الببلاوي يروي ذكرياته من ثورة 1952 إلى 2013 - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 11:05 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

رئيس وزراء مصر السابق كنت أميل لنجيب وأتخوف من عبد الناصر.. والبرادعي أبلغني باختياري لرئاسة الحكومة

الببلاوي يروي ذكرياته من ثورة 1952 إلى 2013

د. حازم الببلاوي
د. حازم الببلاوي
الشرق الاوسط
نشر في: الإثنين 1 سبتمبر 2014 - 4:30 م | آخر تحديث: الإثنين 1 سبتمبر 2014 - 5:14 م

يجلس رئيس وزراء مصر السابق، الدكتور حازم الببلاوي، خلف مكتبه، ويراجع ترجمة أحد الكتب الاقتصادية من اللغة الإنجليزية إلى العربية. الهموم بالشأن العام هي الهموم، منذ أن كان يدرس الحقوق والاقتصاد أيام ثورة 1952، وحتى تقاعده من العمل رئيسا للحكومة قبل نحو شهرين.

فالرجل تولى المسؤولية في مرحلة صعبة ودقيقة في تاريخ مصر، فبعد عزل الرئيس السابق محمد مرسي، أبلغه صديق الأسرة، الدكتور محمد البرادعي، أنه وقع عليه الاختيار لهذا الموقع، وأن عليه أن يتوجه إلى القصر الجمهوري لمقابلة الرئيس عدلي منصور وقتها.كان الآلاف من جماعة الإخوان وأنصارها يحتلون ساحتين رئيستين، هما ساحة «رابعة العدوية» في شرق القاهرة، وساحة «النهضة» في غرب العاصمة.

وكانت الوفود الأجنبية تأتي وتذهب في محاولة لإيجاد حل وسط بين الجماعة التي كانت ترفض الحوار، وتصر على عودة مرسي للحكم، والدولة التي كانت تحاول تجنب الصدام مع اعتصامي «الإخوان»، وفي الوقت نفسه تسعى لاستعادة هيبتها وقدرتها على إنفاذ القانون وإخلاء الشوارع، خاصة بعد أن زاد زعماء المتشددين من لهجة التحدي والتهديد بحرق مصر.

كانت مرحلة صعبة، استعان فيها الرجل البالغ من العمر 77 عاما بخبراته الإدارية والتنفيذية، من خلال مدد عمله في الأمم المتحدة وغيرها، ومن خلال نظم الحكم التي مرت على مصر، منذ تولى محمد نجيب الرئاسة، حيث كان الببلاوي يميل إليه في البداية أكثر من خلفه جمال عبد الناصر، ويقول إنه كان يتخوف من أن يحول الأخير الدولة إلى الحكم العسكري.

وحين تولى الرئيس الأسبق حسني مبارك الحكم في مطلع ثمانينات القرن الماضي كان الببلاوي رئيسا لبنك الصادرات، ويشارك في بعض اجتماعات اللجنة الاقتصادية في الحكومة. ويرى أن مبارك سار في سياساته على طريق سلفه الرئيس الراحل أنور السادات، واستكمل مشروعه، إلا أنه قال إن السادات كانت لديه قدرة على الخلق والابتكار ويتخذ مبادرات ويرتكب أخطاء مثل كل الناس.

ويقول الببلاوي إن الرئيس منصور حين كلفه تشكيل الوزارة، بعد نحو أسبوع من عزل مرسي، قال له إن لديه مطلق الحرية في اختيار الشخصيات التي ستتولى كل وزارة من وزارات الحكومة، مشيرا إلى أن اختياره للرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، الذي كان وزيرا للدفاع، ليستمر في موقعه، جرى دون أن يتحدث معه لأنه كان يعرفه جيدا من خلال عضويته في المجلس العسكري، حين كان الببلاوي وزيرا للمالية ونائبا لرئيس الوزراء في حكومة الدكتور عصام شرف.

ويصف الببلاوي ما يجري في المنطقة خاصة في ليبيا، وظهور تنظيم «داعش»، بأنه ليس مؤامرة واحدة، بل ألف مؤامرة.. وإلى أهم ما جاء في الحلقة الأولى من الحوار.

* توليت موقع رئيس الوزراء في فترة حاسمة في التاريخ المصري، لكن متى بدأت تشعر أنه سيجري تكليفك بهذه المهمة؟

- لم أكن أعلم.. لكن مثل أي عملية يجري فيها طرح أسماء وترشيحها لموقع من المواقع، كان اسمي بين تلك الأسماء التي أخذت تتردد على الساحة بعد يوم الثالث من يوليو. لم يكن لدي أي صلات أو معرفة، لكن لا أستطيع أن أقول لك إنني فوجئت مفاجأة تامة.. ولا أستطيع أن أقول لك إنه لو لم يجرِ اختياري لأُصبت بإحباط. لا.. إنما كنت أعلم وقتها أن هناك نحو سبعة إلى ثمانية أسماء يجري تداولها لتولي موقع رئيس الوزراء، وأن اسمي كان من بينها.

* هل كنت تتخيل، في الصغر، أنك ستصل إلى موقع تنفيذي كبير؛ إلى درجة رئيس حكومة؟

- في الطفولة تكون هناك دائما أفكار ساذجة وهي لا تحسب.. ولا أحد يعرف إلى أين كانت تصل تلك الأفكار، لكن حين وصلت إلى درجة من التعليم والمعرفة والمسؤولية، كنت مدركا أنني أريد أن ألعب دورا عاما، ولكن ليس عملا سياسيا بالتحديد.. مثلا كنت أريد أن ألعب دورا في مجال الفكر وفي المسائل الاقتصادية. وكذا المساهمة في الحوار العام، إلا أنه لم يكن في ذهني أن أمارس العمل السياسي. وفي المرحلتين الإعدادية والثانوية في القاهرة كنت تلميذا مجتهدا ومتقدما في دراستي وألعب كرة القدم، وأتريض مع أصحابي.. والفترة التي كنت فيها في المدرسة بشكل واعٍ، كانت ما قبل ثورة 1952 مباشرة وما بعدها. وفي تلك الفترة كانت مصر تموج بالأحداث وبالتيارات السياسية، سواء من حزب الوفد أو من جماعة الإخوان أو حزب مصر الفتاة، ثم جاءت الثورة التي قامت وأنا في السنة النهائية من المرحلة الثانوية. وفي تلك الفترة كنت مهتما، حيث إن الفكرة كانت أن النظام خرج عن حدوده، وأنه لا بد أن يحدث تغيير، ولذلك كان الكل يرحب بالثورة وسعيدا جدا بها. لكن في المرحلة التي تليها، حيث بدأ الصراع بين الرئيس محمد نجيب، وجمال عبد الناصر، كنت ميالا إلى نجيب على أساس أنه هو الذي يمثل الثورة وأن اتجاهه أكثر مدنية، ثم تغيرت الأوضاع وانقلبت بعد العدوان الثلاثي عام 1956، بالتأييد الكامل لعبد الناصر.

* متى سمعت للمرة الأولى عن جماعة الإخوان؟

- وأنا في المرحلة الثانوية..

* هل تعاملت معهم في ذلك الوقت؟

- لا، كان هناك زملاء لي.. لم أكن في أي وقت من الأوقات قريبا منهم ولا متعاطفا معهم. إلا أنه، ومنذ فترة مبكرة، حيث تأكد لي هذا بعد أن دخلت كلية الحقوق، أن تفكيري تفكير مدني كامل، أي مع الحريات العامة. وفي بداية الأمر، كنت ميالا للاتجاهات اليسارية، ثم بدأ نوع من التوازي ما بين الحريات العامة والحريات الاقتصادية وغيرها. وحين كنت أدرس الحقوق في الجامعة، ورغم أنني كنت سعيدا بالثورة، فإنه في تلك الفترة أيضا، أي قبل تأميم قناة السويس والعدوان الثلاثي على مصر، كنت متخوفا من أن يتحول الحكم إلى حكم عسكري. ليس هذا فقط، ولكن في ذلك الوقت كانت المظاهرات تخرج وتقول إن هذه الحركة (حركة الضباط الأحرار) جاءت بإيعاز من الولايات المتحدة الأميركية. لكن كل ذلك انقلب رأسا على عقب في عام 1956 سواء بتأميم عبد الناصر قناة السويس أو العدوان الثلاثي على مصر، وأصبحت النظرة أنه توجد دولة تسعى لبناء وطن جديد حر ومستقل، واستمر هذا إلى أن وقعت حرب يونيو (حزيران) 1967.

* أين كنت حين وقعت هذه الحرب؟

- كنت أستاذا في جامعة الإسكندرية، ومنتدبا أيضا في مكتب أحد وزراء الحكومة، وذلك بعد أن عدت من بعثة دراسية في الخارج. وأنا ما زلت أعتقد أن يونيو كانت أكبر صدمة واجهت جيلي.. أعتقد أن ما حدث يشبه «الخديعة الكاملة». كنا نرى أن مصر أقوى عسكريا بكثير. فوجئنا بأنه لا يوجد إعداد ولا استعداد، وأنه جرت المبالغة في أول الأيام عن قيام مصر بإسقاط 30 طائرة أو 40 طائرة (إسرائيلية). الحقيقة أنني أعد هذا أكبر حدث أثر في جيلي.. فبعد أن كنا نشعر بعد 1956 بأننا نناطح العالم وقادرون على فرض إرادتنا، تبين أننا حنجرة أكثر من أي شيء آخر. وأنا أعتقد أن هذه اللحظة فارقة، ليس فقط في حياتي الشخصية، إنما أعتقد أنها فارقة في حياة الأمة العربية وتاريخ المنطقة. إذا كانت إسرائيل قد أنشئت سنة 1948، إلا أنها لم تصبح حقيقة إلا في 1967. حتى أمام الرأي العام وأمام المجتمع اليهودي، لم يكن هناك يقين كامل بأن إسرائيل ستظل دولة هكذا.. كان الرأي اليهودي منقسما تجاه المشروع الإسرائيلي، وعما إذا كان هذا مشروعا عاقلا أم مشروعا مجنونا، استمر ذلك حتى وقعت حرب 1967.. في الحقيقة هذه لحظة فارقة في حياتي الخاصة وفي رؤيتي، وارتبطت عندي بأنه مهما كان الحاكم مخلصا وجادا، إلا أن انعدام الديمقراطية وانعدام الرأي الآخر كفيل بأن يتسبب في مصائب كبيرة. شعرت بأن هذه الهزيمة كانت نتيجة للحكم المطلق، ونقص المعلومات والكذب.

* وأين علمت بحقيقة ما جرى في 1967؟

- في ذلك الوقت بالتحديد كنت منتدبا عن طريق وزير التخطيط حينها، لبيب شقير، وكنت أسافر من الإسكندرية إلى مكتبه في القاهرة يومين في الأسبوع. وفي يوم الضرب (5 يونيو، الهجوم الإسرائيلي على مصر) وكان يوم الاثنين، ذهبت لمبنى الوزارة ومكتب الوزير، كالعادة، وكان هناك صخب.. وأصوات تتردد بأخبار عن سقوط طائرات (إسرائيلية) والبعض يقول: الله أكبر.. أسقطنا 30 طائرة. وكنت في مكتب الوزير حيث كان مع مستشاريه، وقام بالاتصال بالهاتف بوزير الداخلية، في ذلك الوقت، شعراوي جمعة. ثم أغلق الخط، وقال لنا: «طائراتنا تدك الآن تل أبيب». وفي اليوم نفسه ليلا رجعت إلى مدينة الإسكندرية، وهناك، ومن خلال الاستماع إلى الإذاعات المختلفة عبر المذياع، فوجئت بالكارثة. أكاد أقول لك إن جميع الأفكار السوداوية التي من الممكن أن تأتي لعقل الفرد سيطرت عليّ في ذلك اليوم. وبعد ذلك بشهور سافرت خارج مصر لفترة ورجعت، لكنني كنت أشعر بأن الحياة لم تعد تطاق.. ليس بسبب الهزيمة فقط، ولكن هزيمة وكذب وفضيحة. ولم أشعر أن المسائل بدأت تتعافى إلا مع حرب 1973، لأن الأمور كانت مبنية على تقدير وتخطيط وترتيب، وإعداد علمي، وليست «هوجة».

* لكن كيف كنت تشعر وأنت ترى الرئيس السادات يلوح بشن حرب لاستعادة سيناء لكنه لا يقوم بها، وذلك قبل الحرب الفعلية بسنتين؟

- كان الأمل عندي أكبر من قدرتي على الحكم على الناس. هذا بطبيعة الحال. كما أن الفترة بين 1967 و1973 لم تكن طويلة، لكنها بالنسبة لي ولجيلي كانت كأنها دهر كامل، وكنا غير قادرين على التحمل، كأنها مائة سنة، شعور بخيبة أمل. لكن بعد ذلك، حين كان السادات يلوح بتحرير سيناء منذ 1971 و1972، كنت أتمنى حدوث ذلك، لكنه حين تحدث عن «الضباب» الذي يحول دون هذا العمل، شعرت بخيبة أمل شديدة، وقلت: ها نحن سنبدأ في ترديد الكلام، ومجرد الكلام مجددا.. لكن بعد ذلك، وحين أدركت الأمور، رأيت أن السادات كان بعيد النظر، لأنه في ذلك الوقت لم تكن المسألة عدم وجود السلاح الكافي، ولكن كان يريد أن تحدث المعركة وأن تصبح قضية العالم. وكان المقصود بـ«الضباب» أجواء الحرب بين الهند وباكستان، التي كانت تسيطر على وسائل الإعلام العالمية، بينما كان السادات يريد أن ينتهي زخم تلك الحرب أولا، حتى تكون الأرضية الدولية مهيأة للانشغال بالحرب المصرية. ولو كانت المعركة جرت في 1972 لما وجد السادات الاهتمام العالمي المطلوب، ولذلك أعتقد أن السادات من رجال مصر العظام، مع أنني لا أعفيه من كثير من الأخطاء الصغيرة التي يرتكبها معظم الناس.

* كان السادات يعد للصلح مع إسرائيل. ما تفكيرك حول المستقبل وأنت ترى التوجهات الجديدة للدولة؟

- الإنسان لا بد أن يكون واقعيا.. والاتجاه الذي لجأت إليه مصر في ذلك الوقت، هو أن تحل المشكلة بالكامل، وأن تواجه خصمك بجميع الأدوات.. العسكري والدبلوماسي والرأي العام وغيره. وأنا أعتقد أن العرب والفلسطينيين فقدوا لحظة تاريخية حين رفضوا دعوة السادات للحضور في «مينا هاوس» (فندق على سفح الأهرامات شهد مفاوضات السلام) وكانت هناك أعلام لكل الوفود بما فيها الوفد الفلسطيني. وبدأت الأمور تضيق أمام مصر، فاضطرت لأن تعمل الصلح مع إسرائيل، وأعتقد أنه في النهاية أنت لا تحصل على ما تريد ولكن ما يمكن الحصول عليه.

* الاعتراض كان حتى في الداخل المصري.. وعندك في الجامعة أيضا. هل توقعت وقوع صدام مع السادات؟

- مثل أي فترة فاصلة تتخذ فيها قرارات حاسمة، بالضرورة يكون هناك اختلافات في الرأي. آراء المثقفين مثلا كانت منقسمة.. حتى كبار المثقفين، مثل نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم، لم يكونوا على رأي واحد.. كنت أرى أن السادات بشكل عام يسير في الطريق السليم، ثم قوبل بعدم فهم كافٍ من الدول العربية، فاضطره ذلك إلى أن يتخذ مسالك أخرى.. لو كانوا تفهموا ما كان يريده، ما كانوا أجبروه على اتخاذ الطريق الذي وجد نفسه فيه. الخاسر الأكبر في هذا الأمر كان الدول العربية التي اتخذت هذا الموقف تجاه السادات. كما أن مصر لم تحقق كل طموحاتها، لكنها كانت أقلهم خسائر. تصور أن مصر التي بدأت إعادة البناء منذ 1974 و1975، سواء ترميم قناة السويس أو جذب الاستثمارات.. تصور لو كان الأمر معلقا حتى اليوم، لكان كل شيء يخص البناء والتنمية معلقا أيضا حتى الآن.

