23 يوليو لنتذكر ونعتبر - سمير عليش - بوابة الشروق
السبت 7 يونيو 2025 9:43 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

23 يوليو لنتذكر ونعتبر

نشر فى : الجمعة 24 يوليه 2015 - 8:55 ص | آخر تحديث : الجمعة 24 يوليه 2015 - 8:55 ص
أظن أن الكثيرين منا عبر السنوات قد شارك فى حوارات عن الضرورات التى أدت إلى تلك الثورة ومدى مسئوليتها عن الأوضاع البائسة (فى قول البعض) التى صار اليها مجتمعنا المصرى. ويقينى ان تشكيل مستقبل مصر بعد ثورة 25/30 يتطلب منا استخلاص العبر من مسار ثورة يوليو.

وردا على التساؤل عن الضرورات رأيت المشاركة بالرأى عبر منظور شخصى.

لقد عشت مرحلة الدراسة الابتدائية مع والدى (المهندس) فى بعض من المستعمرات colonie (ومدارسها الكاثوليكية) التى أنشأتها شركة السكر بالصعيد بعد انتقال ملكيتها للفرنسيين 1892 سدادا لديون مصر (الخصخصة الاولى)، ثم بعد اقتراب روميل من الاسكندرية 43 تم بيعها إلى عبود باشا مع استمرار الإدارة الأجنبية. تلك المرحلة قضيتها فى مجتمع لا يتكلم العربية إلا لماما / يحتفل بعيد الثورة الفرنسية 14 يوليو / لا يرفع العلم المصرى / لا يستطيع مأمور المركز الدخول إلى المستعمرة الا بتصريح من المدير الأجنبى.

وفى صيف 1948 دوت صفارات الإنذار لغارة جوية (من العدو الصهيونى) على القاهرة وكنت مع العائلة فى سينما الأزبكية، وتعرضنا للاعتداء من العامة لظنهم أننا يهود .وقد صدمنا هذا الحدث لكون طبيب العائلة يهودى، وبالجوار كانت المدرسة الإسرائيلية والمستشفى الإسرائيلى والمعبد اليهودى.

وقد تفهمت أن محتلنا البريطانى هو السبب فى خلق تلك الدولة الصهيونية اليهودية الساعية للسيطرة على كل الأراضى من النيل للفرات وهدم المسجد الاقصى وبناء الهيكل، باستخدام افظع الاساليب الإرهابية وبتأجيج الصراعات الدينية.

ولمست الغضب على الملك وأعوانه والمحتل لتسببهم فى هزيمة الجيش المصرى نتيجة صفقة الأسلحة الفاسدة، وأداء الجيش الأردنى تحت القيادة الإنجليزية.

***

وفى المرحلة الثانوية ألحقت بمدرسة فاروق الأول الثانوية بالعباسية – القاهرة وبعد سنتين انتقلت إلى مدرسة كوم أمبو ثم إلى أسوان. وخلال تلك المرحلة عاصرت المظاهرات الحزبية والإضرابات العمالية وسمعت عن التعذيب فى السجون والعسكرى الأسود، وطرح المدرسون علينا الايدولوجيات «الإسلامية / الشيوعية»، للتخلص من الاحتلال ومن أعوانه وتصرفاتهم الماجنة رغم معاناة 95% من المجتمع من «الفقر، الجهل، المرض. وأخيرا وليس آخرا لاحظت التمييز الواضح (المهين) لصالح الأجانب ومعتقداتهم (البعثة التبشيرية فى اسيوط) ثم لبعض فئات المصريين.

وتنامى إلى مسامعى ووقعت عيناى على حقائق الحياة البائسة للعمال والفلاحين وعائلاتهم. اما عن الممارسات الرأسمالية / الاحتكارية والفاسدة فحدث ولا حرج.

وتعمق فى ذهنى ان مظاهر الديمقراطية والليبرالية والانتخابات ما هى إلا مظاهر خادعة يتحكم فيها مستعمر ونظام ملكى عميل له اجهضوا أهداف ثورة 1919. وتردد على مسامعى أن الحراك الوطنى لم (ولن) يهدأ لمحاولة تحقيق أهداف الأمة عبر المفاوضات والاتفاقيات واستمرار نضال الطلبة والعمال والمثقفين. وقد تأجج هذا الحراك فى مارس 1950 بعد إلغاء اتفاقية 1936 واعتبار القوات البريطانية المرابطة على طول قناة السويس قوات احتلال. فاشتعلت المقاومة المسلحة بالتعاون بين ضباط الجيش وشباب التيارات السياسية. ثم كان يوم 25 يناير 1952 المشهود بالمواجهة غير المتكافئة بين الجيش الإنجليزى والبوليس المصرى بالإسماعيلية.

فاندلعت المظاهرات الصاخبة ضد الاحتلال واعوانه وادت إلى حريق القاهرة بفعل القصر وداخليته، فأعلنت حالة الطوارئ وتغيرت الوزارات مستهدفة الإجهاض الكامل للحراك الوطنى .

وفى تلك الأجواء تم إلقاء البيان الأول لثورة 23 يوليو الذى تلقفته معظم الجماهير المصرية بسعادة بالغة للكرامة المستردة وتطلعا إلى الحرية والأمل فى مستقبل أفضل، واعلنت ترحيبها بمبادئ الثورة الستة وتأييدها لتنظيم الضباط الاحرار ثم اصطفافها وراء جمال عبدالناصر.

***

اما عن الإنجازات والانتكاسات والعبر فلا شك أن انجازات تلك الثورة لم تقتصر على الإنجازات المحلية بل تعدتها إلى إنجازات عربية وافريقية واسلامية وعالمية لا يمكن حصرها فى حدود كلمات تلك المقالة.

لقد أنجزت الثورة على الصعيد المحلى تحرير الوطن عسكريا عبر جلاء المستعمر الإنجليزى بعد 75 عاما من احتلاله مصر والسودان وان يحكمها مصرى بعد 1500 عام. وتحرير الوطن اقتصاديا واجتماعيا (الذى ألحق الضرر ببعض المواطنين) عبر استقلال القرار الوطنى وتأميم قناة السويس وبناء السد العالى ومئات المصانع وتكوين البنك المركزى وتأميم البنوك والتوكيلات الاجنبية والقضاء على الإقطاع.. الخ / وتحرير الوطن ثقافيا عبر نشر وإعلاء شأن اللغة العربية بفرضها على كل المصالح والشركات وتدريسها فى جميع المدارس الأجنبية وعبر تعميق الوعى بالقومية العربية والروابط الإسلامية والإفريقية، وانشاء ودعم الجامعات والمراكز الثقافية والمعاهد المهنية / وقد حققت الثورة ايضا العدالة الاجتماعية للمواطن «التعليم، الصحة، العمل، السكن... الخ» .

بالرغم من تلك الإنجازات فقد انتكست حرية الوطن حينما احتلت إسرائيل سيناء فى 5 يونيو ومازالت آثار تلك الانتكاسة ماثلة أمامنا حتى اليوم، وفقدنا استقلال القرار الوطنى (كامب ديفيد) بانعكاساته المحلية والإقليمية والعالمية. وانتكست ايضا السياسات التى استهدفت التعاون بين شركاء الوطن «المسلمين / المسيحيين» / العدالة الاجتماعية / التنمية الاقتصادية، على أثر التغييرات التى أعلنها الرئيس السادات فى 15 مايو والمستمرة تداعياتها حتى تاريخه حتى وصلت الدولة إلى حالة الشيخوخة والترهل (حسنين هيكل) .

وأرى أن اسباب تلك الانتكاسات تتمحور حول اعتماد ثورة 23 على: القيادات الديكتاتورية المتتالية «الملهمة، المؤمنة، الحكيمة» / إعلام موجه / مجتمع مدنى ضعيف / اماتت السياسة والاحزاب التى كانت مظلة لتعاون المسلمين والمسيحيين / إسكات المعارضة بكل توجهاتها السياسية / اعطاء إجازة للقانون / الطوارئ / لا يعلو صوت على صوت المعركة مع اعداء الخارج و(أو) ارهاب الداخل. وإجمالا فى تغيب مبدأين من مبادئ الثورة الستة وهما :

• الخامس: وضع نظام ديمقراطى سليم أى تحرير المواطن سياسيا (دستور ملتزم به / وعى وتعليم وتربية / مجتمع مدنى فعال / أحزاب نشطة / مواطنة كاملة / مراعاة حقوق الانسان / مؤسسة عدالة ناجزة / حرية تداول المعرفة والمعلومات / قوانين انتخابات سليمة) واظن ان هذا النظام كان قادرا على التصدى: للتجاوزات المشينة فى حقوق الإنسان والمواطنة على مدى عشرات السنوات.. وللقرارات المصيرية كقرار سحب قوات الأمم المتحدة من خليج العقبة والتى ادت إلى حرب 67.. وللقرارات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التى اتخذها السادات ومبارك بعد 15 مايو 71 .

• السادس: بناء جيش قومى قوى (لا ينشغل بالحياة المدنية والسياسية وخاصة ما حدث خلال الفترة من 62، 67) [الأمر الذى كان قد يقينا من انتكاسة 5 يونيو ومن ما يحدث حاليا فى سيناء والمنطقة العربية] .

***

وأنهى كلماتى بأن أهم عبر ثورة 23 التى يمكن الاستفادة بها لبناء مصر المستقبل 25/30 [أن تحرير الوطن / التنمية (بٍالمشروعات الكبرى) / العدالة الاجتماعية / الاصطفاف شعبيا وإعلاميا وراء الرئيس / القبضة الأمنية ليست بديلا عن تحرير المواطن سياسيا / تكريس الجيش لمهامه الاساسية].

ناشط فى المجال العام
سمير عليش  ناشط في مجال الشأن العام
التعليقات