قمة الناتو الأخيرة.. مواصلة الحرب والترويج للنموذج الإسرائيلي - عزت سعد - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 10:45 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

قمة الناتو الأخيرة.. مواصلة الحرب والترويج للنموذج الإسرائيلي

نشر فى : الجمعة 21 يوليه 2023 - 8:30 م | آخر تحديث : الجمعة 21 يوليه 2023 - 8:30 م

مثلت قمة حلف شمال الأطلسى (ناتو) التى عقدت فى فيلينوس (ليتوانيا) فى 11 / 12 يوليو الحالى خطوة هامة فى عملية التكيف المستمرة للحلف مع ما تراه الدول الأعضاء تهديدات جديدة لأمنها، لا سيما فى ضوء التدخل العسكرى الروسى فى أوكرانيا، الذى اعتبر بمثابة التهديد الأول لأوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.
كانت قمة الناتو فى مدريد العام الماضى، خلصت إلى اعتماد مفهوم استراتيجى جديد للحلف وقرار بتوسيعه فى شمال أوروبا من خلال الترحيب بعضوية فنلندا والسويد، وسلسلة قوية من القرارات لتعزيز الردع والدفاع ردا على التدخل الروسى. وحتى العام الماضى، جرت ممارسة الحلف على عقد قمة كل عامين ــ آخرها فى شيكاغو عام 2012 وويلز فى 2014 ووارسو فى 2018 وبروكسل فى 2021. وسيعقد الحلف قمته القادمة فى واشنطن فى ربيع 2024، حيث سيحتفى بمرور 75 عاما على المعاهدة المنشئة له، والذكرى السنوية العاشرة لتعهد الدول الأعضاء بالاستثمار فى الدفاع فى قمة ويلز، أى تخصيص 2% على الأقل من الموازنة العامة لهذا الغرض سنويا، منها 20% على الأسلحة الرئيسية، بما فى ذلك البحث والتطوير ذات الصلة أو ما يسمى «مُسرّع الابتكار الدفاعى لشمال الأطلسى» (المعروف اختصارا بـ DIANA). وقد أكد البيان الصادر عن قمة فيلينوس هذه النقطة.
ووفقا للبيان تمثل روسيا الاتحادية التهديد الأكبر المباشر والأهم لأمن الحلفاء وللسلام والاستقرار فى المنطقة الأوروبية الأطلسية»، محملا إياها «المسئولية الكاملة عن حربها العدوانية غير القانونية وغير المبررة ضد أوكرانيا، والتى قوضت بشكل خطير الأمن الأوروبى الأطلسى والعالمى...». وعلى خلاف ما كان يطمح إليه الرئيس الأوكرانى من اتخاذ خطوات محددة على طريق عضوية بلاده فى التحالف، أشار البيان إلى الحاجة لقيام كييف بإصلاحات تتعلق بالديمقراطية والقطاع الأمنى، مضيفا أن «التحالف سيكون حينئذ، فى وضع يسمح له بتوجيه دعوة إلى أوكرانيا للانضمام إلى الحلف، عندما يتفق الحلفاء ويتم استيفاء الشروط». وفى هذا الصدد أشار البيان إلى أن دول التحالف قررت «إنشاء مجلس الناتو وأوكرانيا، كهيئة مشتركة جديدة لتعزيز الحوار السياسى والمشاركة والتعاون وتطلعات أوكرانيا الأوروبية الأطلسية للحصول على عضوية الناتو».
• • •
وكما كان متوقعا، ركز الحلف فى مناقشاته على التقييم الجماعى للحرب الجارية فى أوكرانيا والاستجابة لها، بما فى ذلك من حيث التخطيط الدفاعى والمعضلات المتعلقة بتأمين أوكرانيا وفرص عضويتها فى الحلف مستقبلا، والخطوات التى يمكن اتخاذها استعدادا لذلك، وكيفية ردع روسيا ومنعها من شن حروب فى المستقبل، بجانب التحديات التى يواجهها الحلف بسبب ظهور وانتشار التقنيات الناشئة والمدمرة، والعلاقة بين الناتو والاتحاد الأوروبى، وتأثيرها على الحرب فى أوكرانيا.
كان واضحا استمرار التباين حول كيفية التعامل مع التهديد الروسى فى مناقشات الحلف. وفى هذا الصدد جرى الحديث عن حاجة الحلف إلى استراتيجية سياسية للحد من هذا التهديد وإدارته. وهناك اعتراف واسع بأنه قد لا يكون ممكنا القضاء على التهديد الذى تمثله روسيا، إلا أن منع أى حروب مستقبلية من جانبها يجب أن يكون الهدف النهائى للحلف. وقد تحدث خبراء غربيون فى هذا السياق عن أنه من الناحية العملية، يتحقق ذلك من خلال استراتيجية سياسية نحو سلام طويل الأجل، بدلا من استراتيجية عسكرية تستند إلى نظرية انتصار أوكرانيا وهزيمة روسيا، وأن «عقيدة الاحتواء»، التى تبناها كينان، يمكن أن تكون نموذجا لهذه الاستراتيجية. أما كيف يمكن احتواء روسيا وفقا لهذه العقيدة، يؤكد التقدير الغربى الغالب ضرورة إضعاف قدرة الدولة الروسية على شن حروب كبرى، وبلورة نظام دفاعى مشترك يضم أوكرانيا كحصن ضد الميول التوسعية الروسية.
