وماذا عن ثقافة الربيع العربى؟ - علي محمد فخرو - بوابة الشروق
الجمعة 13 ديسمبر 2024 2:04 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

وماذا عن ثقافة الربيع العربى؟

نشر فى : الخميس 13 مارس 2014 - 5:45 ص | آخر تحديث : الخميس 20 مارس 2014 - 9:25 ص

إذا كانت القضايا الاجتماعية تقبع فى قلب السياسة، تتأثّر بها وتؤّثر فيها، فإن الثقافة تحكم السّاحتين السياسية والاجتماعية، وإلى حدّ كبير ترسم مصيرهما. من هنا فإن مطالبة الكثيرين شباب ثورات وحراكات الربيع العربى بالاهتمام بالجوانب الاجتماعية، إضافة لاهتمامهم بالجوانب السياسية، تحتاج أن يضاف إليها مطلب ثقيل آخر، مطلب الاهتمام أيضا بالجوانب الثقافية.

بالتصدى لكل جوانب الضعف والتخلف فى مبادئ وقيم وممارسات الساحات الثلاث، السياسية والاجتماعية والثقافية، ستكونون قد أصبحتم بالفعل شباب تفجير ثورة العرب الكبرى التى رانت إليها الأجيال تلو الأجيال، عبر القرون تلو القرون. هذا عبء كبير هائل، ولكن هذا قدر من ينشدون التغييرات التاريخية الكبرى، كما بدا للعالم منذ ثلاث سنوات، عندما امتلأت الساحات بالملايين من أمة العرب. لنعد إلى الثقافة ولنحاول الحديث عن أى الجوانب وعن الكيف المطلوبين لإحداث التغيير الذى سيساند السياسة.

•••

دعنا نتذكر أولا بأن تعاريف الثقافة كثيرة وأن أنواعها ومكوناتها عديدة. ولذا فنحن لا نطالب شباب الثورات بالتعامل الإصلاحى والتغييرى الثورى مع مكون النتاج الإبداعى، من أدب وموسيقى وفنون تشكيلية وغيرها من الفنون التعبيرية كما لا نطالبهم بالتعامل مع النتاج الفكرى من فلسفة وعلوم مختلفة وفقه وغيره.

ما نطلبه هو إسهام ثورى تجديدى فى التعامل مع وفى ممارسة المكون الثقافى المتعلق بالقيم والأخلاق والعادات والسلوكيات والجوانب الرّمزية المجتمعية العربية، التى تكوّنت عبر القرون وآن أوان مراجعتها بروح نقدية ونبذ المتخلّف منها بروح تمرُّدية. وبالطبع فهذا موضوع كتاب أو مجلّدات ولكن يمكن الإشارة إلى عناوينه الكبرى المفصليُّة.

أولا: لقد جاء شباب الثورات والحراكات لينشروا ويمارسوا قيم التمرد فى الحياة السياسية، فماذا عن الحياة الإجتماعية؟ هناك الصراع مع قيم الطاعة والامتثال الأعمى لأشكال من السلطات، هناك قيم التلاؤم والقبول بالأمر الواقع الماسخين للشخصية والمدمّرين للاستقلالية الذاتية، هناك قيمة الصّبر المذل للكرامة الإنسانية، وهناك قيم الأمثال الشعبية كالقول بأن من صبر ظفر ومن لج كفر أو القول بأن العين لا تقاوم المخرز، وأخيرا هناك قيم عدم الانضباط والفهلوة والدوران حول لبّ المواضيع والتعالى على العمل اليدوى واحتقار قيمة الوقت. القائمة طويلة لقيم تمارس فى الحياة اليومية وتنتظر طليعة ثورية تقود التمرد عليها وعصيان منتجيها ورافعى ألوية تاريخيتها وتراثيتها، وبالتالى الادعاء بقدسيتها.

ثانيا: هناك قيم ثقافية أدى سوء فهمها إلى تشويه الحياة الاجتماعية. إن قيمة جليلة كالإحسان والتصدق يريد البعض لها أن تكون بديلا أو على حساب مبدأ العدالة الاجتماعية، كنظام لتوزيع عادل للثروات المادية والمعنوية وكالتزام قانونى من قبل الدولة تجاه الفقراء والمهمّشين.

الأمر نفسه ينطبق على موضوع توقير كبار القوم وإعلاء شأنهم، إذ يراد له أن يكون قيمة عمودية تلحُ على ممارسة الاحترام والتبجيل لمن لا يستحقها من كبار القوم، بينما يقلل من أهمية القيمة الثقافية الأفقية التى تشدّد على المساواة والندية والاحترام المتبادل بين البشر بغض النظر عن سنُّهم أو المراكز التى يحتلُّونها.

وإذن هناك حاجة للتصدّى لكل ما يؤدٍّى إلى الحط من الكرامة الإنسانية أو تهميشها، لا فى الحياة السياسية فقط، وإنما فى الحياة الاجتماعية أيضا وذلك من خلال ثقافة إنسانية تجديدية وغير تقليدية تراثية.

ثالثا: ستكون هناك حاجة للتعامل الصحيح مع ما يعرف بثنائية قلب وأطراف الثقافة. الحاجة الملحّة هى لتعريف حدود قلب الثقافة العربية الإسلامية المعاصرة التى يجب ألا يفرّط بها، سواء من قبل هجمة الثقافة العولمية الكاسحة، أو من قبل الثقافة التقليدية المليئة بالسلبيات. ذلك أن التفريط بقلب الثقافة العربية سيعنى التخلّى عن هوية الأمة وبالتالى عن وجودها الحضارى فى عالم الحضارات الإنسانية. أما أطراف الثقافة فقابلة للتغيير والتبديل والتفاعل مع ثقافات الغير.

ستحتاج ثورات الربيع العربى أن تحسم موضوع القلب والأطراف هذا لأنه سيكون الجواب على الخوف من الغزو الثقافى العولمى وعلى الخوف من تعديل الثقافة التراثية السلفيّة المليئة بالثغرات.

إذا كان المفكرون والمثقفون العرب يريدون الإسهام فى إنضاج ثورات وحراكات الربيع فليبادروا فى تنقيح الثقافة العربية ــ الإسلامية وتطويرها وجعلها أداة تغييرات كبرى، وهذا موضوع طويل ومعقّد.

أما شباب ثورات وحراكات الربيع العربى فإّنهم، كفاعلين ومناضلين وقدوة، سيحتاجون أن يمارسوا فى حياتهم اليومية، أمام جماهير أمّتهم، قيما ثقافية جديدة تتميّز بالإبداع والذاتية العربية والخروج من تحت عباءة كل ما هو سلبى متخلّف فى ثقافة أمتّهم التقليدية القديمة. هذا إن أريد للربيع العربى أن يتطور ليصبح ثورة عربية تاريخية كبرى.

علي محمد فخرو  شغل العديد من المناصب ومنها منصبي وزير الصحة بمملكة البحرين في الفترة من 1971 _ 1982، ووزير التربية والتعليم في الفترة من 1982 _ 1995. وأيضا سفير لمملكة البحرين في فرنسا، بلجيكا، اسبانيا، وسويسرا، ولدي اليونسكو. ورئيس جمعية الهلال الأحمر البحريني سابقا، وعضو سابق المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة العرب، وعضو سابق للمكتب التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات الوحدة العربية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات فلسطينية. وعضو مجلس إدارة جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبييشغل حاليا عضو اللجنة الاستشارية للشرق الأوسط بالبنك الدولي، وعضو في لجنة الخبراء لليونسكو حول التربية للجميع، عضو في مجلس أمناء الجامعة العربية المفتوحة، ورئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث.
التعليقات