مفارقة الأسبوع - فهمي هويدي - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 11:51 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مفارقة الأسبوع

نشر فى : الخميس 19 أبريل 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الخميس 19 أبريل 2012 - 8:00 ص

ارتبكت الحكومة الإسرائيلية هذا الأسبوع بسبب الإحراج الذى سببته لها حملة «أهلا بكم فى فلسطين». ذلك أن منظمى الحملة وهم قادة 26 منظمة وجمعية فلسطينية قد دعوا إليها بالتعاون مع منظمات التضامن مع الشعب الفلسطينى فى أوروبا لاستقدام ما بين 200 و2500 مواطن غربى (بينهم فلسطينيون يحملون جنسيات أجنبية) فى مناسبة عيد القيامة، لإعلان تضامنهم مع القضية الفلسطينية ضد الاستيطان والتهويد. وتم ترتيب برنامج للمسيحيين منهم لإقامة الصلاة فى كنيسة القيامة فى القدس، والاطلاع على جدار الفصل العنصرى ومشاريع الاستيطان والتهويد فى شتى أنحاء الضفة الغربية.

 

الحملة أزعجت الحكومة الإسرائيلية التى استخدمت ماكينتها الإعلامية الضخمة وقدراتها الهائلة فى التأثير على الحكومات الغربية وشركات الطيران العالمية لمنع توجه هذه الوفود إلى القدس. حتى إن حكومة إسرائيل تعهدت بدفع نفقات كل غرامة تفرضها المحاكم الغربية لصالح المسافرين الذين تمنعهم الشركات من السفر بعد شراء تذاكرهم. وقد استجابت بعض الشركات الأوروبية لقرار الحكومة الإسرائيلية، حتى إن شركة الطيران الفرنسية ألغت تذاكر سفر 500 ناشط. وحذت حذوها شركات طيران أخرى فى بريطانيا وألمانيا وإيطاليا، بل وفى تركيا أيضا. وفى إسرائيل تم تجنيد نحو 600 جندى من حرس الحدود والشرطة والمخابرات، الذين انتشروا فى صالات مطار تل أبيب لإيقاف المتضامنين ومنعهم من الانضمام إلى الحملة.

 

المصادر الإسرائيلية قالت إن ثلث المتضامنين فقط تمكنوا من الدخول، فى حين أن الفلسطينيين قالوا إن الحملة نجحت وأن نصفهم عبروا الحواجز. وفى كل الأحوال فإن الرسالة وصلت واستطاعت الحملة أن تسلط الأضواء على جرائم الاحتلال والعنصرية الإسرائيلية، فى الوقت الذى كاد الموضوع برمته ينسى وسط خضم الأحداث الساخنة والمتلاحقة فى العالم العربى.

 

حملة «أهلا بكم فى فلسطين» ظهرت إلى الواجهة بعد أيام قليلة من الضجة التى حدثت فى أوروبا بسبب قصيدة الكاتب الألمانى الفائز بجائزة نوبل جونتر جراس. التى ذكر فيها أن إسرائيل خطر على السلام العالمى، واعتبر أن السكوت على جرائم إسرائيل وبرنامجها النووى وإمدادها بالغواصات (من جانب الحكومة الألمانية) بمثابة اشتراك فى الجريمة. وأوضح بجلاء أنه كرجل صاحب ضمير لا يستطيع أن يلتزم الصمت إزاء ذلك، بعدما سئم النفاق الغربى إزاء السياسة العدوانية الإسرائيلية. لم تسكت إسرائيل وأبواقها، فمنع الرجل من دخولها وانهالت عليه الاتهامات من كل صوب منددة بما اعتبر من جانبه عداء للسامية ونزعا للشرعية عن سياسة إسرائيل الأمنية.

 

ما يهمنا فى المشهد أن التذكير بجرائم إسرائيل وسياستها الاستيطانية وبرنامجها النووى جاءنا من العواصم الأوروبية. وشاء ربك أن يحدث العكس فى العالم العربى الذى لم يعد يسمع من المسئولين فيه صوت يتحدث عن خطر إسرائيل أو ينتقد برنامجها النووى. وإنما تتركز أحاديث واجتماعات وزراء الخارجية العرب على خطر النظام السورى. أما وزراء خارجية الدول الخليجية فهم مشغولون بالخطر الإيرانى ومشروعها النووى. وقبل ذلك سمعنا خطابا ألقاه السيد محمود عباس (أبومازن) رئيس السلطة الفلسطينية حث فيه العرب على زيارة القدس، لا لكى يشاهدوا سور الفصل العنصرى أو يقفوا على مشاريع الاستيطان والتهويد، وإنما لكى يؤدوا الصلاة فى المسجد الأقصى (ويمارسون التطبيع ضمنا). ثم نشرت الصحف المصرية أنباء سفر أكثر من 400 شخص من الأقباط المصريين بمناسبة عيد القيامة، لزيارة كنيسة القيامة والأماكن التى ورد ذكرها فى الإنجيل عن معالم رحلة السيد المسيح، وسط لغط مثار حول الاختراق الصهيونى للكنيسة الأرثوذكسية بتشجيع من غلاة أقباط المهجر. ومعروف أن البابا شنودة ــ البطريرك الراحل ــ كان قد منع زيارة القدس منذ اشتباكه مع الرئيس السادات. وإضافة إلى هذا وذاك وجدنا أن أغلب المرشحين لرئاسة الجمهورية يتحدثون فى تصريحاتهم برفق شديد ودون حذر عن موقفهم من معاهدة السلام مع إسرائيل بمظنة أن ذلك يجلب الرضا الأمريكى والتأييد الغربى لهم.

 

هذه المقابلة بين الموقفين الأوروبى والعربى تستحق الملاحظة، بقدر ما تبعث على الحزن والخجل. وأهم ما يمكن أن تستخلصه منها، أمران، الأول أن ثمة خللا فى أولويات الملفات العربية ينبغى أن يعالج. والثانى أن الربيع العربى لم يصل صداه بعد إلى السياسة الخارجية فى العالم العربى، بما فى ذلك دول «الربيع» الذى تتعلق به آمالنا.

فهمي هويدي فهمى هويدى كاتب صحفى متخصص فى شؤون وقضايا العالم العربى، يكتب عمودًا يوميًا ومقالاً اسبوعياً ينشر بالتزامن فى مصر وصحف سبع دول عربية اخرى. صدر له 17 كتابا عن مصر وقضايا العالم الاسلامى. تخرج من كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1961 ويعمل بالصحافة منذ عام 1958.