بناء على «أهواء القُرّاء»: الرقابة فى العصر الرقمى.. مع أم ضد حرية التعبير؟ - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 1:28 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

بناء على «أهواء القُرّاء»: الرقابة فى العصر الرقمى.. مع أم ضد حرية التعبير؟

جوجل
جوجل
كتبت ــ منى غنيم:
نشر في: الجمعة 7 مايو 2021 - 10:47 م | آخر تحديث: الجمعة 7 مايو 2021 - 10:47 م
ــ كيمبل: منع بيع بعض الكتب فعل متعمد للرقابة
ــ بائعو الكتب عبر الإنترنت لا يقومون باختيار الكتب.. وإذا أثار الكتاب الجدل يتم حذفه فورا

برز فى السوق الإلكترونية لبيع الكتب مؤخرًا نوع جديد من أنواع الرقابة؛ يتعمد إقصاء الكتب من قائمة المبيعات بناء على «أهواء القُرّاء»؛ فلم يعد للكتب المثيرة للجدل أو تلك التى تشعل النقد مكانًا فى ذلك النظام الجديد الذى لا يفكر قبل السماح بنشر الكتب أو وضعها تحت مقصلة الرقابة.
وقد هاجم الناقد الأمريكى، روجر كيمبل، هذا النظام من خلال مقال للرأى تم نشره فى جريدة «وول ستريت جورنال»؛ حيث قال إن موقع «أمازون» توقف عن بيع الكتاب المثير للجدل الذى يحمل عنوان «عندما تحول هارى لسالى.. رد على المتحولين جنسيًا»، بقلم المحافظ الاجتماعى ريان تى أندرسون، ووصف «كيمبل» هذه الخطوة بأنها «فعل متعمد للرقابة»، وافترض أن هذا من أجل إرضاء النقاد الذين يدّعون أن الكتاب يشجع على زيادة الرهاب من المتحولين جنسيًا.
وتابع «كيمبلۚ» انتقاده مؤكدًا أن الكتاب تم إسقاطه أيضًا من قائمة البيع الخاصة بمواقع بيع الكتب مثل Bookshop.org، وهو البديل المستقل لموقع «أمازون»، مما يثبت أنه مجرد تابع آخر لإمبراطورية «الصحوة المجتمعية» المزيفة التى تفضل الرقابة على حرية التعبير كما وصفها «كيمبل».
وأضاف «كيمبل» أن أكثر نقطة أثارت سخريته هى قيام متجر Bookshop.org الإلكترونى بحذف الكتاب الصادر 2018 من قائمة مبيعاته بحجة «الإساءة لليبرالية» برغم من أنه مستمر حتى الآن فى إصدار حوالى 20 نسخة مختلفة من كتاب «كفاحي» لهتلر، وأكد «كيمبل» أن ما حدث إنما يوضح الكثير عن كيفية عمل تجار الكتب عبر الويب وكيفية تغيرهم علاقتنا بقراءة الكتب.
وهنا وجب التنويه للفارق الشاسع بين بيع الكتب فى المكتبات وبين بيعها عبر الإنترنت؛ ففى الحالة الأولى يقوم القائمون على المكتبة بتنسيق الكتب بعناية وفقًا لمقدار المساحة المادية المتاحة، وأيضًا وفقًا للكتب التى حققت مبيعات كثيرة مؤخرًا أو جذبت انتباه الجمهور بشكل ما أو تلك التى يتوقعون أن يرغب العملاء فى شرائها.
أما فى حالة البيع عبر شبكة الإنترنت؛ فإن بائعى الكتب هم فى الأساس محركات بحث؛ فهم يملأون مواقعهم عن طريق امتصاص البيانات المخزنة تلقائيًا من بائعى الكتب والمكتبات الكبيرة حتى يتمكنوا من تقديم كل أنواع الكتب للجمهور، وقد كان ذلك السر الكبير وراء نجاح «أمازون» فى تسعينيات القرن الماضى، والذى سمح لها بأن تكون أكبر مكتبة لبيع الكتب فى العالم، على الرغم من حقيقة أنها بدأت فى جراج جيف بيزوس.
وأيضًا على عكس متاجر الكتب والمكتبات المحلية التى تبيع الكتب مباشرة للجمهور، فبائعو الكتب عبر الشبكة العنكبوتية لا يقومون باختيار كل كتاب يعرضونه؛ إن دور المنسق ــ إن وجد أصلًا ــ قد تم نقله بشكل فعال من البائع إلى العميل، وبموجب هذا النظام، إذا أثار الكتاب الجدل بشكل ما، أو إن استحث العديد من الاعتراضات من قِبَل القُرّاء، يتم حذفه من الموقع على الفور؛ مثلما حدث فى عام 2019 عندما هُوجِمت مؤسسة «بارنز و نوبل» بسبب بيعها كتابا معاديا للسامية لصاحب نظريات المؤامرة البريطانى دايفيد إيك بعنوان «الزناد»، وقد ألقت الشركة باللوم حينها على شركة التوزيع ثم اختفى الكتاب من مكتبتها، وفى وقت سابق من هذا العام أوقفت مؤسسة «وول مارت» عرض «مذكرات تيرنر» العنصرية على موقعها عبر الإنترنت بسبب ببعض التعليقات المُدينة لهذا الفعل.
وفى أغلب الظن لا ينظر مقدمو خدمة البيع عبر الإنترنت مثل «بارنز ونوبل» أو «وول مارت» إلى محتوى هذه الكتب التى أثارت حفيظة الجمهور، ويلجأون لحذفها بكل ببساطة، وهم فى ذلك أشبه بصياد السمك الذى يرمى شبكته فى البحر فيصطاد أنواعا مختلفة من الأسماك ولكن تعلق فى شبكته بعضًا من البراميل القديمة من النفايات السامة أيضًا فيقوم بالتخلص منها، نقلًا عن صحيفة «الواشنطن بوست».
وفى الواقع هناك خيط رفيع بين السماح بحرية التعبير وتخطى الحدود؛ فالقارئ العادى بالتأكيد لا يرغب فى قراءة كتب عن معاداة السامية أو العنصرية أو معاداة المتحولين جنسيًا، ولكن أيضًا الحجر على سوق الكتب من خلال «اعتراضات العملاء» هو أمر لا يجوز؛ فصناعة النشر ليست تابعة للأهواء؛ ولذا فإذاكان بائعو الكتب الضخمة لا يختارون حقًا الكتب التى يريدون بيعها إلا فى حالات نادرة عندما يتم استبعاد عدد قليل من العناوين؛ فربما يكونون قد تخلوا عن سيطرتهم التحريرية وأصبحوا مجرد إداريين وفى هذه الحالة قد يكون لدى الجمهور الحق فى تقديم مطالب معينة.
وقد ظهرت هذه القضية للعلن بشكل عرضى خلال إحدى القضايا التى كان يتم البت فيها بواسطة المحكمة العليا، والتى لا علاقة لها ببيع الكتب؛ ففى أوائل شهر أبريل الجارى، رفضت المحكمة الحكم فيما إذا كان بإمكان الرئيس السابق للولايات المتحدة، دونالد ترامب، منع النقاد من متابعته عبر موقع «تويتر» بحكم المحكمة؛ حيث قررت المحكمة أن القضية محل نقاش لأن «ترامب» لم يعد فى منصبه، ولكن القاضى كلارنس توماس أرفق بيانًا حول قوة الشركات الكبرى فى مجال التكنولوجيا فى عصرنا الحالى، وفى هذا البيان قدم «توماس» هذا التحذير: «إن أمازون تمتلك سُلطة خطيرة بصفتها موزعة للأغلبية العظمى من الكتب الإلكترونية والورقية، وتلك السُلطة تخولها فرض عواقب وخيمة على المؤلفين قد تصل إلى حد حظر البيع».
وأضاف أن عمالقة السوق الإلكترونية على غرار «أمازون» و«تويتر» و«جوجل» و«فيسبوك» يشكلون ما يمكن تسميته بـ «الناقل المشترك»، مثل السكك الحديدية أو شبكة الهاتف؛ فهذه الكيانات الكبرى لا تحقق فيما تنقله، ولا تقوم بفرز البيانات التى تعرضها؛ فإذا ماكان بإمكان الشخص ــ أو الجهة ــ الدفع وكان لديه منتج قانونى، فإنهم يتعاملون معه دون تمييز؛ ولذا فإن المنصات الرقمية تشبه بدرجة كافية شركات النقل العامة أو الفنادق والنزلات العامة التى يتم تنظيمها بهذه الطريقة.
وفى الوقت الحالى، تلعب مواقع بيع الكتب عبر الإنترنت شخصيتين مختلفتين فى وقت واحد؛ فهى تعمل بشكل أساسى كشركات نقل مشتركة، وتقدم للقارئ كل ما يمكنها التحصل عليه من كتب من الموزعين، ولكن عندما يجتذب كتاب معين انتباهًا سلبيًا ويسيء إلى الحساسيات العامة، فإن بائعى الكتب هؤلاء أنفسهم يعملون كشركات خاصة ويزيلون هذا الكتاب من قوائمهم.


قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك