كورونا وسد النهضة والتهديدات الجديدة للأمن القومى - مصطفى كامل السيد - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 12:51 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

كورونا وسد النهضة والتهديدات الجديدة للأمن القومى

نشر فى : الأحد 15 مارس 2020 - 10:45 م | آخر تحديث : الأحد 15 مارس 2020 - 10:45 م

انشغل العالم طوال الشهور الثلاث الماضية بأخبار انتشار مرض «كوفيد ١٩» المشهور بفيروس كورونا، والذى تسارعت معدلات الإصابة به لتتجاوز مائة وخمسين ألف شخص، وقضى نحبه بسببه أكثر من خمسة آلاف وستمائة شخص، غالبيتهم الساحقة فى الصين، كما انشغلنا نحن به فى مصر، واضطرت الحكومة إلى وقف التدريس بكل المدارس والجامعات لمدة أسبوعين، وقاية من أخطاره التى امتدت من الصين وإيران وكوريا الجنوبية إلى إيطاليا وإسبانيا وفرنسا التى اتخذت كلها إجراءات متشددة لوقف انتشاره، وخصوصا بعد أن أصبحت القارة الأوروبية هى بؤرة انتشاره الجديدة. وامتد إلى الوطن العربى وإلى إسرائيل، كما انشغل الرأى العام المصرى أيضا بما أطلق عليه اسم «عاصفة التنين» التى نجمت حسب علماء الأرصاد من التقاء منخفضين جويين فى جنوب شرق البحر المتوسط، أحدهما جاء قبل موعده، وجاء الثانى متأخرا، وواجهته الحكومة بمطالبة المواطنين التزام منازلهم ثلاثة أيام، ومع أنهم لبوا نداءها حذرا إلا أن عشرين مواطنا لقوا حتفهم بسبب موجة الأمطار الغزيرة التى ضربت البلاد، وخصوصا يوم الخميس، اليوم الأول لوصول العاصفة المخيفة إلى أجواء مصر، وعلى الرغم من عدم صحة هذا التفسير، إلا أن البعض ربط بين هذه العاصفة التى لم تشهد مصر مثيلا لها منذ ثلاث أو أربع عقود، وظاهرة تغير المناخ.
آثار فيروس كوفيد ١٩ لم تقتصر على صحة وفرص الحياة لعشرات الآلاف من البشر، ولكنها ضربت الاقتصاد العالمى، بوقف السفر بين الدول وداخلها، وانهيار قطاع السياحة فى الدول التى انتشر فيها هذا المرض، أو خوفا منه فى دول أخرى، واضطربت شبكات العرض العالمية فى إطار امتداد حلقات الإنتاج إلى دول عديدة، وانهارت أسعار النفط إلى قرابة نصفها، وهبطت أسعار الأسهم فى أسواق المال العالمية إلى حد يهدد بدخول العالم فى موجة كساد جديدة ربما تفوق ما عرفه منذ أزمة الكساد الكبير التى بدأت فى بورصة نيويورك فى يوم جمعة فى سنة ١٩٢٩، ولم يتعاف العالم منها إلا مع اندلاع الحرب العالمية الثانية، وأصبح فيروس كورونا موضوعا للاهتمام على مستوى التنظيم الدولى، ولكن توارى فى التصدى له الفرع السياسى الرئيسى لهذا التنظيم، وبرزت الوكالات المتخصصة التى تهتم بالجانب الوظيفى أو التقنى لهذا التنظيم، وفى هذه الحالة تحديدا منظمة الصحة العالمية، والتى أصبح رئيسها الإثيوبى تيدروس أدهانوم وجها مألوفا على شاشات التلفزيون فى كل أنحاء العالم، كما تصدت لموضوع تغير المناخ كل من منظمة الأرصاد العالمية وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة.
الأبعاد غير العسكرية للأمن القومى
ماذا يعنى ذلك كله بالنسبة للأمن القومى الذى يحمله عنوان هذا المقال؟. لاشك أنه إذا كانت تهديدات الأمن القومى تترجم فى نهاية المطاف باحتمال تعرض حياة المواطنين للخطر، فإن انتشار الأوبئة على صعيد العالم قد أدى فى الماضى إلى مصرع مئات بل وعشرات الملايين من البشر، وحتى قبل أن يعرف العالم ظاهرة العولمة، كما أن شيوع البطالة والفقر فى أعقاب الأزمات الاقتصادية يرفع بالتأكيد من احتمالات الوفاة المبكرة، كما أن هذه الأزمات تولد أسبابا لعدم الاستقرار الداخلى وزيادة التوتر بين الدول، وهو تحديدا ما أدت إليه الأزمة الاقتصادية العالمية فى العقد الثالث من القرن الماضى والتى كانت سببا قويا فى وصول الحركة النازية للحكم فى ألمانيا وانتشار أفكارها المتطرفة فى عدد من الدول الأوروبية ثم انخراطها فى مغامرات عسكرية انتهت بنشوب الحرب العالمية الثانية التى لقى فيها عشرات الملايين من البشر حتفهم. ولذلك فقد أدرك علماء الاستراتيجية منذ عقود أن الأمن القومى لا يتهدد فقط بالنزاعات المسلحة أو بالثورات، ولكن له أيضا أسباب غير عسكرية، وأشاروا إلى أن الأمن القومى ليس فقط أمن نظم الحكم أو حتى أمن حدود الدول، ولكنه أيضا أمن المجتمع، وتوسع بعضهم ليدعو إلى أن يكون مفهوم الأمن الصحيح الذى ينبغى أن يكون موضع الاهتمام من جانب الحكومات والباحثين هو أمن الإنسان، باعتبار أن تحرر البشر من الخوف ومن الجوع هو أمر مهم فى حد ذاته، وكذلك لأن افتقاد أمن الإنسان يؤدى فى النهاية إلى تقويض الأمن الوطنى، وفى حالة الوطن العربى، فقد حدد تقرير التنمية الإنسانية العربية الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائى ثمانى مصادر لتهديد أمن الإنسان فى الوطن العربى، ثلاث منها تقترن بالاستخدام المباشر للعنف، مثل الاحتلال الأجنبى، والأساليب القمعية التى تعتمدها الحكومات طريقا للحكم، والنزاعات الإثنية، وخمس منها تهدد بقاء البشر على نحو غير مباشر، مثل البعد عن التعامل الرشيد مع الأوضاع البيئية، والبطالة والفقر، وانتشار الجوع، وافتقاد الرعاية الصحية، والحرمان من الأمن الشخصى بسبب الجريمة والقيود الاجتماعية.
وإذا كان البعد العسكرى بصوره الثلاث ما زال قائما كمصدر لتهديد أمن الإنسان فى الوطن العربى، فإنه يشترك مع بقية دول العالم فى بروز التهديدات غير العسكرية لأمن من يعيشون على أرضه، هو يعانى من هشاشة الأوضاع البيئية الناجمة عن ارتفاع درجات الحرارة، والتغير المناخى، والفقر المائى، والتصحر، وانخفاض التنوع الحيوى، وارتفاع معدلات تلوث المياه والهواء والتربة. طبعا تتفاوت خطورة هذه التهديدات من دولة لأخرى، ونحن فى مصر نعانى منها كلها، نحن قد دخلنا منذ سنوات مرحلة الفقر المائى والذى هو حال كل الدول التى يقل فيها نصيب الفرد عن ١٠٠٠ متر مكعب سنويا، فلا يتجاوز هذا المعدل فى مصر ٧٠٠ متر، بل إنه حتى لو تصورنا نجاحنا فى تأمين حصولنا على نصيبنا الحالى من مياه النيل وهو ٥٥ مليار متر مكعب سنويا، فهذا لا يخرجنا فى الوقت الحاضر عن تحديات الفقر المائى الذى لابد وأن يتضاعف عندما يصل عدد السكان إلى ١٢٠ مليونا فى أقل من عقد من الزمان إذا استمرت معدلات الزيادة الحالية، وفضلا على ذلك فآثار ارتفاع درجات الحرارة فى البحار والمحيطات لا يقتصر على ذوبان الثلوج فى القطبين الشمالى والجنوبى، ولكن بعض سيناريوهات التغيرات الناجمة عن ذلك تشير إلى احتمال غرق مساحات واسعة من الدلتا بما يترتب عليه من هجرة ست ملايين من البشر، وانخفاض الإنتاج الزراعى، وتعرضهم للبطالة والفقر، وتدهور مستوياتهم الصحية، وزيادة التوتر بينهم وسكان المناطق التى سيهاجرون إليها. وعلينا أن نتصور أيضا أن آفاق تغير المناخ تعنى تحول بعض الأقاليم الجافة إلى أقاليم مطيرة، وتحول الأقاليم المطيرة إلى أقاليم جافة. سوف نعانى فى الحالتين. مرافقنا الأساسية لم تبل بلاء حسنا أمام موجة أمطار متوسطة كما شهدنا منذ أيام، فما بالنا عندما نتعرض وعلى فترات طويلة، لمستويات من الأمطار تقترب مما تعرفه مناطق استوائية؟ وهل نتحمل ارتفاع درجات الحرارة على مدى العام لما يقرب من ٤٠ درجة مئوية؟ وهل سنتمكن فى ظل هذه الأوضاع من خفض معدلات الفقر الذى يصل فى الوقت الحاضر إلى ثلث السكان؟ وهل سيستمر الفقراء فى بلدنا على صبرهم الجميل، ويتحملون بشجاعة أو باستسلام الأوضاع غير الإنسانية التى يعيشون فى ظلها فى الوقت الحاضر، والتى لابد وأن تتفاقم إذا لم ننتبه من الآن لخطورة هذه التحديات على أمن الإنسان، وبكل تأكيد أيضا على أمن الوطن.
مؤسسات الدولة والمفهوم الواسع للأمن القومى:
فى كل الحالات تقتضى المواجهة الناجحة لهذه التهديدات غير العسكرية للأمن القومى تبنى مؤسسات الدولة لهذا المفهوم، والابتعاد عن تركيز الجهد على محاربة طواحين الهواء التى يتوهمها البعض تحت دعوى الشائعات المضادة وحروب الجيل الثالث والرابع التى لا نسمع عنها فى مراكز الأبحاث الدولية الجادة. طبعا هذا لا يعنى أن التهديدات ذات الطابع العسكرى قد انتهت سواء كان مصدر هذه التهديدات هو الشرق أو الغرب أو الجنوب، أو أنه لا قيمة للتنبه لخطر الجماعات الإرهابية، أو لأهمية اتباع الحكومة للمعايير الصحيحة لحقوق الإنسان التى تلتزم بها أمام المجتمع العالمى، وتعلن أمامه أنها تحترمها. ولكن إدراك هذا المفهوم الواسع لتهديدات الأمن القومى يقتضى منها رسم الخطط وتحديد المؤسسات التى يقع على عاتقها دراسة هذه التحديات وتنبيه الدولة مبكرا لتبعاتها، والمشاركة فى وضع خطط التصدى لها.
وفى هذا السياق يصبح من الضرورى إدراك أن مراكز البحث العلمى فى الجامعات وخارجها هى المسئولة أولا عن استكشاف تفاصيل هذه التحديات الجديدة، ووضع الخطوط العريضة لقيام مؤسسات الدولة بالأدوار المنوطة بها فى ظل هذه الخطوط للوقاية من الآثار المحتملة لهذه التحديات والاستعداد المبكر لمواجهتها، ولن يقدر لهذه المراكز النجاح إلا إذا أدركت كل قيادات الدولة أنه لا سبيل لإدارة الدولة فى ظل هذه الأوضاع إلا بالعلم، وإلا بأن تكون مؤسسات العلم المصرية فى مقدمة المشاركين فى وضع السياسات بعد أن تتوافر لها الموارد الكافية وتحظى بالاستقلال فى إدارة شئونها، وينهض على إدارتها من هم جديرون بذلك على أساس علمهم وخبراتهم الإدارية.
وبطبيعة الحال هذا لا يمكن أن يقلل من أهمية دور القوات المسلحة ومراكزها البحثية، ولا من ضرورة أجهزة الأمن، ولكنه يوزع المهام بينها ومؤسسات الدولة الأخرى على أساس من التخصص وتقسيم العمل الذى يعزز من كفاءتها جميعا ويخدم المصلحة الوطنية على أحسن وجه.
أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة

مصطفى كامل السيد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة
التعليقات