رئيس الجمهورية فى أعياد أكتوبر - أحمد يوسف أحمد - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 7:52 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

رئيس الجمهورية فى أعياد أكتوبر

نشر فى : الخميس 11 أكتوبر 2012 - 8:15 ص | آخر تحديث : الخميس 11 أكتوبر 2012 - 8:15 ص

ألقى رئيس الجمهورية فى جمع حاشد باستاد القاهرة خطابا بمناسبة العيد التاسع والثلاثين لحرب أكتوبر. اختلفت القوى السياسية ــ كما تختلف فى كل شىء الآن ــ فى تقييمها للخطاب، وحدث ما يشبه الاستقطاب الكامل كالعادة بين القوى الدينية والقوى المدنية. أثنى الإسلاميون على الخطاب ثناء عطرا، وقال بعضهم إن رئيس الجمهورية أصبح زعيما كعبدالناصر فيما رأى ممثلو القوى المدنية أن الخطاب ليس سوى كلامٍ مرسل، ومجموعة من العبارات الإنشائية والأرقام العشوائية. فهل من وسيلة لمحاولة تقييم يتجاوز هذا الاستقطاب؟ تبدو المسألة صعبة للغاية ولكن لنحاول عسى ألا نفشل أو نغرق فى بحر الاستقطاب.

 

أعاد الخطاب لنا دون شك تقليد إلقاء الخطب من المسئول الأول فى حشد من الجماهير الشعبية. كانت لعبدالناصر قدرته الطاغية وتقاليده الراسخة فى هذا الصدد، غير أن خليفته انور السادات وحسنى مبارك تخليا عن هذا التقليد تماما وأصبحت خطبهما السياسية «معلبة» اذا جاز التعبير لا تحضر القاءها سوى مجموعات من الموالين تختارها نخبة الحكم بالمعنى الضيق. كسر رئيس الجمهورية هذه الممارسات وأعادنا الى فكرة التواصل الجماهيرى. غير أن هذه الخطوة الى الأمام نال من صدقيتها أن الجماهير لم تكن سوى جماهير «الإخوان المسلمين» بصفة عامة كما بدا من وجوههم، ومن هتافاتهم شديدة التنسيق : «حرية وعدالة مرسى وراه رجاله»، وكما تأكد كذلك من الحافلات التى أقلتهم الى موقع الاحتفال ثم اعادتهم من حيث أتوا. فأعدادها هائلة وكلها حافلات خاصة أتت من شتى اقاليم مصر على نحو يذكرنا ببعض حالات الحشد الإسلامى ومحاولات استعراض القوة فى ميدان التحرير.

 

وقد قدر أحد المصادر عدد الحاضرين بمائة الف، وهو ما ينطوى على نوع من المبالغة الشديدة، ولوكان الأمر كذلك لتعرض استاد القاهرة لخطر الانهيار، والأدق فى تقديرى أن يكون العدد قد تراوح بين اربعين وخمسين الفا آخذين فى الاعتبار أن عددا من المدرجات كان خاليا وأن جنود القوات المسلحة والشرطة قد شغلوا بعضاَ آخر منها. لكن المشكلة ليست فى العدد، إذ أن أربعين أو خمسين الفا ما زالت تبدو حشدا جماهيريا ضخما، وإنما المشكلة فى أن مناسبة وطنية رفيعة كالاحتفال بالعيد السنوى لحرب اكتوبر تتحول إلى مناسبة حزبية بالاساس، ولم يكن مناسبا فى تقديرى أن يغيب عن الاحتفال مثلا شخص كالمشير طنطاوى فيما يحضر ممثلون عن جماعة دينية قتل نفر من التابعين لها أنور السادات صاحب الفضل المباشر فى حرب اكتوبر. ومن المسلى أن تقول شخصية قيادية فى حزب «الحرية والعدالة» أن هذه القيادات التى حضرت قد حوكمت وأدينت وقضت فترة عقوبتها، بمعنى ألا ضير فى حضورها، لكن المسألة جوهرها الرمز وليس الوضع القانونى لهؤلاء .

 

●●●

 

فإذا انتقلنا إلى مضمون الخطاب نبدأ بالقضية الأولى وهى «برنامج المائة يوم» الذى تعهد به رئيس الجمهورية إبان حملته الانتخابية فيما يرى البعض أن شيئا جوهريا لم يتحقق فيه على الرغم من أن المائة يوم كادت تكتمل فى يوم القاء رئيس الجمهورية لخطابه. ولا شك انه من الإيجابى أن يتصدى رئيس الجمهورية علنا للانتقادات الموجهة الى أدائه، بل ويقر بمسئوليته عما نفذ وعما لم ينفذ، لكن النهج الذى اتبعه فى هذا الصدد لم يكن سليما أو ملائما، إذ اعتمد على مجموعة من النسب المربكة فأزمة الخبز حلت بنسبة 80% والوقود بنسبة 75% والأمن بنسبة 70% والمرور بنسبة 60% والنظافة بنسبة 40%. إذ ماذا تعنى هذه النسب؟ هل تعنى مثلا فى الخبز أن المواطنين لم يكونوا قادرين على الحصول على الخبز فأصبح 80% منهم قادرين الآن؟ وينطبق الأمر نفسه على أزمة الوقود وهل يعنى القول بأن مشكلة المرور حلت بنسبة 60% أن السيولة قد زادت بنسبة 60%؟ وما هى طريقة حساب هذه النسب كلها؟ كذلك يمكن من ناحية أخرى وصف الحديث فى هذا الصدد بأنه عام، فكنا مثلا نحب أن نسمع فى مجال النظافة أن ثمة جهودا حثيثة باتجاه إنشاء مصانع لتدوير القمامة، وهو ما أشار إليه الرئيس عرضا دون تفصيل أو التزامات محددة، أو أن هناك فيما يتعلق بأزمة المرور تفكيرا فى مزيد من مشروعات إنشاء طرق جديدة وأماكن لانتظار السيارات، ودوريات راكبة تراقب مدى الالتزام بالقواعد أثناء سير المركبات المختلفة، وهكذا. كذلك غاب البعد المقارن عن هذه النسب، فعندما يقول رئيس الجمهورية مثلا أن ستمائة الف طن من القمامة قد تم رفعها نريد أن نعرف كم طنا بقى؟ وما هى نسبة إلقاء قمامة جديدة؟ وهكذا. وكان النهج الأوفق فى تقديرى أن ينحى رئيس الجمهورية كل هذه النسب جانبا ويعتمد على قياس نسبة الرضا الشعبى عما فعله فى هذا الصدد، وأنا واثق أن هذا النهج يفيد رئيس الجمهورية أكثر إن كان يريد الاسترشاد بالرأى العام فى سياساته وقراراته، وقد كان من الطريف صباح يوم كتابة هذا المقال أن أفاجأ بجارى فى السيارة الملاصقة ونحن جميعا مختنقون بازدحام لا مثيل له فى شارع الهرم يوجه كلامه بحدة واضحة لى ويقول : «آل حلوا مشكلة المرور آل. ده شغل كشافة ومستوصفات». أما النهج الأمثل فكان فى تقديرى أن يعترف رئيس الجمهورية فى شجاعة بأن من وضعوا تفاصيل «برنامج المائة يوم» لم يعتمدوا على دراسات معمقة فى الموضوع.

 

●●●

 

نأتى إلى قضية أخرى تستحق تعليقا وهى دفاع رئيس الجمهورية عن قرض البنك الدولى، والمؤسف أن الدفاع قد استند إلى هذه البدعة الجديدة وهى «رسوم خدمة القرض»، وهى تذكرنى بفكرة «حبل لزوم الخروف» فى واحدة من روائع الفنان نجيب الريحانى السينمائية، ويعلم رئيس الجمهورية أن بعضا من شركائه فى التيار الإسلامى ــ لا أعرف نسبته ــ يختلف معه فى هذه المسألة تحديدا، ولا أريد أن أكرر كلاما معادا فى هذا الصدد عن غياب فكرة    «الرسوم الإدارية» أثناء مناقشة ممثلى التيار الإسلامى فى مجلس الشعب المنحل للقرض قبل الاتفاق عليه إبان حكومة الجنزورى، وكيف اعتبر آنذاك ربا لا شك فيه، لكن المهم أننا لم نكن ننتظر من رئيس الجمهورية فتوى بأن القرض حلال وإنما شرحا لشروطه ومجالات استخدامه. والأهم من ذلك كله هو أن رئيس الجمهورية وغيره من نخبة الحكم لا يبدو أنهم يتصورون حلا لمشكلة مصر الاقتصادية سوى الغرق فى سلسلة من الديون الجديدة بسبب هذه المليارات العديدة التى يتحدثون عنها ما بين قروض وودائع، فالواقع أن الاعتماد على هذا الحل وحده أو حتى بصفة أساسية يعنى بما لا يقبل الشك أننا ما زلنا نعمل فى إطار مبارك وسياساته.

 

●●●

 

يبقى دفاع الرئيس عن سياساته الخارجية وزياراته المتلاحقة، وقد اعتمد فى هذا الصدد على أن هذه الزيارات لا تكلف الدولة شيئا، وهو دفاع يمكن أن يكون صحيحا بصفة عامة، لكن المعروف بطبيعة الحال كم تبلغ نفقات طيران طائرة الرئاسة فى الرحلة الواحدة، وتكلفة الطائرات الحربية المرافقة لها للحراسة حتى تغادر الحدود الدولية والمياه الإقليمية، لكن هذا أيضا ليس مهما لأن الدفاع كان مضمونه أن هذه الزيارات عادت على مصر بمزيد من الأموال، وهو ما يرتبط بالانتقاد السابق وهو أن جلب المزيد من القروض والمساعدات المشروطة ــ مهما كانت شروطها هينة ــ هو بعينه استمرار لسياسة مبارك. كذلك فإن الزيارات الخارجية لا تقاس جدواها بما جلبته من أموال فحسب وإنما بما أضافته إلى مكانة مصر ودورها، ولا شك أن بعض زيارات الرئيس كان ضروريا فى هذا الصدد كحضور القمة الإفريقية والقمة الإسلامية وقمة عدم الانحياز والجمعية العامة للأمم المتحدة، لكن المهم هو ما بعد الحضور الرمزى والخطاب السياسى، وهل أدى هذا إلى مزيد من تفعيل دور مصر الخارجى؟ وهو ما أتمناه لكننى متشائم بشأنه لأن دولة مثقلة بهذا الكم الهائل من الديون فى كل اتجاه ليس بمقدورها أن تلعب دورا خارجيا فاعلا ناهيك عن أن يكون قياديا.

 

●●●

 

أُعجب البعض إذن بخطاب رئيس الجمهورية فى أعياد أكتوبر إلى حد الوله فى بعض الأحيان فيما رآه البعض باعثا على الإحباط، وكم يتمنى المرء للسياسة المصرية أن تتخلص من هذا الاستقطاب فى كل شىء، وأن تسعى بجدية إلى «كلمة سواء» لكن الظروف لا تبدو مواتية حتى الآن، فدعونا نأمل فى استمرار حرية التعبير ونتمسك بها وندافع عنها، فهى وسيلتنا الأولى للعبور إلى بر الأمان إن كانوا يفقهون.

أحمد يوسف أحمد أستاذ العلوم السياسية بكلية الإقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وعميد معهد الدراسات العربية