وفى المستقبل، يجب إطلاق محادثات الاستقرار الإقليمى الاستراتيجى القائم على المصلحة المشتركة فى تجنب التصعيد. ووفقا للاتجاه الغربى المهيمن فإن الأدوات الأساسية لإضعاف قدرات روسيا على شن الحرب هى العقوبات المقترنة بالدعم العسكرى لأوكرانيا. ويعترف هؤلاء بأن التحدى على المدى الطويل، بغض النظر عن نتيجة الهجوم المضاد الحالى لكييف، هو إعادة صياغة هذا الدعم لتسليح أوكرانيا من أجل هزيمة القوة الغازية واستعادة السيطرة على الأراضى ثم الصمود من خلال الردع، وربما من خلال نموذج «التفوق العسكرى النوعى»، المستلهم من إسرائيل. والمفترض هنا أن الصراع سيكون طويلا ومنخفض الحدة، فى الوقت ذاته ستحصل أوكرانيا على أسلحة ودعم لوجيستى ودبلوماسى واسع النطاق إلى الأبد، ولكن بدون ضمانات للدفاع عن أراضيها من قبل قوات أمريكية.
كان الرئيس بايدن، قبيل توجهه إلى ليتوانيا لحضور قمة الحلف، قال لشبكة CNN إنه وإن كان غير مستعد للمخاطرة بحرب مباشرة مع روسيا من خلال تمديد ضمان الدفاع المشترك لحلف الناتو إلى كييف، فإن أوكرانيا ستحصل على «الأمن الذى نوفره لإسرائيل». ووجد هذا التوجه صداه الواسع كطريقة للتفكير فى دفاع أوكرانيا عن نفسها على المدى الطويل، وانعكس ضمنا فى بيان القمة الذى تحدث عن «نموذج قوة جديد» و«إعداد جيل جديد من الخطط العسكرية والإنتاج الدفاعى». وعلى حين لم يوضح البيان ما يعنيه ذلك من الناحية العملية، يرى بعض المحللين الأمريكيين أن هناك اهتماما غربيا متزايدا بالنموذج الإسرائيلى، وهو ما ينطوى على اعتراف واضح بعدم أرجحية الحاق هزيمة حاسمة بروسيا، وأن المجتمع الأوكرانى قد يحتاج إلى البقاء فى حالة تميز عسكرى عن بقية بلدان أوروبا. ويحذر هذا البعض ــ بعد عرض أوجه التشابه والاختلاف بين النموذج الإسرائيلى والحالة الأوكرانية ــ من أنه مثلما يحاول الغرب أحيانا كبح جماح إسرائيل، سواء فى صراعها مع الفلسطينيين أو فى مواجهتها مع إيران، فقد ينتهى الأمر إلى النتيجة ذاتها مع أوكرانيا غير الآمنة وسط أوضاع أمنية متقلبة ستستمر لسنوات وربما عقود. وبالتالى يتعين على الغرب أن يفكر مليا فى ما إذا كان النموذج الإسرائيلى يمثل استراتيجية قابلة للتطبيق بالنسبة لأوكرانيا.
لعل النقطة الجوهرية هنا هى أن الدعم المستقبلى لأوكرانيا من قبل الناتو، مرتبط إلى حد كبير بالهجوم المضاد الحالى حاليا، والذى يعتقد خبراء أن يكون واحدا من سلسلة هجمات قبل أن تتمكن كييف من التفاوض من موقع قوة. ولكى يحقق هذا الهجوم المضاد المكاسب الحقيقية التى يريدها الكثيرون فى الغرب، يجب أن تتوافر بشأنه خمسة شروط ــ بجانب التزام صارم من الحلفاء على المدى المتوسط والطويل ببذل كل ما فى وسعهم لمساعدة أوكرانيا على الدفاع عن نفسها ومنع روسيا من شن المزيد من العدوان مما يزيد من نفوذ كييف فى أى تسوية سياسية نهائية للحرب ــ تعتمد بشكل أساسى على الحلف: وحدة الحلفاء فى الجهود والأهداف (قوة الإرادة فى الحرب)، قدرات عسكرية كافية ومتحالفة، اليقين المطلق بأن حلفاء الناتو والشركاء الآخرين يدعمون أوكرانيا، عرض «شراكة الدفاع والردع» على الأقل، على أوكرانيا، قبل أن تحصل على عضوية الناتو، إدراك الحلفاء بشكل جماعى أنهم يمثلون العمق الاستراتيجى لأوكرانيا، وأن هذا العمق يعتمد على قدرة الحلف على تحقيق نموذج القوة الجديد الخاص به. هنا بدا بيان فيلينوس غامضا للغاية بسبب عدم وجود توافق فى الآراء بين الأعضاء حول موعد وكيفية المضى قدما مع عضوية أوكرانيا فى وقت الحرب.
• • •
ارتباطا بما تقدم هناك تحد آخر لا يقل أهمية، يتمثل فى النقاش الغربى حول كيفية دمج أوكرانيا فى نظام لحمايتها فى مواجهة موسكو، خاصة وأن الحلف لن يدعو كييف للانضمام إلى الناتو على الفور، على نحو ما أشار إليه بيان فيلينوس، حتى أن معظم المدافعين عن العضوية الكاملة لها يؤجلون الانضمام المحتمل إلى «ما بعد الحرب». وهنا تقول وجهة النظر المهيمنة إن الحرب ستستمر لفترة طويلة جدا، وأن مجرد الغياب المؤقت للقتال لا يعنى السلام، وأنه سيكون مشروطا بتخلى روسيا عن طموحاتها. والمقصود بهذه الأخيرة ــ فى مفهوم المحللين الغربيين ــ طموحات الرئيس بوتين شخصيا، وبالتالى «الحاجة إلى إعادة هيكلة أساسية للقيادة الروسية»، وهو شرط ضرورى لحماية أوكرانيا من جارتها، أى الإطاحة ببوتين. وما يزال سيناريو إضعاف نظام بوتين وإسقاطه مطروحا فى كل مناسبة يجرى فيها الحديث عن كيفية انتهاء الحرب. ويستدعى المحللون الغربيون فى هذا السياق تمرد فاجنر فى 24 يونيو الماضى كبارقة أمل فى هذا الشأن.
وبجانب حماية أوكرانيا ومواصلة دعمها من قبل الحلف، يتحدث المحللون عن الضمانات الأمنية لأوكرانيا كركيزة لا يجب الخلط بينها وبين فرص انضمامها للحلف ومواصلة الالتزام بدعمها. وفى هذا الصدد تناول المحللون بعض سمات هذه الضمانات، ومنها وجوب أن تكون فى إطار متعدد الأطراف مستدام، وتجنب مخاطر الاعتماد على إرادة أو قدرات عدد محدود من الدول الضامنة. كما يجب أن تشمل هذه الضمانات التزاما بتقديم المساعدة والمساعدة المتبادلة بين أعضائه، وإنشاء آليات ذات مصداقية للحفاظ على هذا الالتزام، وتوسيع مفهوم «المجموعة الواحدة من القوات» التى تشمل أعضاء الحلف والاتحاد الأوروبى. ويقر المحللون أنه بالرغم من كل هذه التدابير، «ستظل روسيا لاعبا تحريفيا، ولكنه غير قابل للهزيمة».
وفى كل الأحوال لا نجد فى مناقشات هؤلاء، أو فى المناقشات الرسمية المعلنة داخل الحلف، أى سيناريو يشير لأى علاقة سلمية أو مستقرة مع روسيا على المدى القصير. بل إن الرئيس الألمانى فالتر شتاينماير، أكد أخيرا أن روسيا لن يكون لها مكان فى أى منظومة مستقبلية للأمن الأوروبى. ويركز الحلفاء جهودهم الآن على التدريب والتخطيط لضمان المستوى المناسب من الاستعداد والقدرة على توفير الدعم الكبير لأوكرانيا فى غضون مهلة قصيرة، بما فى ذلك دعم قدرات الدفاع التقليدية والنووية والدفاعية المضادة للصواريخ، وذلك على غرار النموذج الإسرائيلى السابق الإشارة إليه.
ومع ذلك تبقى المعضلة الأساسية المتمثلة فى أنه على حين يبدو جميع الحلفاء مستعدين لتوجيه رسالة دعم سياسى قوية لكييف مع تطور هجومها المضاد، فإن التعبير عن استعداد ملموس وعملى للحفاظ على دعم عسكرى «طالما استغرق الأمر»، يظل عاملا حاسما، ما يزال غائبا، خاصة فى ضوء اقتناع الرئيس بوتين بقدرة روسيا على ممارسة الصبر الاستراتيجى لفترة أطول كثيرا مما قد يحتمله الغرب. ومن الناحية العملية، من غير المرجح أن يؤدى إنشاء مجلس مشترك بين الحلف وأوكرانيا إلى تحول يذكر فى هذا الشأن، وهو ما يعنى استمرار حالة عدم اليقين السائدة منذ التدخل العسكرى الروسى، ناهيك عن حقيقة أن عددا كبيرا من أعضاء التحالف ما يزال عازفا عن الاستثمار فى الدفاع كما تريد الولايات المتحدة.

عزت سعد مدير المجلس المصري للشؤون الخارجية
التعليقات