أيام القاهرة (9).. كيف ألهمت المدينة وعماراتها الرسامين الأوروبيين؟ - بوابة الشروق
الثلاثاء 21 مايو 2024 6:37 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أيام القاهرة (9).. كيف ألهمت المدينة وعماراتها الرسامين الأوروبيين؟

محمد حسين
نشر في: الأربعاء 3 أبريل 2024 - 9:14 ص | آخر تحديث: الأربعاء 3 أبريل 2024 - 9:14 ص
يتمتع شهر رمضان في مصر، بخصوصية وتفرد عن غيره من أشهر السنة، حيث تزخر به الطقوس والعادات المميزة التي تضفي أجواءً فريدة من البهجة والسعادة.

وتشهد شوارع القاهرة على سهرات وتجمعات العائلات والأصدقاء لتوثق تلك الأجواء الفريدة والمبهجة خلال الشهر الكريم.

وتشارك "الشروق" مع قرائها لقطات ساحرة من تاريخ القاهرة، الذي يعود لأكثر من 1000 عام، وصور إلهامها للمبدعين، وذلك في سلسلة حلقات بعنوان "أيام القاهرة" على مدار النصف الثاني من شهر رمضان.

الحلقة التاسعة..

استعرضنا في الحلقة السابقة صفحات من مذكرات القنصل الفرنسي لدى مصر في العهد العثماني بنوا دي ماييه؛ حيث يجد المتأمل في كتابات القنصل الفرنسي عن القاهرة أنه بلور رؤية محددة في وصف وتصوير ملامح الحياة والعمارة في تلك المدينة في مطلع القرن الثامن عشر الميلادي بعبارة أخرى جاءت أغلب كتابات الرحالة والمستشرقين الأوروبيين قبله في إشارتهم للعمارة الإسلامية لتشمل الوصف الخارجي لتلك المنشآت، أو إدراج حكايات مرتبطة بالمدينة ومزاراتها أو عادات أهلها، تتسم بالخرافة والغرابة لإضفاء طابع مشوق وجذاب لكتاباتهم.

ونواصل في حلقة اليوم، مع جانب آخر من تأثير القاهرة على الغربيين من مفكرين وسياسين وفنانين.

وتضمنت دراسة للدكتور دوريس أبو سيف أستاذ فخري لتاريخ الفنون والآثار الإسلامية في ‏كلية الدراسات الشرقية الإفريقية بجامعة لندن، مظاهر من إلهام القاهرة للفنانين الأوربيين في رسومهم ولوحاتهم.

* مكانة متجذرة في عقلية الفنان الأوروبي

يقول الدكتور دوريس أبو سيف: "تحتل مصر مكانة بارزة في البحوث العلمية الغربية والتصوير الفني للشرق الأوسط، ومن هنا تأتي أهميتها فيما يسمى بالدراسات الاستشراقية بجوانبها المتنوعة، ومكانة مصر متجذرة في تقليد قديم يسبق الثقافة الاستعمارية بمراحل وذلك على عكس مناطق الهيمنة الاستعمارية الأخرى، ونجد هذا التقليد موجودًا منذ العصور القديمة وتطور بمرور الوقت جنبا إلى جنب مع تطور الثقافة الأوروبية نفسها، إن حضارة مصر القديمة وموقعها الجغرافي المتميز أسهما في دمج مصر في الفهم الذاتي الأوروبي، وتضمينها في ثقافتها وذاكرتها الثقافية بنفس طريقة وأسلوب اليونان والكتاب المقدس".

ويضيف أبو سيف: "وقد تم ترسيخ الاهتمام الأوروبي بمصر مع الغزو اليوناني والروماني لها، مصحوبًا بتعبيراته وبمصطلحاته الفنية الاستشراقية الخاصة والهوس بكل ما هو مصري، وينعكس هذا التقليد - الذي عززه ورسخه ذكر مصر في الكتاب المقدس - في العدد الكبير من روايات الرحالة القادمين إلى مصر منذ العصور الوسطى، ولا سيما الحجاج إلى الأراضي المقدسة، وهو موضوع كتب عنه الكثير وما زال يكتب عنه حتى الآن كان الحج إلى الأراضي المقدسة قبل عصر الاكتشافات، مناسبة رئيسية للقاء سلمي بين أوروبا والعالم العربي؛ فقد جاء المسافرون قبل العصر الحديث بحثًا عن المواقع المذكورة في الكتاب المقدس والآثار القديمة. وكان مرورهم عبر القاهرة تجربة مثيرة استحوذتبشدة على اهتمام الكثيرين".

* الهوس بالنيل وفيضانه

وواصل: "كان النيل والاهتمام به لدرجة الهوس من أهم الموضوعات الرئيسية في هذا التقليد. فنجد وصف هيرودوت لمصر بأنها "هبة النيل"، وجغرافيا بطلميوس والمناظر الطبيعية النيلية في الفن الروماني التي تم تنصيرها في نهاية المطاف وإدماجها في المسيحية في العصور الوسطى حيث كان النيل يُعد أحد أنهار الجنة الأربعة وكان فيضانه رمزا لخلق الله للعالم المرتبط في النهاية بالمعمودية . والأهم من ذلك كله أن الدور الذي يلعبه النيل في الروايات التوراتية لموسى ويوسف هو الذي يفسر الأوصاف المطولة للرحالة عن النهر وعجائب فيضانه السنوي".

كتب جيلبرت دي لانوي Ghillebert de Lannoy الأرستقراطي والدبلوماسي الفرنسي في عام1421 عن النيل، وقدم وصفًا لمقياس النيل ووظيفته وارتباطه بمهرجان الفيضان السنوي.

كان الاحتفال بالفيضان يبدأ بفتح قناة القاهرة ويعتبر صدى للتقاليد المصرية القديمة الشهيرة. وتم وصف هذا المهرجان بالتفصيل من قبل العديد من الرحالة بأنه الحدث الرئيسي والأكثر إثارة وأهمية في جميع الاحتفالات في القاهرة ما قبل العصر الحديث، وكان هذا المهرجان حدثا رسميا لأهميته الاقتصادية والمالية والذي يفتتحه السلطان نفسه أو أحد أمرائه الكبار. وتنطلق هذه الاحتفالات التي تستمر عدة أيام عندما تشير القراءة الرسمية لعمود مقياس النيل إلى المستوى الأمثل المطلوب الذي وصل إليه منسوب الفيضان، معلنة بذلك الخصوبة والازدهار للعام المقبل.

* ريتشارد بوكوك ومسجد عمرو

كان رجل الدين البريطاني الرحالة ريشارد بوكوك أول من قام في عام 1743 بمسح مبنى ديني، حيث قام برسم مسقط أفقي الجامع عمرو بن العاص، وكان أيضًا أول من أشار إلى البوابات الفاطمية بمسقط أفقي وآخر رأسي الباب الفتوح الذي ظنه خطأ باب النصر ولم تحظ التحصينات الفاطمية باهتمام الرحالة الأوائل، حيث أنتهكتها المباني اللاحقة لها وتعدت عليها فاختفت وتلاشت داخل المدينة الواسعة. كما اشتمل عمل بوكوك على مخطط أفقي وآخر رأسي لمقياس النيل ومأخذ القناة وبئر صلاح الدين مع رسم بإطلالة من الخارج لتوضيحه ووصفه بطريقة شاملة، وكذلك قصر الناصر محمد بالقلعة. لم يعد بوكوك وآخرون بعد دي ماييه يربطون بئر صلاح الدين والإيوان الكبير للناصر محمد مع النبي يوسف التوراتي، لكنهم نسبوهما بالأحرى إلى عهد الناصر محمد.

* كاساس

قام الفنان والمهندس المعماري الفرنسي لويس فرانسوا كاساس برسم أقدم الصور التي تجمع بين التوثيق والتقدير الفني لعمارة القاهرة الإسلامية.

كان السفير الفرنسي في إسطنبول قد أرسله لتصوير مواقع الإمبراطورية العثمانية وزار مصر عام 1785م، قبل أكثر من عقد من حملة نابليون. وكان عمله معروفًا لعلماء هذه الحملة وقد كان مصدر إلهام لهم في بعض رسومهم التوضيحية.

ورسم كاساس عدة صور بانورامية للإسكندرية والقاهرة وكان أول من رسم جامع السلطان حسن بمنظر بانورامي ومنظر للبوابة، وكذلك شارع بين القصرين مع مجمع قلاوون ومدرسة الظاهر بيبرس التي اختفت الآن، ويكشف منظوره لبوابة رشيد التي اختفت أيضًا عن تشابهها الكبير مع باب الفتوح، مما يشير إلى أنها ربما كانت جزءًا من أعمال التحصينات الفاطمية.

أما لوحاته عن قلعة قايتباي في الإسكندرية، وباب الفتوح مع المئذنة المملوكية للأمير بيبرس الجاشنكير في مسجد الحاكم في خلفية اللوحة فتجمع بين الدقة الوثائقية والإنجاز الفني،ورسوماته ودراساته عن العمارة الإسلامية في القاهرة تكشف عن فطنته البالغة كمهندس معماري - وهي غير منشورة - ومنها دراساته عن المآذن أو رسمه لإيوان الناصر محمد الكبير بالقلعة كما صور كاساس موكب الباشا أو الحاكم العثماني وهو يدخل القاهرة في مشهد درامي مذهل، وفقا لما ذكره الدكتور دوريس أبو سيف في دراسته.
أقرأ أيضاً:


قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك