نشر موقع «صدى كارنيجى» مقالاً للمحلل ــ ريكاردو فابيانى ــ يتحدث فيه عن انقسام الأحزاب الإسلامية فى الجزائر على نفسها حول دعم الحكومة أو الانضمام إلى المعارضة وما قد يرتبه ذلك على الانتخابات التشريعية القادمة.
يقول الكاتب فى بداية مقاله: إنه قبيل الانتخابات التشريعية فى الرابع من أيار/مايو المقبل، فإن الإسلاميين فى الجزائر منقسمون أكثر من أى وقت مضى. فالمجموعة المتنوعة من الأحزاب القانونية، والتيارات غير الرسمية، والنزعات الدينية، والمنظمات المحظورة التابعة لهم خسرت تقريبًا كل مصداقيتها فى عيون الجزائريين، وتبقى على هامش السياسة فى البلاد. ومع ذلك، لا يزالون يسعون جاهدين؛ لانتزاع حضور لهم على مشارف الانتخابات البرلمانية المقبلة عبر إعادة النظر فى النقاشات الأساسية حول ما إذا كان يجدر بهم المشاركة فى المنظومة السياسية، وإذا كان ينبغى عليهم دعم الحكومة ــ أو إلى أى درجة. يصب هذا المشهد الفوضوى مباشرة فى مصلحة السلطات، فيسلط الضوء ليس فقط على الضعضعة فى صفوف هذه الأحزاب إنما أيضا على انعزالها عن الواقع.
يعيد الكاتب تلك الانقسامات إلى ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين. حيث تنقسم كوكبة الأحزاب الإسلامية التى انبثقت من حركة مجتمع السلم التى أسسها محفوظ نحناح ــ والتى تضم جبهة التغيير، وتجمع أمل الجزائر «تاج» ــ حول مسألة الانضمام إلى الحكومة. قاومت حركة مجتمع السلم، المقربة من الإخوان المسلمين والتى تحبذ اعتماد مقاربة معتدلة، النداء الذى وجهته الجبهة الإسلامية للإنقاذ من أجل الجهاد فى التسعينيات، وأدت بدلا من ذلك دور الجسر بين المعسكر الإسلامى والحكومة التى كانت جزءا منها بين العامين 1997 و2012. بعد ذلك، نقل زعيم حركة مجتمع السلم سابقا، أبو جرة سلطانى، الحزب إلى المعارضة وشكل تكتل الجزائر الخضراء مع حزبين إسلاميين آخرين، النهضة والإصلاح. بيد أن هزيمة الائتلاف فى الانتخابات فى عام 2012 أدت إلى انهياره، ما دفع بأعضاء حركة مجتمع السلم إلى استبدال سلطانى بعبدالرزاق مقرى الأقل ميلا إلى المساومة. أبقى مقرى على مسافة بينه وبين الحكومة معلنا مقاطعة الحزب للانتخابات الرئاسية فى العام 2014، لكنه أعاد النظر فى قرار المقاطعة لاحقا وأعلن رسميا مشاركة الحزب فى انتخابات الرابع من أيار/مايو المقبل.
كما تنص المادة 94 من قانون الانتخابات لعام 2016 على أنه يتعين على الأحزاب أن تكون قد حصلت على ما لا يقل عن أربعة فى المائة من الأصوات فى الاقتراع السابق كى تتمكن من تقديم قائمة مرشحين للانتخابات (أو أن تجمع 250 توقيعا عن كل مقعد فى كل واحدة من الدوائر الانتخابية، وهذا أمر صعب بالنسبة إلى الأحزاب الصغيرة ذات العدد المحدود من الأعضاء والموارد)، وعلى هذا الأساس، شكل مقرى تحالفا فى كانون الثاني/يناير 2017 مع الحزب الإسلامى الأصغر حجما، جبهة التغيير، مع التطلع إلى دمج الجبهة رسميا بحركة مجتمع السلم بعد الانتخابات. كان رئيس جبهة التغيير، عبدالمجيد مناصرة، مسئولا فى حركة مجتمع السلم التى غادرها لتشكيل حزبه الخاص فى العام 2009 على خلفية معارضته للدعم الذى قدمه سلطانى، رئيس حركة مجتمع السلم آنذاك، للإصلاحات الدستورية فى العام 2008، ولبقاء الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة فى الحكم لولاية ثالثة.
فى حين أن مقرى ومناصرة غير متحمسين لتقديم الدعم من تحالفهما للحكومة الجديدة، فإن الفصائل المقربة من سلطانى داخل حركة مجتمع السلم ــ حيث لا يزال سلطانى ناشطا ــ تؤيد هذا الخيار. فى الوقت الراهن، يبدو أن حركة مجتمع السلم وجبهة التغيير أبرمتا تسوية هشة عبر الدعوة إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية تشمل المعارضة، مع رفضهما الالتزام صراحة بالانضمام إلى الحكومة العتيدة.
