصاد المصرى من حالة الركود التى تنتابه.

 

يسعى هذا المقال لتجاوز هذا الجدل المستمر منذ سنتين تقريبا بين مؤيدى القرض ومعارضيه بطرح سؤال مغاير وهو هل قرض الصندوق البالغ ٤.٨ مليار دولار وما يتبعه من تمويل خارجى فى صورة قروض من مؤسسات مالية عالمية أخرى تقدرها وزارة التعاون الدولى بـ١٤ مليار دولار فى ١٨ شهرا هل هذا كفيل بإخراج الاقتصاد المصرى من أزمته ووضعه على طريق التعافى؟ الإجابة هى لا بشكل قطعى ولهذه الأسباب.

 

أولا: إجمالى حجم القرض المنتظر من الصندوق هو ٤.٨ مليار دولار، وهو مبلغ شديد الضآلة سواء مقارنة بالعجز الكلى فى الموازنة العامة، والذى سيبلغ تقريبا ٣٠ مليار دولار فى نهاية يونيو القادم، كما أنه مبلغ صغير بالنسبة لمعدلات استهلاك الاحتياطى الأجنبى إذ بالكاد يغطى شهرين من الواردات دون الأخذ فى الاعتبار السحب من الاحتياطى للدفاع عن قيمة الجنيه فى مواجهة المضاربة على الدولار، ودون الأخذ فى الاعتبار المبالغ الإضافية المخصصة لخدمة الدين الخارجى، والتى تقدر بنحو ثلاثة مليارات سنويا تدفع فى الأغلب فى يناير وفى يوليو من كل عام. وإذا ما دفعت الحكومة بأن قرض الصندوق هو مفتاح لمزيد من الاقتراض بمبلغ مستهدف هو ١٤ مليار دولار فإن التحفظ هنا يكون على خطط الحكومة وراء كل هذا الاقتراض الخارجى، والذى فى حال ما بلغ ١٤ مليارا فى ١٨ شهرا كما صرح بذلك وزير التعاون الدولى تكون مصر قد اقترضت فى سنة ونصف أربعة عشر ضعف معدل الاقتراض السنوى فى عهد مبارك، وتكون قد زودت رصيد الدين الأجنبى بمقدار ٤٠٪ تقريبا فى فترة قصيرة للغاية علما بأن الدين العام بشقيه المحلى والأجنبى معا يقترب أصلا من ١٠٠٪ من الناتج المحلى الإجمالى، ويضع مصر ضمن الدول الأشد استدانة عالميا بالفعل بما لا يسمح حقا بأن يكون التوسع فى الاقتراض عامة، والخارجى خاصة، مخرجا للأزمة الاقتصادية بل قد يضع البلاد فى منحدر نحو المزيد من الاقتراض دون القدرة على السداد ومن ثم الإفلاس.

 

ثانيا: اتصالا بالنقطة السابقة فإن مخطط حكومة الدكتور هشام قنديل يدور حول المزيد من الاقتراض الخارجى لتمويل العجز المتزايد فى الموازنة العامة للدولة ودعم الاحتياطيات، أى الاقتراض من الخارج لتمويل النفقات الخارجية، وهذا هو أسوأ أنواع الاقتراض لأنه يستخدم لتمويل الاستهلاك لا الاستثمار، ومن ثم لا يضمن توفير موارد مستقبلية تفى بالسداد فى المدى المتوسط والبعيد. ويعى صندوق النقد هذا الأمر جيدا فيضغط على الحكومة ضغطا شديدا للالتزام ببرنامج مالى مفصل يضمن تخفيض العجز من خلال خفض الدعم وزيادة الضرائب وتخفيض سعر الصرف للجنيه، وهى إجراءات تضمن للصندوق ألا يمول عجزا لا ينتهى، وأن تستخدم أمواله وأموال المؤسسات المالية الأخرى فى تمويل إعادة الهيكلة. ولكن السؤال الجوهرى هو هل تقدر الحكومة الحالية بل والنظام السياسى بقيادة الإخوان على تطبيق أية إجراءات تقشفية تؤدى لرفع أسعار المحروقات والسلع الأساسية دون أن يخشى حقا اندلاع أعمال احتجاج تقضى على فرص الاستقرار السياسى الهشة أصلا، وربما تقضى على النظام السياسى ذاته فى ظل الانقسام السياسى الشديد من ناحية، والفراغ الأمنى من ناحية أخرى، وحياد المؤسسة العسكرية من ناحية ثالثة.

 

ثالثا: إن قرض صندوق النقد وما يؤمل أن يأتى معه من قروض ومنح ومعونات لا يمكن بأى حال من الأحوال أن تضمن تعافيا اقتصاديا يعيد للاقتصاد قدرته على توليد نمو، ويعيد له قدرته على مراكمة احتياطيات دولارية فى المستقبل، وذلك لأن مربط الفرس يقع خارج نطاق الاقتصاد وفنيات السياسات المالية والنقدية، بل يتمثل فى استقرار الوضع السياسى، واستيعاب قوى الاحتجاج الاجتماعى والسياسى بدلا من الرهانات الخائبة على استمالة أجهزة القمع لفرض النظام السياسى الجديد. وهذا هو أمر يبدو أكبر من إدراك أو من قدرة النظام الحالى.

 

 

 

مدير وحدة العدالة الاجتماعية والاقتصادية بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية

التعليقات