شهر الجهاد - شوقي علام - بوابة الشروق
السبت 10 مايو 2025 9:21 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

شهر الجهاد

نشر فى : الخميس 25 يونيو 2015 - 10:45 ص | آخر تحديث : الخميس 25 يونيو 2015 - 10:45 ص

يشهد التاريخ الإسلامى، أنه ما من شهر شهد معارك وانتصارات للمسلمين مثلما شهد شهر رمضان المبارك، وهو تشريف يُضاف إلى هذا الشهر الكريم، فوق تشريفه بنزول القرآن الكريم، وبدء نزول الوحى على نبينا «صلى الله عليه وسلم».
إن ارتباط الجهاد عموما بشهر رمضان هو ارتباط تواد وتآلف؛ فكلاهما يعلمنا الصبر والتضحية والمجاهدة، والبعد عن الشهوات والملذات، حتى إن أحد العوامل الحاسمة فى اختيار الرسول «صلى الله عليه وسلم» لقادة جيوشه، كانت فى قدرته على تحمل الجوع والعطش، إذ يروى أن الرسول

«صلى الله عليه وسلم»، قد أرسل جماعة من أصحابه لغزو فاختلفوا ورجعوا قبل أن يغزوا، فلما رآهم النبى غضب وقال: «ذهبتم جماعة وجئتم متفرقين، لأبعثن عليكم رجلا ليس بخيركم، أصبركم على الجوع وأصبركم على العطش»، فالصوم والجهاد رفيقان، فلا عجب إذن أن يحفل رمضان بكثير من الانتصارات والفتوحات والمعارك التى كان لها أعظم الأثر فى تغيير مجرى التاريخ.

وأهم هذه الانتصارات العظيمة، هى غزوة بدر الكبرى، تلك الغزوة التى وقعت فى السابع عشر من شهر رمضان المبارك، فى السنة الثانية من الهجرة، وقد انتصر فيها المسلمون انتصارا ساحقا على أعدائهم، بالرغم من ضعف مؤونتهم وقلة عتادهم، مؤيدين بمدد السماء، ووعد الله سبحانه لهم بالنصر المبين «أُذِنَ لِلَذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَ اللَهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ». «الحج: 39».

وفى السنة الثامنة من الهجرة فى اليوم العاشر من رمضان كان فتح مكة، المعقل الأكبر للشرك وقتئذ، ذلك الفتح العظيم الذى قضى على الأوثان والشرك فى مكة تماما، والذى دخل الناس على إثره فى دين الله أفواجا، كما بدأت به ما يمكن أن نطلق عليه مرحلة عالمية الدعوة، وذلك ببعثات الرسل التى أرسلها الرسول «صلى الله عليه وسلم» إلى البلدان المجاورة.

وفى عهد الدولة المملوكية، استطاع سيف الدين قطز والظاهر بيبرس، صد الهجمات المغولية الهمجية التى اجتاحت مساحات واسعة من العالم الإسلامى، وكان ذلك فى الخامس والعشرين من شهر رمضان عام 658هـ، وهى من أهم وأشهر المعارك الإسلامية التى يحفظها لنا التاريخ.
وفى العصر الحديث، انتصرت قواتنا الباسلة فى حرب العاشر من رمضان عام 1973م، وكان انتصارا مدويا، حطم به جيشنا المصرى أسطورة الجيش الإسرائيلى الذى لا يقهر، وأوقف مطامعه فى البلاد، وأضاف بهذا النصر مزيدا من المجد والتشريف لهذه الأمة.
ولا يتسع المقام للسرد التفصيلى لجميع الانتصارات التى حققها المسلمون فى هذا الشهر العظيم، ومن شاء المزيد فعليه مراجعة صفحات تاريخه المشرقة، تلك التى كتبها المسلمون بثباتهم وصبرهم وإيمانهم، ثم ليقارن بين هذا الواقع المجيد وما آل إليه حال الكثير من المسلمين اليوم إلا من رحم ربى.

إنه مما يؤسف له أن هذا المفهوم قد انقلب فى نفوس كثير من المسلمين اليوم، فبعد أن كان شهر رمضان هو شهر العمل والكفاح والجهاد والتضحية، أصبح شهرا للدعة والراحة والكسل، بل وفضول النوم والطعام، وهو انتكاس خطير فى المفاهيم، منذر بسوء العاقبة إن لم يُتدارك ويُنتبه له.
إن الهدف الأساس من الصيام ليس هو إرهاقك وإعياؤك أيها الإنسان، حتى تستسلم لحياة الخمول والكسل والدعة، فلم يخلقنا الله سبحانه ليعذبنا وإنما ليهذبنا، والصيام منحة إلهية للشحن الروحانى للفرد والأمة، إنها منحة ربانية تصلنا جميعا بأبواب السماء، والسعيد من استقبل تلك النفحات المباركة بالعمل والبناء والارتقاء، ومن علت همته قارب بلوغ بغيته، ومن جد فى السعى والعمل بَلَغَه الله المنى والأمل.

شوقي علام مفتي الديار المصرية
التعليقات