تجار الأزمات - محمد مكى - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 4:58 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تجار الأزمات

نشر فى : السبت 28 مارس 2020 - 9:10 م | آخر تحديث : السبت 28 مارس 2020 - 9:10 م

..فى وقت يتألم فيها الجميع، ورائحة الموت تزكم الأنفاس، والبحث عن بصيص أمل ودواء حلم يراود الناس، مع اليقين برحمة الله، تجد بعض الناس تستغل الأزمة التى تهدد البشرية فى تحقيق مصالح ومكاسب صغيرة، أثبتت أزمة فيروس «كورونا» أنها لن تفيد حتى لو بلغت أطنانا من الأموال.
للأسف الشديد شهدت السوق المصرية خلال الأسبوع الماضى، تحركا لسوق العملة غير الرسمية، وإن كان محدودا وتحت مجهر «الرقيب»، إلا أنه ينمُّ عن خصال غير إنسانية مليئة بالجشع، فى وقت تحاول الدولة بشتى الطرق تأمين حاجات الناس، تجد فئة باغية امتلأت بطونهم بالمال الحرام، ويأبون أن يتوبوا حتى فى وقت أصبح الموت قريبا أكثر مما يظنون، مستغلين أوضاعا عالمية للضغط على مقدرات الدولة، فقد نجح المركزى فى كبح جماح العملة خلال الفترة السابقة للأزمة، ولولا أزمة الأسواق الناشئة العام الماضى للحقت العملة الوطنية قفزات فى سعر الصرف أمام العملات الأجنبية.
ليسوا وحدهم تجار السوق السوداء فى العملة فقط، فقد ظهروا مستغلين للأزمة فرفعوا أسعار السلع الأساسية والمنظفات والمطهرات والمستلزمات الطبية، وهو ما يحتاج إلى تدخل حكومى حازم لتصويب المسار، واتباع نهج البنك المركزى فى غلق الصرافات التى تعمل فى عمليات غير شرعية، وسحب التراخيص، وياحبذا لو قامت الدولة بتشميع تلك الشركات ومحال التجار ممن يستغلون الموقف.. فما أحوج المصريين فى الوقت الحالى إلى مسكنات تضمد الجراح فى وقت العالم كله يحتاج إلى من يحنو عليه.
إن كنا مع حرية السوق وضد التسعير الجبرى لكن نحن فى أشد الاحتياج إلى اقتصاد «منضبط». ففى الوقت الذى تجد محاولات إنسانية تفرح القلوب تجد مقابلها للأسف من يستغل الأزمة فى أبشع صورها.. قانون الطورئ نتحفظ عليه من حيث المبدأ، لكن أمام تلك الفئة المستغلة نعزف مع الدولة أن فلسفته تأتى لتأمين حياة الناس، مع التأكيد على أن الجميع فى مركب واحد، ووجوبية السمو عن أى خلاف سياسى طالما يراعى المعايير الأخلاقية والإنسانية التى صارت أساسيات وليست ترفا.
الأزمة أيها المستغلون هدمت اقتصاديات وبورصات وقصورا وهددت عروشا، وأكدت أن التكافل الاجتماعى والحقوق المتساوية فى العلاج والعيش المشترك، طوق نجاة للبشرية. فحتى لو حققت مكاسب وقتية لن تفيدك فى وقت فقد أكبر اقتصاد فى العالم 50% من قيمته وانضمت ملايين لطابور البطالة، فما بالك ببلدان مثلنا تحاول البحث عن طوق نجاة، لا تكاد تخرج من أزمة إلا قابلتها أخرى وظن من عليها أن الإفاقة والسعادة مرادف للغول والعنقاء والخل الوفى.
إن كان العالم يتحدث عما بعد أزمة «كورونا» من تغييرات فى أماكن النفوذ ومسارات الاقتصاد وصراعات الحضارات وعلم الفيروسات، فلسنا على مستوى الأفراد أحق بأن نقوِّم إعوجاجنا بعد أن أصبحنا فى معتقلات إجبارية، ونلفظ الحب الجمَّ للأموال التى لن تطيل عمرنا.. ولكم عبرة فى المافيا الإيطالية التى تبرعت بمليارات الدولارات لإنقاذ الاقتصاد القومى.
بعيدا عن «الكوميكس» والسخرية التى دأبنا عليها من أداء الحكومات المتعاقبة، هناك للحق أداء جيد ومتوزان من أجهزة الدولة المختلفة، يتناغم مع الأزمة بشكل كبير، ويشعرك بأنه أداء مدرب وطنى بعقلية أجنبية.. لكن هناك بعض الروتوش تحتاج إلى معالجة، منها الزحام الشديد فى وسائل المواصلات، خاصة فى الساعات السابقة مباشرة لوقت الحظر قبل السابعة مساء، وتدابير موارد لمحدودى الدخل، مع التفكير فى إعفاء المواطنين من فواتير المياه والكهرباء والغاز لمدة شهر أو شهرين على الأقل.. وسط جهود فردية ومؤسسية تجعلنا نطمئن أن فجرًا قريبًا سيأتى، وإنْ سبقه ظلام دامس، الدروس منه لن تنتهى.

التعليقات