***
أما عن حزب تجمع أمل الجزائر، بقيادة وزير الأشغال العامة سابقا عمار غول، والذى هو عضو فى الائتلاف الحاكم، يقول الكاتب: إنه أكثر وضوحا وصراحة فى دعمه للحكومة المنوى تشكيلها، ومن غير المرجح أن يغير موقفه بعد الانتخابات. غادر غول حركة مجتمع السلم فى العام 2012، عندما انتقل الحزب إلى المعارضة وشكل تكتل الجزائر الخضراء. تاج هو الآن حزب صغير جدا بالكاد يمكن تصنيف أيديولوجيته فى الخانة الإسلامية، وهو مستمر بفضل غول وعلاقاته الشخصية مع دوائر بوتفليقة.
يدور نقاش مختلف فى أوساط المعسكر الإسلامى الآخر الذى لم ينبثق من حركة مجتمع السلم، لا بل تعود جذوره إلى حركة النهضة التى أسسها عبدالله جاب الله. على الرغم من أن جاب الله رفض الانضمام إلى الجبهة الإسلامية للإنقاذ فى التسعينيات وشجب لجوء الميليشيات الإسلامية إلى العنف، إلا أنه لطالما كان أقل مرونة من نحناح تجاه النظام. وقد اعتمد استراتيجية تقوم على ملء المساحة الواقعة بين نحناح المعتدل والجبهة الإسلامية للإنقاذ، محاولا استقطاب أنصار الجبهة عبر تبنى أيديولوجيا أكثر تشددا من حركة مجتمع السلم ورفض أى عرض للانضمام إلى الحكومة. يرأس جاب الله حاليا جبهة العدالة والتنمية التى أسسها فى العام 2012 بعد طرده من النهضة وحزب الإصلاح إبان ثورات داخلية على ما اعتبر أسلوبه السلطوى فى إدارة الحزبين. ونظرا إلى عدم امتلاك النسبة المئوية المطلوبة للترشح فى الانتخابات، عمد جاب الله فى كانون الثانى/يناير 2017، إلى تشكيل ائتلاف مع النهضة التى كان ينتمى إليها سابقا، والتى يرأسها الآن محمد دويبى، ومع حركة البناء الوطنى التى انشقت عن حركة مجتمع السلم ويقودها أحمد الدان. موقف التحالف واضح إلى حد كبير: يريدون المشاركة فى الاقتراع، لكن فى حال فوزهم بمقاعد، فسوف يكون نوابهم جزءا من المعارضة.
***
أما فى ما يتعلق بالجبهة الإسلامية للإنقاذ المنحلة، فلا يسمح لمسئوليها بالترشح فى الانتخابات. فبعد حصولها على أكثر من ثلاثة ملايين صوت فى العام 1992 ــ على سبيل المقارنة، حلت جبهة التحرير الوطنى فى المرتبة الأولى فى العام 2012 مع 1.3 مليون صوت فقط ــ وقع انقلاب عسكرى وكانت نتيجته القضاء على الجبهة. فى حين أنه يستحيل تقدير عدد الأشخاص الذين لا يزالون يدعمون الجبهة بعد الحرب الأهلية فى التسعينيات، يرغب عدد كبير من السياسيين الإسلاميين فى استقطاب هذه القاعدة الانتخابية غير المستغلة التى حاولوا التودد إليها فى السابق، إنما من دون جدوى.
خلال العقد المنصرم، قام المسئولون السابقون فى الجبهة الإسلامية للإنقاذ بمحاولات غير ناجحة فى محاولة منهم لاستعادة حضورهم وحقهم فى التنظيم. فى حين تفضل القوى الإسلامية الأخرى، لا سيما الدعاة السلفيين، الابتعاد عن السياسة الحزبية. ورفضهم للانخراط السياسى وتركيزهم على احترام السلطات بغض النظر عن توجهها الأيديولوجى يتيحان للنظام أن يزيد من عزلة الأعضاء السابقين فى الجبهة الإسلامية للإنقاذ المنحلة، وأن يحصل على الدعم الضمنى من آلاف الجزائريين. وفى مقابل هذا الدعم، يتمكن السلفيون من التأثير فى السياسة الدينية للحكومة ــ وخير دليل على ذلك حملة القمع التى شنتها السلطات أخيرا ضد الجماعة الأحمدية المسلمة التى يدينها السلفيون على اعتبار أنها مذهب شيعى.
يختتم الكاتب بأنه على ضوء هذه الانقسامات بين الإسلاميين فى الجزائر وعجزهم عن رص صفوفهم من أجل طرح بديل عن الوضع القائم، تبقى حظوظهم بالنجاح فى الانتخابات محدودة، خلافا لما هو الحال عليه فى تونس والمغرب المجاورين.
النص الأصلى: