لماذا يسير الدكتور نظيف عكس الاتجاه؟ - سلمى حسين - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 11:57 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لماذا يسير الدكتور نظيف عكس الاتجاه؟

نشر فى : الثلاثاء 16 نوفمبر 2010 - 12:11 م | آخر تحديث : الثلاثاء 16 نوفمبر 2010 - 12:11 م

 هل نعطى لـ«بلية» 400 جنيه فى الشهر أم أكثر؟ يقول الدكتور نظيف إنه لمصلحته يجب ألا يأخذ أكثر من هذا المبلغ: «لصالح محدودى الدخل والشباب لن نزيد الحد الأدنى للأجور على 400 جنيه». كما يقول إن الحد الأدنى للأجر تحدده دراسات علمية، «وليس بقرار سياسى». خطأ لماذا أدفع بخطأ هاتين العبارتين وأستكبر أن تأتيا على لسان من اشتهر بالكفاءة والعلم؟ لنحتكم إلى العلم والخبرات الدولية.

قال وزير الاستثمار السابق محمود محيى الدين فى حوار لجريدة الأهرام إبدو «لا يقلقنى أن يحصل سائق على مرتب شهرى 250 جنيها، ولكنى أقلق إذا رفعت الحد الأدنى للأجر، فلا أجد من يوظفه أصلا». ومن قبله، امتنعت الحكومات المتعاقبة فى عهد الرئيس مبارك عن تعديل الحد الأدنى للأجر، بسبب تلك الفكرة. وهى أن رفع الحد الأدنى من شأنه أن يقلل من طلب المستثمرين على العمال، فيقل التوظيف وتنتشر البطالة. فأين نحن من ذلك اليوم؟ هل زاد التوظيف بفضل رخص الأيدى العاملة؟

على العكس. ظل المستثمرون يقيمون مشروعات كثيفة رأس المال أى كثيرة المعدات والآلات وضعيفة التوظيف، كما يلاحظ بحث «مصر.. نظرة أبعد من الأزمة» الصادر عن البنك الدولى فى أكتوبر 2010.

وعليه، ظلت معدلات البطالة تحوم حول 10%. بل وتفاقمت إلى جانب البطالة ظاهرة أخرى هى «العاملون الفقراء»، حتى أصبح نصف العاملين بأجر هم من الفقراء فقرا مدقعا، بحسب دراسة أخرى لنفس المؤسسة. ومع الأسف لم تدفع تلك المتغيرات نظيف وحكومته لمراجعة معتقداتهم الاقتصادية.

أما فى بلدان أخرى، لما تنبه صناع القرار إلى أن تلك الأفكار لا تؤدى إلى خير الإنسان ولا الاقتصاد، فاستبدلوها بما هو أفضل. فيذكر تقرير الأجور فى العالم الصادر فى مارس 2010 أنه لأول مرة صارت الدول الرأسمالية تنظر إلى الحد الأدنى للأجر، كإحدى وسائل علاج الكساد.

فقد لجأت إلى رفع الحد الأدنى للأجر الولايات المتحدة وإنجلترا والبرازيل وألمانيا وأيرلندا، وغيرها الكثير. فهل من متابع هنا؟

فى 2008، رفعت 43 دولة على مستوى العالم (نصف العينة التى درسها التقرير) الحد الأدنى للأجر لديها، بنسبة تفوق نسبة التضخم (كما رفعته دول أخرى بنسبة أقل).

والحكمة من وراء ذلك معتبرة: فزيادة السيولة فى أيدى الطبقات الفقيرة والداخلين الجدد إلى سوق العمل هى أفضل وسيلة لتنشيط حركة البيع والشراء خاصة للسلع والخدمات المحلية، أى مما يحفز الطلب المحلى، ومن ثم الاقتصاد. الحد الأدنى للأجر لا يعوق إذن الطلب على التوظيف بل يحفزه. هذا عن خطأ نظيف الأول، فماذا عن الخطأ الثانى؟

كم يأخذ «بلية» فى نهاية الشهر؟

إذا كان رفع الحد الأدنى للأجر من وسائل تنشيط النمو والتوظيف، فما هو الحد الأدنى الأمثل للأجر؟ يقول نظيف إن ذلك يتحدد وفقا لدراسة علمية يقوم بها المتخصصون.

وذلك خطأ لسببين. أولا بسبب تعدد الدراسات. مثلا تجمع دراستان صدرتا فى 2010 من رحم الحزب الوطنى على أن يتحدد ذلك الأجر عند مستوى يتراوح بين 500 ــ 600 (عبدالفتاح الجبالى) و656 جنيها (الاقتصادى القدير سمير رضوان)، آخذين كليهما فى الاعتبار خط الفقر وفقا لأسعار عام 2008.

ومن قبل اقتصاديى الحزب الوطنى، اجتهد آخرون من مختلف الاتجاهات الفكرية ليقدموا تقديرات أخرى علمية محكمة: إبراهيم العيسوى، جودة عبدالخالق، أمنية حلمى، منال متولى، بل والمجلس الأعلى للأجور (الذى يرأسه وزير التنمية الاقتصادية، أعلن فى بداية العام 450 جنيها شهريا تقديرا للحد الأدنى للأجر). فإذا كان المتخصصون وضعوا حدودا مختلفة للأجر وكلها وفقا لأسس علمية، فأى واحد نختار؟

مبدئيا لم تختر الحكومة أيا من تلك الدراسات المحترمة، ولا حتى دراستها هى. بل اختارت مبلغا شهريا أدنى من كل تلك التقديرات. أى أن الاختيار لم يكن وفقا لدراسات علمية كما قال رئيس الوزراء، ولكنه كان قرارا سياسيا بحتا. ولكنه بئس القرار السياسى، بحسب منظمة العمل الدولية.

لأنه قرار سياسى مفروض من أعلى. فى حين تنصح منظمة العمل التابعة للأمم المتحدة بأن التفاوض هو أفضل الوسائل لتحديد مستوى الحد الأدنى للأجر. ويكون التفاوض بين ممثلى العاملين وممثلى الأعمال (القطاع الخاص والحكومى). فهذا هو الطريق الأمثل لتحديد الحد الأدنى للأجر.

وعلى الدولة أن ترعى المفاوضات عن طريق تقديم كل البيانات اللازمة وكل الدراسات المتاحة عن الموضوع لجميع الأطراف. كما لاحظت المنظمة أنه كلما توافرت بيانات عن إنتاجية العمال، كان ذلك مما يوفر أرضية مشتركة بين الجالسين على طرفى مائدة المفاوضات، فتحسين الإنتاجية مصلحة مشتركة تجمع بينهما (وهى بيانات يصعب على الباحث فى مصر العثور عليها، كما يلاحظ عبدالفتاح الجبالى فى ورقته نحو حد أدنى جديد للأجور). وعندما ينتج القرار عن التفاوض أمكن تعديله على فترات متقاربة، وصار أكثر ارتباطا بالإنتاجية على المدى الطويل، كما تؤكد التجربة الدولية. لاحظ أن الحال فى مصر على العكس من ذلك تماما.

فقد كان آخر تعديل فى 1982، أى منذ عشرين عاما وكان مفروضا من أعلى عن طريق قانون أصدرته الدولة.

الأصل فى الحد الأدنى للأجر أن يكفل دخلا شهريا للفئات الأضعف (من يعمل لأول مرة وغير المؤهلين والأقل مهارة)، دخلا يقيهم وأسرهم العوز والفقر.

لأنهم لو تركوا لقوى السوق لما حصلوا إلا على أجر لا يغنى من جوع. وفى مصر ــ ولتفزع من الأرقام الرسمية: 80% من المواطنين غير مؤهلين وغير أكفاء: حيث 30% أميون، 10% بالكاد يفكون الخط، بالإضافة إلى 40% من حملة الشهادات المتوسطة أو أقل.

غير مطلوب من الحد الأدنى للأجر إذن أن يحل كل مشاكل العمل أو قلة العمل، وتفاوت الأجور وسوء توزيع الدخول. هو فقط ما هو: الحد الذى لا يجب أن يقل عنه أى أجر مهما كان نوع العمل. أما المدخل لعلاج بقية المشكلات، فلعله التعليم المجانى الكفء للجميع، ولكنهم لا يريدون.

سلمى حسين صحفية وباحثة متخصصة في الاقتصاد والسياسات العامة. قامت بالمشاركة في ترجمة كتاب رأس المال في القرن الواحد والعشرين، لتوماس بيكيتي. صدر لها في ٢٠١٤ كتاب «دليل كل صحفي: كيف تجد ما يهمك في الموازنة العامة؟».
التعليقات