المرشح الثالث - أحمد يوسف أحمد - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 6:31 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

المرشح الثالث

نشر فى : الخميس 1 مايو 2014 - 6:55 ص | آخر تحديث : الخميس 1 مايو 2014 - 6:55 ص

تجرى انتخابات الرئاسة فى مصر فى هذا الشهر بين مرشحين اثنين لا ثالث لهما لكن ثمة مرشحا ثالثا يبدو حاضرا بقوة فى المشهد السياسى، ويحاول أنصار كل من المرشحين أن يروج لفكرة أنه الأقرب إلى المرشح الثالث الذى يحظى بأغلبية لافتة حتى يحصل على أصوات أنصاره أو معظمها على الأقل. يستند هذا المرشح الثالث إلى تجربة تاريخية عظيمة لا يكاد يضاهيها سوى تجربة محمد على فى بناء الدولة المصرية الحديثة وكذلك إلى شعبية ظاهرة. بدأت هذه الشعبية تظهر على استحياء أيام يناير العظيمة لمشاركة الناصريين فى الثورة ثم أخذت فى التصاعد بعد انفراد الإخوان بالحكم وممارساتهم المرفوضة شعبيا حيث بدأ هتاف «عبدالناصر قالها زمان.. الإخوان ملهمش أمان» يأخذ طريقه إلى حناجر الجماهير، ثم أصبحت صوره مرتبطة بصور السيسى فى كثير من الأحيان مع الدور الرئيسى له فى وضع نهاية لحكم الإخوان فى 3 يوليو الماضى ومع زيارته موسكو فى أعقاب توقف الإدارة الأمريكية عن تسليم مصر عددا من المروحيات العسكرية ونجاحه فى الاتفاق على صفقة أسلحة متقدمة من حيث المبدأ، وبدأت الجماهير تربط بينه وبين عبدالناصر على نحو متزايد وذلك فضلا عن أن المرشح الثانى ناصرى بحكم الانتماء أصلا.

•••

هكذا فإن المرشح الثالث فائز فى انتخابات الرئاسة القادمة لا محالة. وهو أمر قد أزعج لا ريب خصومه التاريخيين وكذلك خصومه من الجيل أو الجيلين الأحدث الذين لم يعيشوا التجربة، ويبدو أن أفكارهم عن تجربة عبدالناصر مشوشة أو أن لديهم كراهية غير مبررة للتجربة نتيجة عمليات التشويه التى تعرضت لها عقودا أو لأسباب سياسية أو اجتماعية، وهكذا انبرى هؤلاء فى هجوم ضار على عبدالناصر بادئين بسجله «المروع» فى مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان، ثم على الطبيعة العسكرية لنظامه واعتماده على أهل الثقة دون الخبرة ومن ثم إضعاف الجهاز الإدارى للدولة وشيوع البيروقراطية والفساد والمحسوبية. الأعجب من هذا اتهامه بالفشل فى إنجاز تنمية أساسها تعليم متقدم وبحث علمى والعجز عن حماية الاستقلال الوطنى، لكن المرء يطيش صوابه عندما يقرأ لأكثر من كاتب أن آثام سبعينيات القرن الماضى حتى يناير 2012 تعود إلى أن حكمى السادات ومبارك كانا امتدادا لحكم عبدالناصر، ومن الواضح أن المشاركين فى هذا الهجوم الضارى لديهم كوابيس مزعجة نابعة من الاحتمال المرجح بفوز السيسى وتكراره على الأقل بعض عناصر تجربة عبدالناصر، ولا شك أن صباحى حال فوزه سيكون بدوره سببا فى كوابيس لا تقل إزعاجا وإن كان مدنيا.

•••

كان سجل نظام حكم جمال عبدالناصر فى مجال الحريات السياسية غير ناصع بالتأكيد، لكن هناك فيما اعتقد ما يسمى بالحريات الاقتصادية والاجتماعية وهى حريات مرتبطة دون شك بالحريات السياسية أو لنقل إنها متطلب ضرورى للحريات السياسية وقد كان سجل عبدالناصر فى تلك الحريات مشرفا وأعتقد أن ما اتخذه من خطوات لتقوية الفلاحين والعمال والطبقة المتوسطة كانت هى الأساس الضرورى لبناء ديمقراطية مجتمعية وليس ديمقراطية «أصحاب المصالح الحقيقيين». صحيح أن هذه الديمقراطية المجتمعية لم تتحقق فى عهده ولكنها كانت لتكتمل يوما، ومن يتابع الطريقة التى اكتملت بها الديمقراطية البريطانية مثلا سوف يجد أن ذلك لم يحدث إلا فى الربع الأول من القرن العشرين حين قويت الطبقة العاملة وأصبح هناك توازن اجتماعى يمكن من ديمقراطية حقيقية.

تبدو مقولة إن الجهاز الإدارى للدولة قد ضعف فى عهد عبدالناصر وإن الفساد والمحسوبية انتشرا مثيرة للتأمل نوعا ما. لا أدعى أن الجهاز الإدارى فى تجربة عبدالناصر لم يعان من عيوب بعضها خطير لكنه فى ملحمة بناء السد العالى وإدارة مرفق قناة السويس وغيرهما من المواقع الإدارية كان أكثر من رائع، وأنصح الملتاعين من الحضور القوى لعبدالناصر فى ساحة الانتخابات السياسية بقراءة حواره مع قيادات القطاع العام، وهو منشور فى جميع طبعات خطب جمال عبدالناصر وأحاديثه كى يتبينوا بأنفسهم كم كان الرجل واعيا بمشكلات الجهاز الإدارى للدولة وكيف كانت رؤيته لحل هذه المشكلات وكيف كان مستوى القيادات التى حاورها وكيف كان عديد منها واعيا بهذه المشكلات وصاحب رؤية ثاقبة فى حلها. إن هذا الحوار وحده شهادة حق لعبدالناصر وجهازه الإدارى مع الاعتراف بأوجه القصور الفادحة فى بعض الأحيان، لكنهم على الأقل كانوا يحاولون من أجل مستقبل الوطن. أما حكاية أهل الثقة وأهل الخبرة فلا أدرى من أين جاء رجال مثل محمود فوزى وعزيز صدقى ومصطفى خليل وعبدالمنعم القيسونى وسيد مرعى ولبيب شقير وسفراء مصر العظام الذين بدأوا مهنتهم الدبلوماسية فى عهد عبدالناصر إن لم يكونوا من أهل الخبرة.

•••

يبدو العجز عن إحداث تنمية اقتصادية حقيقية مقولة تحتاج بإلحاح إلى حمرة الخجل، ولا يملك المرء إزاء المساحة المتواضعة المسموح بها لهذا المقال إلا أن يحيل أصحاب هذه المقولة إلى تقارير الأمم المتحدة عن سنوات عبدالناصر وأن يذكرهم بأن الصناعة المصرية قد حققت فى تلك السنوات طفرة تركت لمصر شبكة من المصانع أعيت المنقلبين على حكم عبدالناصر فلم يتمكنوا من تصفيتها طيلة ما يزيد على أربعين عاما، وأن يحدثهم عن الآثار العظيمة للسد العالى على الزراعة والصناعة فى مصر رغم أنه للأسف قد حرمنا من «السردين». وأخيرا فإن العجز عن حماية الاستقلال الوطنى فكاهة لا تليق. حرر عبدالناصر مصر والوطن العربى من الاحتلال والاستعمار ثم هُزم هزيمة فادحة فى 1967 لكنه لم يفقد ــ وكذلك مصر ــ استقلاله، وعكف السنوات الثلاث الأخيرة من عمره على إعادة بناء القوات المسلحة المصرية كأفضل ما يكون، وخاض بها واحدة من أروع الحروب المصرية وهى حرب الاستنزاف، وتلك القوات نفسها هى التى خاضت حرب أكتوبر 1973. أما الحديث المضحك عن أن السادات ومبارك كانا امتدادا لعبدالناصر فكل ما فى الأمر أن الحريات السياسية لم تتقدم إبان حكميهما ولا البنية المؤسسية اللازمة لديمقراطية حقيقية علما بأن عبدالناصر لم يدع يوما بخلافهما أنه كان حاكما ديمقراطيا ليبراليا، وكل ما فى الأمر أنهما لم يتمكنا من تحطيم المكاسب التى حققها للطبقات الفقيرة والمتوسطة مثل مجانية التعليم وتخفيض إيجارات المساكن.

قد ينسحب المرشح الثالث من الانتخابات فى اللحظة الأخيرة بعد أن يتأكد من أن حضوره القوى فى ساحتها قد أتى بثمرته، لكن حضوره باق ولو كره الكارهون.

أحمد يوسف أحمد أستاذ العلوم السياسية بكلية الإقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وعميد معهد الدراسات العربية