الغزالة ليست رايقة - كريم البكري - بوابة الشروق
الثلاثاء 30 أبريل 2024 4:16 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الغزالة ليست رايقة

نشر فى : الثلاثاء 19 أبريل 2022 - 7:25 م | آخر تحديث : الأربعاء 20 أبريل 2022 - 1:31 ص
وكيف تروق الغزالة يا صديقي القارئ؟
نعم ما السبيل لتحقيق هذه الحالة من النشوة والسلطنة والانسجام التي يطلق عليها المصريون «الغزالة رايقة»، ما هو السبيل لهذه الحالة من الروقان وراحة البال وسط ما نعيشه.

لا أتحدث هنا عن الأعباء الاقتصادية، أو ارتفاع أسعار السلع والخدمات، أو الحرب الروسية الأوكرانية التي تلقي بظلالها على الاقتصاد العالمي وتهدد سلامة رغيف الخبز الذي نعشقه ونحيا به، لا أتحدث عن أية منغصات سابقة للحياة، ولكني أسعى وسط كل هذا الزخم لأن تروق غزالتي، ولكن كيف لها الروقان.

أعود بكم إلى بداية الواقعة، منذ شهور ظهرت أغنية بعنوان «الغزالة رايقة» صاحبت أحد الأفلام المصرية، وسرعان ما لقت رواجًا سريعًا بين صفوف الجمهور، وبغض النظر عن معركة سرقة لحنها من أغنية روسية وهل كان حقًا توارد خواطر إبداعية بين مُلحن الغزالة ونظيره الخواجة أم لا؛ الواقعة تبدأ من مدينة الإنتاج الإعلامي وتحديدًا ستديو قناة Cbc أثناء استضافة الإعلامية منى الشاذلي، للفنان علي الحجار وابنه المطرب الشاب أحمد.

برنامج «معكم» الذي تقدمه الإعلامية منى الشاذلي، يصنف اجتماعي الهوى؛ وتسعى الإعلامية وفريق إعدادها لخلق حالة من البهجة للمشاهدين عن طريق تصميم «ألعاب» للضيوف، وكان من نصيب الحجار لعبة «صورة وأغنية»؛ وهي أن تعرض له الشاشة صورة ثم يغني أغنية تعبر عنها، وبدأت اللعبة وكانت الصورة لـ«غزالة»؛ ليمسك الحجار بالميكروفون ويقدم موشح «عجبا لغزال قتّال عجبا».

ثوان معدودات، أغمضت فيها عينيّ ودندنت مع الحجار كلمات الموشح: «عجبّا لغزال قتّال عجبا.. كم بالأفكار وبقلوب لعب»، وتذكرت أن المطرب الراحل عمر فتحي الذي يعد أحد أبناء جيل الحجار سبق وقدّم هذا الموشح العظيم.

هنا يجب تقديم الشكر للشاعر فؤاد عبدالمجيد، من أحيا الموشحات الأندلسية، ففي النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي، كان الوسط الموسيقي في مصر على موعد مع عودة الموشحات الأندلسية للظهور بعد اختفاء دام طويلا، ربما كان اخر من قدم هذا اللون هو الفنان الراحل كامل الخلعي وعقب وفاته عام 1931، لم يقدم أحد هذا الفن، حتى جاء فؤاد عبد المجيد.

ويرجح البعض أن الموشح فن اخترع على يد شاعر أندلسي يدعى "مقدم بن معافى القبري"، ومن خصائص الموشح الجمع بين اللغة العربية الفصيحة واللهجة الدارجة "العامية"، وكان أهم غرض من أغراض الموشح هو الغزل؛ عكس الشعر العربي الجاهلي أو الحديث الذي تنوعت أغراضه بين الهجاء والمدح والرثاء والغزل والبكاء على الأطلال.

وخرجت موشحات فؤاد عبدالمجيد للنور، بعدما استمع إليها المخرج "على رضا" الذي أعجب بها وكان حلقة الوصل بين الشاعر والمايسترو عبدالحليم نويرة، الذي كان يقود فرقة رضا، وبذل جهدًا كبيرًا في تلحين موشحات فؤاد عبدالمجيد، وتصميم رقصات للفرقة على أنغامها.

أتمنى ألا أكون أثقلت عليك يا صديقي القارئ، فما سبق دار بذهني خلال لحظات استمعت فيها لدندنة حجارية عذبة أصيلة، تنم عن فنان مثقف صاحب ذوق رفيع، أول ما تبادر إلى ذهنه كان عملا رائعا بكل المقاييس، لحظات انسجمت فيها روحي وانفرجت أساريري، ولكنها سرعان ما ضافت مجددًا بعدما ذكرت المذيعة أن الجمهور سينسجم أكثر مع أغنية «الغزالة رايقة» وتعجبت من عدم معرفة «الحجار» بها؛ حتى أنها حمّست الجمهور لأن يغني هذه الأغنية على أنغام مقسوم الفرقة الموسيقية.

مشاعر مختلطة احتلت استديو منى الشاذلي.. حماس لدى الجمهور، وبهجة على وجه الإعلامية ولغة جسدها، ومحاولات من الفرقة الموسيقية لملاحقة اللحن، ومحاولة تآلف مع الموسيقى من الفنان الشاب أحمد الحجار، بينما كانت نظرات علي الحجار تكفي للتأكد أن الغزالة لم تكن رايقة على الإطلاق.. حتمًا غزالته لم تكن رايقة كما غزالتي بالضبط.

أبعد عجبًا لغزال قتّال عجبا بهذه الكلمات البديعة نستمع إلى الغزالة رايقة؟!

كان هذا المشهد هو تأكيد لما وصل إليه الفن اليوم، وشتّان الفارق بين الغزالة الرايقة والغزال القتّال.

إحقاقا للحق؛ أنا من المعجبين بأغنية «الغزالة رايقة» وانسجمت معها وتمايلت على أنغامها ورددت كلماتها كجمهور الاستديو، ولكن المشهد الذي رأيته أمامي بلّور أمامي الانحدار الفني والفقر الشِعري والموسيقي، والتردي لدى ذائقة الجمهور.. أبعد عجبًا لغزال قتّال عجبا؛ نستمع إلى الغزالة رايقة؟!

الخيبة تجسدت على وجهي؛ عندما سألت موقع الفيديوهات «يوتيوب» عن إحدى الأغاني المقربة إلى قلبي وهي «عود» من ألحان أحمد الحجار، وشاركته في غنائها بإحدى النسخ الفنانة حنان ماضي، وما أروعها كلمات الشاعر جمال بخيت الذي كتب:
عود ..الفجر لسه بيبتسم بين دمعتين
عود..الفرح ممكن يتقسم على شفتين
عود..الوهم مات والذكريات قالتلى حبك بالوجود
ياريت تعود.. ياريت تعود

ولكن.. حلّت الخيبة داخلي محل النشوة والانبساط؛ عندما وجدت الموقع يقترح علي أن أسمع «عود البطل» بدلا من «عود»؛ فموقع اليوتيوب لم يكتف بكلمتي «أغنية عود» حتى يدرك مطلبي؛ وبالطبع ما وصل له اليوتيوب ليس من فراغ؛ بل من ملايين مرات البحث، وملايين مرات الاستماع لمهرجان عود البطل.. تُرى.. أبعد عود الفجر لسه بيبتسم بين دمعتين؛ نستمع إلى عود البطل ملفوف وأنا لسه ياما هشوف؟!

اليوتيوب أيضًا كرر إساءة فهمي عندما طلبت أن أسمع أغنية محمد رشدي عرباوي -التي كانت تصنف شعبية- من كلمات حسن أبو عتمان وألحان حلمي بكر، ليعرض علي الموقع أن أستمع إلى مهرجان «عقباوي دم حامي»؛ لحظة يا عزيزي اليوتيوب أنا لم أكتب «عقباوي» كتبت «عرباوي»؛ ثم ضغطت على زر الريفرش ليرد علي الموقع ويقول: «أيوا يا أستاذ أنا عارف مصلحتك.. أكيد أنت تقصد عقباوي دم حامي».. أبعد بتبص بصه الله عليها.. الشمس تخجل قدام عينيها؛ نستمع إلى «عقباوي دمي حامي؛ دنيا دايرة بالأسامي، مش بهيب مهما أغيب
على وضعي أنا في مجالي»؟!

في الحقيقة..
لم أكن يوما من كارهي أغاني المهرجانات؛ فاستمعت إليها كثيرا من باب الهروب للصخب وتطبيقا لنظرية مزاجنجي في فيلم الكيف «لازم نزيط الزيطة بزيطة أزيط منها علشان متزيطناش»؛ وسمعتها في الأفراح وتراقصنا على أنغامها، وطالما رفضت منع مؤديي المهرجانات من تقديم الحفلات ومازلت مقتنع أن العيب ليس فيهم؛ فذائقة الجمهور تتغير؛ وكل ما سبق يؤكد تغير الذائقة.. الخوف كل الخوف هو أن يحل الصخب محل الطرب، ويحل المهرجان محل الأغنية، وتحل الغزالة رايقة وعقباوي دم حامي محل عجبا لغزال قتال عجبا وعرباوي.

ملحوظة: سأنكر حقيقة أن هذا التخوف بات أمرًا واقعًا وسأظل أوجه يوتيوب بأن يسمع كلامي ولا يفرض ذوقه عليّ.
كريم البكري كاتب صحفي
التعليقات