نتنياهو فى مواجهة الجنرالات - يحيى عبدالله - بوابة الشروق
الإثنين 17 يونيو 2024 6:32 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نتنياهو فى مواجهة الجنرالات

نشر فى : الأحد 26 مايو 2024 - 8:20 م | آخر تحديث : الأحد 26 مايو 2024 - 8:20 م

لا تستهوينى الكتابة فى السياسة، لأنها أشبه بالرمال المتحركة. هبَّة هواء خفيفة قد تجعل عاليها سافلها، وتزحزح اليمين إلى اليسار، واليسار إلى اليمين، وتعيد خلط الأوراق. ليس فيها عداوات دائمة، ولا صداقات أو تحالفات دائمة، أيضا. فيها منافع، ومصالح متبادلة فقط.
كان لزاما علىّ أن أنوه إلى هذه البدهيات، فى بداية المقال، حتى لا نغرق فى أوهام. حتى لا نستنتج استنتاجات خاطئة. حتى لا يتصور أحدٌ، ممن تابعوا الانتقادات، المبطَّنة، والصريحة، واللاذعة، بل وحتى الإنذارات، من كبار قادة الجيش الإسرائيلى لرئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، خلال الفترة الأخيرة، أنها مقدمة للإطاحة به من سدة الحكم.
هذا تصور غير صحيح، لأن اللعبة السياسية فى إسرائيل، تحكمها قواعد وأُطر راسخة، متفق عليها، سلفا، لا يخرج عليها أحد. هم يطالبونه باتخاذ قرار حاسم فيما يتعلق بمسألة «اليوم التالى» للحرب. فعل هذا عضو مجلس الحرب، وزير الدفاع السابق، بنى جانتس، الذى هدد بانسحاب حزبه (المعسكر الرسمى) من الائتلاف الحاكم، إذا لم يلب نتنياهو بعض الشروط (يتعلق معظمها بمسألة «اليوم التالى») حتى الثامن من شهر يونيو المقبل، وفعل ذلك رئيس الأركان الحالى، هرتسى هليفى، فى رسالة وجهها إليه، عبر تدوينة على موقع «إكس»، قال فيها: «أنت تريد مواصلة العمل العسكرى لأنك لا تتخذ قرارات»، وفعل هذا الرئيس السابق لشعبة العمليات بالجيش، الجنرال، جادى شمنى، الذى اتهمه «بتعريض الجنود للخطر لأسباب سياسية حزبية»، وكان آخرهم، وزير الدفاع الحالى، يوآف جالانت، الذى عقد مؤتمرا صحفيا، دراماتيكيا، فى الخامس عشر من شهر مايو 2024م، حذّر فيه من أنه لن يستمر فى منصبه إذا كان هناك حكمٌ عسكرى إسرائيلى فى قطاع غزة، مشيرا إلى أن «السلوك الحالى (لنتنياهو وللعناصر الأكثر تطرفا فى الحكومة) يدفع فى اتجاه حكم عسكرى ومدنى فى غزة، وهو أمر خطير، سيكلفنا ثمنا فادحا من الدماء والأموال. منذ أكتوبر وأنا أطرح الموضوع على الكابينت دون رد. يجب أن يكون هناك عمل سياسى بعد انتهاء العمل العسكرى».
• • •
يشير، رون بن يشاى، كبير المحللين العسكريين، فى صحيفة، «يديعوت أحرونوت»، إلى أن السبب الملح الذى دفع جالانت إلى عقد هذا المؤتمر الصحفى هو، أن «أعضاء الكابينت (المجلس الوزارى السياسى/الأمنى المصغَّر) من حزبى، «قوة يهودية»، و«الصهيونية الدينية»، بدعم من بعض وزراء الليكود، يضغطون على نتنياهو من أجل الإعلان عن إقامة حكم عسكرى فى غزة الآن، وأنه لا يستجيب لهم حتى الآن، لكنه يخشى من أن يقول لهم «لا» صريحة، أيضا. وتذهب، موران أزولاى، إلى أن نتنياهو، نفسه، «يدفع، قولاً وفعلاً، فى اتجاه إقامة حكم عسكرى إسرائيلى فى غزة، دون أن يعلن عن ذلك بشكل رسمى، وهو ما لا يقبله جالانت». يتذمر قادة المؤسسة العسكرية من رفض نتنياهو مناقشة مسألة «اليوم التالى» لأسباب سياسية حزبية وشخصية، ومن نيته إقامة حكم عسكرى إسرائيلى فى قطاع غزة، أو، بالأحرى، احتلاله، ومن تعمده إطالة أمد الحرب، سواء فى غزة، أم فى لبنان، لأسباب منها، بحسب آفى يسساخاروف، فى «يديعوت أحرونوت»: «إنه لا يريد أن يصل إلى وضع، يُضطر فيه إلى الذهاب إلى انتخابات (بعد انتهاء الحرب، سيخسرها، ويفقد منصبه وائتلافه الحالى، طبقا لكل استطلاعات الرأى حتى الآن)، ومن أجل تجنب الدخول فى مواجهة مع شركائه فى الائتلاف الحكومى من اليمين المتطرف» (من أمثال، إيتمار بن جفير، زعيم حزب «قوة يهودية»، وبتسلئيل سموتريتش، زعيم حزب «الصهيونية الدينية»، فضلا عن بعض وزراء حزبه، هو، الليكود، الذين لا تختلف توجهاتهم الأيديولوجية عن توجهات بن جفير وسموتريتش، وما أكثرهم)، الذين يطالبون باحتلال قطاع غزة وبحكم عسكرى إسرائيلى له، ليس لأسباب عسكرية موضوعية، كما يقول، رون بن يشاى، وإنما «لأسباب استيطانية بحتة»، وهو ما عبَّر عنه، بتسلئيل سموتريتش، فى أكثر من مناسبة، حين نادى بإعادة احتلال القطاع وبحكمه حكما عسكريا، وبفتح الطريق أمام إعادة استيطانه من جديد، كما كان عليه الأمر قبل الانسحاب منه فى عام 2005م.
• • •
من الواضح، أن بنيامين نتنياهو ملتزم، حتى الآن، بموقف هؤلاء الشركاء، لأنه لا مستقبل سياسيا له، بدونهم، والدليل على ذلك، أن كل القرارات التى اتخذها فى الفترة الأخيرة، توافقت، تماما، مع توجهاتهم. لا يرفض نتنياهو، خلافا لوزير الدفاع، جالانت، وكبار المسئولين فى المؤسسة العسكرية، بحسب، رون بن يشاى، أن يكون هناك حكمٌ عسكرى إسرائيلى فى القطاع، لفترة زمنية قصيرة، يدير الحياة المدنية، أيضا، لسكانه إلى أن يُقضَى، بشكل نهائى على حماس، عسكريا ومدنيا، ثم تحل محل الجيش قوة عربية ـ أمريكية، يعمل تحت إشرافها جهاز إدارى من سكان غزة ليسوا مؤيدين لحماس، وهو ما عبَّر عنه مؤخرا فى حديث أجرته معه شبكة «سى. إن. بى سى» الأمريكية: «أريد أن تكون هناك إدارة مدنية فى غزة مع مسئولية عسكرية إسرائيلية، بمعنى، أن تبقى المسئولية العسكرية الشاملة بيد إسرائيل من أجل ضمان الأمن». يرفض نتنياهو وشركاؤه الطبيعيون من المتطرفين كل الحلول البديلة للحكم العسكرى للقطاع، مثل إشراك السلطة الفلسطينية فى حكم غزة، لزعمه بأنها تشكل تهديدا لإسرائيل مثل «حماس»، فى نظره، (له فى هذا الصدد مقولة شهيرة ما يفتأ يرددها: «لن أستبدل فتحستان بحماسستان»)، وهو زعم يدحضه واقع التنسيق الأمنى بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية فى الضفة الغربية المحتلة ضد نشطاء المقاومة الفلسطينية.
• • •
فى المقابل، يتبنى جالانت، وكل كبار المسئولين فى المؤسسة العسكرية موقفا لا يرى بأسا فى إشراك السلطة الفلسطينية فى حكم القطاع ويرون أنه الخيار الوحيد الوجيه، فى واقع الأمر، ويرفضون حكم القطاع، عسكريا، لاعتبارات أمنية واقتصادية. فقد قدَّرت وثيقة، أعدتها وزارة الدفاع الإسرائيلية، نشرها، إيتمار آيخنر، فى «يديعوت أحرونوت»، أن «تكلفة إقامة حكم عسكرى فى قطاع غزة، تصل إلى نحو 20 مليار شيكل فى السنة، بالإضافة إلى تكلفة إعادة إعمار القطاع (من بنى تحتية، ومستشفيات، ومدارس، وطرق، وبنى تحتية للحكم العسكرى نفسه)، ونشر أربع فرق هجومية، وأخرى دفاعية فى القطاع، وزيادة حجم قوات الاحتياط»، وانتقدت الوثيقة، المسرَّبة، هذا التوجه، ورأت أنه سيؤثر على المواجهة الدائرة الآن مع حزب الله على الجبهة الشمالية، وعلى المواجهة المفتوحة مع إيران، ويحول إسرائيل، من الناحية القانونية الدولية، إلى قوة احتلال فى القطاع، يتعين عليها أن توفر كل متطلبات الحياة لنحو 2.5 مليون فلسطينى وفلسطينية مما قد يؤدى إلى انهيار الاقتصاد الإسرائيلى، فضلاً عما سيحدثه ذلك من زيادة فى حدة الانقسام بالمجتمع الإسرائيلى، أو ما تسميه، رافيت هخت، فى «هآرتس»، بـ الاحتراب الداخلى، الذى «ستحدد مسارات تطوره وتصاعده ما إذا كانت إسرائيل سيُكتَب لها البقاء أم لا»، مشيرة إلى أنه احتراب «غير قابل للحل أو التسوية»، يدور بين معسكرين: «معسكر اليمين المتطرف، المكوَّن من أنصار الحاخام العنصرى المتطرف، الراحل، ميئير كهنا، من أمثال إيتمار بن جفير وبتسلئيل سموتريتش، وأنصار بيبى نتنياهو من غلاة المتطرفين فى حزب الليكود، والمتدينين المتشددين الأرثوذكس من الحريديين، الذين يطالبون بطرد الفلسطينيين وبما هو أكثر من ذلك فى بعض الأحيان، من جانب، ومعسكر الوسط ـ اليسار، الذى يطالب بوقف الحرب وببلورة حل سياسى يقترن بتسوية إقليمية، من جانب آخر».
• • •
هذا هو جوهر الصدام الحالى بين بنيامين نتنياهو ومعسكره، وجالانت وجنرالات المؤسسة العسكرية. فلمن ستكون الغلبة فى نهاية الأمر؟ ليس من الواضح كيف سينتهى الصدام، وكيف سيمنع جالانت وجنرالات الجيش نتنياهو من إقامة حكم عسكرى فى غزة؟ ظاهريا، يبدو أن معسكر نتنياهو وشركائه من غلاة المتطرفين لهم اليد الطولى بسبب تمثيلهم الأكبر فى الحكومة، وفى البرلمان الإسرائيلى (64 عضوا من مجموع 120، أى أغلبية مريحة)، لكن رفض وزير الدفاع لمسألة الحكم العسكرى لغزة، ومن خلفه معظم قادة المؤسسة العسكرية، ومجاهرته بهذا الرفض على رءوس الأشهاد، سيضع نتنياهو فى ورطة كبيرة مع المؤسسة العسكرية، خاصة وأن تقديراتها، بعد مرور أكثر من مائتى يوم على الحرب، تشير إلى أن الإنجاز العسكرى سيكون محدودا، حتى فى رفح، وسيكون مكلفا، وأن حماس لن تباد ولن يتحقق «نصر مؤزر»، كما يردد نتنياهو، وسيضعه فى ورطة مع جزء كبير من الجمهور الإسرائيلى، ومع جزء، حتى، من الليكوديين أنفسهم أيضا، ممن لا يشاطرون المتطرفين والحريديين أوهام الاستيطان فى غزة، وسيضعه فى ورطة مع مصر ومع أمريكا، الداعم الأكبر لإسرائيل، ومع العالم بأسره.

يحيى عبدالله أستاذ الدراسات الإسرائيلية بجامعة المنصورة
التعليقات