* وما رأيك في توجهات السادات الاقتصادية التي بدأ يتخذها بعد الحرب ومنها محاولة تقليص الدعم الخبز؟

- الاتجاه في جوهره صحيح.. بل إن العالم كله كان قد بدأ يتجه هذا الاتجاه. لكن يمكن أن نقول إن الإجراءات ربما كانت تحتاج إلى مزيد من التوضيح للناس.. كما أنه في ذلك الوقت كان العالم منقسما بين معسكرين؛ معسكر شرقي بقيادة الاتحاد السوفياتي، ومعسكر غربي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، ومصر حتى 1973 كانت تقريبا ما زالت في المعسكر الشرقي.. قام السادات باتخاذ إجراءات فيها بُعد نظر، بصرف النظر عما إذا كان قد جرى التوافق عليها أو لم يجرِ التوافق عليها. الحكمة هي أن تعرف من أين سيأتي التيار. وهو أدرك مبكرا أن المعسكر الاشتراكي عمره قصير، وتركه في الوقت المناسب قبل أن يضطر للهرب من السفينة. وأعتقد أن خياراته الأساسية كانت صحيحة، بما في ذلك اقتصاد السوق، الذي لا ينبغي أن يعني تخلي الدولة عن التزاماتها. وإحدى قوائم اقتصاد السوق الأساسية أن تكون الدولة قوية وفوق الجميع وقادرة على منع السوق من انحرافاتها، مثل الاحتكار وخلق الأزمات. وأتذكر أن خيارات السادات الأساسية كانت جيدة، لكنها لم تكن في التطبيق بالدرجة المرجوة. لا تنسَ أن ذلك تزامن مع قوله إن الدولة لا يمكن أن تعيش في ظل نظام الحزب الواحد، رغم أن البلاد في ذلك الوقت كان يسود فيها اعتقاد بأن الحزبية فساد والتعددية انقسام، إلا أنه حين فتح الباب للتعددية لم يفتحه أيضا بالشكل المرجوّ.

* ألا ترى أن السادات ترك ملفات متشابكة لمبارك كانت تمثل للرئيس الجديد عبئا وتحتاج لحسم؟

- لا.. مبارك سار على طريق السادات، واستكمل مشروعه، إلا أن السادات كان لديه قدرة على الخلق والابتكار، لكن مبارك سار على الطريق نفسه دون أن تكون لديه رؤية للتطوير.

* لكن في الثمانينات بدأ مبارك في اتخاذ إجراءات عملية للتعددية السياسية، وفي الجانب الاقتصادي بالابتعاد عن التوجهات الاشتراكية الموروثة منذ عهد عبد الناصر نفسه.

- هذا طبعا كان توجها سليما، لكن الشيء الذي خرب كل هذا هو أنه كان لا بد من وجود ضمانات أساسية. هذا هو الخطأ الأساسي الذي وقع فيه مبارك. أما التعددية السياسية فهي شيء طيب، لكن هل كان الحزب الوطني (حزب مبارك) يقوم على اختيار الناس الذين يؤمنون بأفكاره، أم أنه كان يأتي بالناس من أجل أن يستخدمهم مقابل حصولهم على مزايا. المهم أنه في حين كان السادات ذا عقل فيه ابتكار ويأخذ مبادرات ويرتكب أخطاء، كان مبارك دون ابتكار، وسار على الطريق نفسه، لكن الأداء كان ركيكا.

* ألم تكن تعطي استشارات للحكومات في عهد مبارك؟

- حين تولى مبارك الحكم كنت رئيسا لبنك الصادرات، وكنت، بسبب هذا المركز، بالإضافة إلى أنه ربما كنت أتمتع بسمعة اقتصادية، أشارك أيضا في بعض اجتماعات اللجنة الاقتصادية في الحكومة. ثم التحقت بعد ذلك بالعمل في الأمم المتحدة سنة 1995. وخلال السنوات العشر السابقة كنت أحضر اجتماعات اللجنة الاقتصادية الحكومية، ثم تراجعت مرات حضوري لهذه اللجنة إلى أن سافرت للخارج. وتركت العمل في الأمم المتحدة سنة 2000، ثم عدت مرة أخرى للعمل بالخارج لمدة عشر سنوات، مستشارا لصندوق النقد العربي، وظلت صلتي بالحياة من خلال كتاباتي الاقتصادية في الصحف حتى قامت «ثورة 25 يناير 2011»، وحين قدم المتظاهرون في ميدان التحرير أسماء الوزراء المقترحين لتشكيل أول حكومة بعد الثورة، كان اسمي في القائمة. وحين عُرض علي بشكل رسمي دخول الوزارة، وافقت، وتوليت موقع وزير المالية. وبعد خروجي من الوزارة بنحو عام ونصف العام، وجدت اسمي مطروحا لشغل منصب رئيس الوزراء، وكنت مترددا في الموافقة بسبب الظروف التي كانت تمر بها البلاد، عقب ثورة 30 يونيو 2013.

* ومَن أول شخص اتصل بك لإبلاغك باختيارك للموقع الجديد رئيسا لمجلس الوزراء (الحكومة)؟

- البرادعي (كان وقتها نائبا لرئيس الدولة)..

* هل كنت على معرفة سابقة (أي معرفة شخصية) به؟

- أعرفه معرفة عادية.. خاصة أن معظم وقته كان قد أمضاه في الخارج، كما أنني كنت أعمل في الخارج لسنوات طويلة أيضا، وكانت بيننا (لقاءات متباعدة)، لكن هناك علاقة قديمة، حيث إن والده صديق قديم لوالدي، ويعرف بعضنا بعضا عائليا، لكن في الـ30 سنة الماضية هو كان في الخارج، وأنا كنت في الخارج، إلا أنه توجد معرفة وود وتقدير متبادل. وحين كلمني بخصوص رئاسة مجلس الوزراء، كان رد فعلي الأولي أنني اعتذرت عن هذا المنصب، وقلت له إن الوضع الأمني غير مستقر، والبلد في هذه المرحلة لا تحتاج لرجل اقتصاد وإنما تحتاج لرجل أمن. وقلت له أيضا: أتمنى أن تأتوا برجل أمن يتولى الحكومة، وأنا مستعد أن أعمل معه في الجانب الاقتصادي، لأن المشكلة الأساسية التي تواجه المواطن المصري في هذه المرحلة مشكلة أمنية. وفي اليوم التالي اتصلي بي الدكتور البرادعي مرة أخرى. وفي هذه الفترة وجدت أن المسألة ليست مسألة «أمني أو اقتصادي»، ولكن المسألة كانت أن البلد في حالة خطر داهم، وينبغي أن نقوم بالواجب تجاه الوطن.

* حين توجهت للرئاسة لمقابلة الرئيس السابق منصور من أجل تكليفك بالوزارة، هل كانت لديه أي شروط بشأن العمل واختيار الوزراء؟

- لا.. قال لي: لك مطلق الحرية. وأنا تحدثت إليه وقلت له: لي رجاء.. أنت قاض، وأعلم مني بأمور القضاء، فأرجو أن ترشح لي وزيرا للعدل. وهذا ما حدث.

* متى التقيت بوزير الدفاع حينها، الرئيس الحالي، السيسي، بعد تكليفك بتشكيل الوزارة، لأول مرة؟

- التقيت به يوم حلف اليمين في القصر الجمهوري. وكنت قد اخترته في التشكيل الحكومي الجديد دون أن أتحدث معه أو أطلبه بالهاتف، لأنني كنت أعرفه جيدا مسبقا منذ كان عضوا في المجلس العسكري، حيث كنا نلتقي في الاجتماعات حين كنت وزيرا في الوزارة السابقة، وكان هو مديرا للمخابرات الحربية. ومن الطبيعي أن السيسي، الذي كان وزيرا في الحكومة السابقة، كان سيدخل في الحكومة الجديدة. وحين كتبت أسماء الوزراء في التشكيل الجديد كتبت اسمه.

* هل أشار عليك أي مسؤول أو جهة بضرورة وضع اسم السيسي؟

- لم يخبرني أي شخص أو جهة بما ينبغي أن أقوم به.. لكن تعرف أنه كان يوجد لدي تقدير للأمور.

* وماذا عن باقي الوزراء. كيف جرت عملية الاختيار؟

- طبعا لم أكن أعرف كل الناس، خاصة أنني عملت فترة طويلة خارج مصر. ولهذا استشرت البعض سواء من الأشخاص أو من الأجهزة، من هنا وهناك.. أضف إلى ذلك أنني لم أكن مهيئا لتشكيل الحكومة، كما أن الأمور كانت تجري بشكل سريع.. في نهاية المطاف كنت أنا الذي يختار الوزراء، بمن في ذلك اختيار وزير الداخلية بأن يستمر في العمل في الحكومة الجديدة. هناك أشياء كانت واضحة بالنسبة لي. توجد وظائف أمن قومي.. ليس فقط وزير الدفاع، ولكن أيضا وزير للإنتاج الحربي، وكذا وزير الطيران، ووزير الداخلية.. ولا تستطيع أن تقول إن لي معرفة برجال القوات المسلحة ومن يصلح منها لموقع الوزير ومن لا يصلح. هذا اسمه حسن تقدير الأمور. ومع ذلك أؤكد أنني لم أكن تحت أي ضغط سياسي لاختيار هذا أو ذاك.

* البعض يرى أن ما يجري في المنطقة العربية، خاصة في ليبيا وظهور تنظيم «داعش» في العراق وسوريا، مؤامرة. هل تؤيد هذه النظرية؟

- أنا لا أؤيد القول إنه توجد مؤامرة، لأنه لا توجد مؤامرة واحدة، بل ألف مؤامرة.. والمؤامرات تتضارب والمشكلة في المؤامرة أن الناس تفكر في السبب بشأن هذه المؤامرة أو تلك، ويضيعون وقتهم في الحديث عنها، بينما لا يفكرون فيما ينبغي أن يقوموا به للتصدي لها وإفشالها.. هذا مثل الذي يصاب بمرض وتقول إنه مصاب بالفيروس الفلاني، دون أن تفكر في البحث عن طبيب لإنقاذه.

* الببلاوي في سطور

* حازم عبد العزيز الببلاوي من مواليد 17 أكتوبر (تشرين الأول) 1936. تخرج في كلية الحقوق، جامعة القاهرة 1957. وحصل على الدكتوراه في العلوم الاقتصادية من جامعة باريس 1964.

* متزوج ولديه ثلاثة أولاد وعدد من الأحفاد، ورغم تخصصه في المجالات الاقتصادية والمالية، فإنه يميل إلى القراءة في التاريخ والعلوم الطبيعية وتاريخ الإنسان والتكنولوجيا والأديان.

* بدأ حياته الوظيفية مندوبا في «مجلس الدولة» قبل أن يسافر في بعثة دراسية إلى فرنسا وإنجلترا. وعين مدرسا فأستاذا في كلية الحقوق بجامعة الإسكندرية منذ عام 1965. وأعير للعمل بجامعة الكويت ثم الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي بالكويت أيضا، فمستشارا لوزير المالية الكويتي.

* ترأس في القاهرة البنك المصري لتنمية الصادرات في عام 1983 ثم رأس بعد ذلك الشركة المصرية لضمان الصادرات.

* في 1995 عُيّن وكيلا للأمين العام للأمم المتحدة وأمينا تنفيذا للجنة الاقتصادية والاجتماعية بغرب آسيا. وفي 2001 عمل مستشارا لصندوق النقد العربي في «أبوظبي».

* اختير نائبا لرئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية ووزيرا للمالية بعد ثورة 2011 بمصر. وشغل موقع رئيس الوزراء في عهد الرئيس المؤقت عدلي منصور في الفترة من 9 يوليو (تموز) 2013 حتى 24 فبراير (شباط) 2014.

* له كثير من المؤلفات والمقالات بالعربية والإنجليزية والفرنسية، في مجالات النقود والتجارة الدولية والتعاون الاقتصادي وغيرها.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك