مقاومة الإرهاب بالإرهاب - محمد محمود الإمام - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 11:55 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مقاومة الإرهاب بالإرهاب

نشر فى : الإثنين 13 أبريل 2015 - 9:05 ص | آخر تحديث : الإثنين 13 أبريل 2015 - 9:05 ص

سجلت سنة 1979 منعطفا رئيسيا فى تاريخ الوطن العربى. فقد شهدت قيام نظام دينى بناء على ثورة شيعية فى إيران بقيادة الملا الخومينى أنهت النظام الإمبراطورى الموالى لأمريكا وشكلت خطرا إقليميا أضاف إلى الكارثة التى أصابته فى 1948 بإنشاء دولة إسرائيل بتأييد من الغرب وبالأخص الولايات المتحدة لتترأس قائمة تحديات الأمن القومى العربى. وفى الوقت نفسه قام الاتحاد السوفيتى بالتدخل فى أفغانستان لمساندة نظام يسارى الأمر الذى أدى إلى تنامى الدعوة إلى الجهاد الإسلامى وشجعت باكستان ودول خليجية والسادات الراغبين فى مقاتلة القوى اليسارية حتى لا تمتد إلى أراضيها، ونشأت ظاهرة ما يعرف بعرب أفغانستان بتأييد أمريكى، وأسس أسامة بن لادن السعودى تنظيم القاعدة فى 1988. ثم استولت حركة طالبان ذات الطابع السنى الحنفى على الحكم فى منتصف التسعينيات واعترف بها عدد محدود من الدول، منها باكستان والسعودية والإمارات العربية المتحدة. وتحولت القاعدة إلى تنظيم إرهابى يسعى لنشر دعواه فى دول جنوب آسيا مهددا النفوذ الأمريكى الذى أعلن بوش فى الكونجرس فى 11/9/1991 عقب انهيار المعسكر الاشتراكى تزعم الولايات المتحدة نظاما عالميا جديدا. وكان قصف أربع طائرات برجى مركز التجارة الدولية بمنهاتن والبنتاجون بعد عشر سنين ــ أى فى 11/9/2001 ــ نقطة تحول فى ظاهرة الإرهاب وتواصلت حلقاتها والدعوة إلى مقاومتها حتى الآن.

ومع تزايد القوة الاقتصادية للصين بعد التغيرات التى أدخلتها على نظامها الاقتصادى ساد اليمين الأمريكى تخوف من بسط الولايات المتحدة نفوذها على جنوب آسيا، فى الوقت الذى أدى تراخى النظام المصرى بقيادة مبارك إلى انتقال زعامة الوطن العربى إلى العراق الذى استغل المقاومة الفلسطينية فى تعجيل التحرك نحو تنشيط بناء وحدة عربية تصدرت أولوياته، وتهديد النظم الإقليمية فى إيران وإسرائيل والسيطرة على نفط الخليج. فأيدت أمريكا عدم ممانعتها لغزوه الكويت فى أوائل 1990 لتتخذ منه ذريعة للتدخل العسكرى وحثت نظام مبارك على دفع الجامعة العربية إلى المشاركة فيه وتعزيز ارتباطه بها وحثته على إصلاح اقتصادى يقضى نهائيا على ما تبقى من الاشتراكية التى بدأت فى الستينيات. وتبع ذلك بلورة مشروع يقضى نهائيا على قيام وحدة عربية وتكتل إسلامى من خلال تفتيت الدول القائمة لتتحول إلى دويلات متناحرة يتزايد اعتمادها عليها من خلال روابط اقتصادية تنقذها من ركود تتراجع معه سطوة رأسماليتها الموحشة، وصياغة «توافق واشنطن» باعتباره أداة لتعزيز التبعية التى شكلت الاستعمار الجديد الذى حل محل الاستعمار المباشر عقب الحرب العالمية الثانية.

•••

فظهر إلى الوجود مصطلح الشرق الأوسط الجديد الذى ضم كلا من إسرائيل وإيران وتركيا إلى الوطن العربى ليتيح للصهيونية تحقيق مشروعها بالامتداد من الفرات إلى النيل. ثم تطور إلى الشرق الأوسط الكبير ليمتد شرقا حتى باكستان لإيقاف زحف النفوذ الصينى. وروجت كونداليزا رايس فى أثناء توليها منصب مستشارة الأمن القومى للرئيس الأمريكى إلى ما أسمته «الفوضى الخلاقة». وكان الشعار الذى أطلقت تحته تلك الدعاوى هو إقامة نظم ديمقراطية قصد بها إضعاف حكومات الدويلات التى تتحول إليها المنطقة، وتشجيع شعوب المنطقة على العمل على الاعتماد الاقتصادى عليها. من جهة أخرى عقد الاتحاد الأوروبى مع الدول المتوسطية، إسرائيل وإيران وتركيا وشمال أفريقيا المسماة «مينا» اتفاقيات شراكة تتحول إلى منطقة حرة لتضمن لإسرائيل التوسع الاقتصادى فيها. بالمقابل رفض طلب مجلس التعاون الخليجى فى أوائل التسعينيات الدخول معه فى منطقة تجارة حرة لكى لا يتمكن من تنويع اقتصاداته وتقليل اعتماده على تصدير النفط تجنبا لزيادة فى عجز ميزان مدفوعاته.

وسعيا إلى التعجيل بعملية التجزئة اتهم جورج دبليو بوش العراق بامتلاك أسلحة مدمرة باعتبار ذلك الاتهام مبررا لاحتلاله وإحداث موجة من السخط على الأنظمة العربية تستنفر حركات مناوئة. وعندما انطلقت شرارة الربيع العربى من تونس التى كانت وثيقة الصلة بالاتحاد الأوروبى ومضرب الأمثال بوصفها نموذجا للانفتاح الاقتصادى بسبب عدم اهتمامها بالمناطق الجهوية، سنحت الفرصة لتحريك عملية الشرق الأوسط الجديد إذ أصبحت عملية تغيير الأنظمة القائمة وإثارة الفتن الداخلية والبينية أمرا محتوما. وسواء تم هذا نتيجة لتراكم السخط المحلى أو بتحريض أمريكى كما تدعى بعض الآراء، فقد سنحت الفرصة لتنفيذ المخطط الصهيونى وتشجيع عمليات إرهابية تتيح الفرصة للتدخل فى اختيار أنظمة يسهل السيطرة عليها. وكان من الواضح أن التيار الدينى احتل موقعا متقدما رغم المعارضات الشعبية له، مما يجعله أميل إلى الاعتماد عليها. واتجهت سياستها إلى مساندة حركة الإخوان المسلمين لسببين. الأول أنه يبدو اختيارا ديمقراطيا وفى نفس الوقت حريصا على التصدى لأى محاولة لتداول السلطة ويظل أسلس فى علاقاته معها من أى نظام دينى متزمت. والثانى أنه يولى اهتمامه لبناء خلافة إسلامية أكثر من تعزيز استقلال الدول، مما يكفل مواصلة حركات التذمر التى تتصاعد إلى حركات إرهابية يواجهها باعتماد إرهاب الدولة.

•••

ومثّل هذا التحول تغيرا فى استراتيجية إدماج إسرائيل فى الوطن العربى وتحقيق مشروع إسرائيل الكبرى عن طريق شن حروب على جاراتها، خصوصا بعد أن تصدى حزب الله لها فى عدوانها على لبنان إلى تعزيز عملية التجزئة فى المشرق العربى. واتضح هذا جليا فى موقفها من الصراع السورى الذى أثارته قوى إسلامية متزمتة وترتب عليه إبادة الآلاف وهجرة الملايين. وبعد أن كان يضرب بلبنان المثل فى الديمقراطية التى بنيت على أسس طائفية أصبحت تعيش حالة من الاضطراب لم يتضح مآلها حتى الآن. واستمر العراق فى مواجهة الإرهاب الذى ترتب على الغزو الأمريكى. وترك قطاع غزة يمارس مقاومة هزيلة تضعف من موقف السلطة الفلسطينية بدلا من تعزيزها، ويلعب دورا رئيسيا فى تهديد مصر بإرهاب يرمى إلى انتزاع سيناء من مصر لتكون محطة أولى لإبعاد الفلسطينيين عن أرضهم، تمهيدا لمرحلة تالية يتم خلالها الوصول إلى ضفاف النيل. وساندت الولايات المتحدة تولى الإخوان المسلمين سلب الثورة المصرية ليكفل تبعيتها لها، وتعميق الصراع السورى الذى اتضح بجلاء عندما مرسى الجهاد فى آخر خطاب له قبل هبة الشعب فى 30 يونيو استجابة لدعوة حركة تمرد، وبتأييد من الجيش الذى وضع حدا لإضعافه والاستعاضة عنه بميليشيات تساند الحكم الإخوانى على غرار الحرس الثورى فى إيران.

من جهة أخرى قام حكم الإخوان فى مصر بتتبيعها لنظام أردوغان التركى فيما يمكن تسميته المشروع الشرق أفريقى الذى يمتد من تركيا إلى جنوب إفريقيا لتكون مصر محطة لتجارتها الخارجية بعد أن ضاق عليها الخناق وعرضها إلى ركود هدد نظامه بتصاعد المعارضة المدنية ضده. وعندما نجح السيسى فى تعديل الأوضاع ومواجهة القوى الخارجية تم تجنيد قطر لمساندة الإرهاب الذى تعرضت له مصر فى محاولة لتحطيم جيشها من خلال حلف غير مقدس مع تركيا والولايات المتحدة. وكانت آخر حلقة فى مسلسل الإرهاب مساندة الحوثيين فى نقل مركز الإرهاب من تنظيم القاعدة إلى الجنوب العربى فى اليمن لخنق الوطن العربى وتعزيز تهديده من جانب الدول الإقليمية الثلاث، إسرائيل وإيران وتركيا، ومؤازرة الحركات الإرهابية فى الخليج، وبخاصة السعودية. ومرة أخرى تجلت حكمة السيسى فى عقد المؤتمرات العربية الأخيرة، فلم تجد الولايات المتحدة وشركاؤها مفرا من إيقاف حملتها التى اتهمت حكمه بأنه انقلاب متقبلة الصيغة المتوازنة التى يدير بها علاقات مصر الدولية. ولعل هذا يساعد على استكمال البنيان المؤسسى على نحو يعيد إلى مصر مكانتها الدولية ويعينها على لم شمل الوطن العربى ليتمكن من المشاركة فى إدارة الموجة الثالثة التى ينتقل إليها العالم.

محمد محمود الإمام وزير التخطيط الأسبق
التعليقات