التخلي عن الأطفال المحتضنة.. ماذا يقول الشرع والقانون؟ وكيف يتلقى الطفل الصدمة الثانية؟ - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 3:12 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التخلي عن الأطفال المحتضنة.. ماذا يقول الشرع والقانون؟ وكيف يتلقى الطفل الصدمة الثانية؟

ياسمين سعد
نشر في: الأربعاء 15 سبتمبر 2021 - 11:23 ص | آخر تحديث: الأربعاء 15 سبتمبر 2021 - 11:23 ص

هل الأسر التي تتخلى عن أطفالها المحتضنة آثمة، وهل يعتبرها القانون جريمة؟

ماذا يحدث للطفل نفسيا عندما تتخلى عنه أسرته؟ .. وأم تروي قصة إصرارها على تخليها عن ابنتها المحتضنة

انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي فيديو، تظهر فيه يمنى دحروج، مؤسسة جمعية الاحتضان في مصر، وهي تبكي بسبب أسرة تخلت عن طفلتها التي احتضنتها لمدة ثلاث سنوات، لأن الأم استطاعت الحمل طبيعيا، وقد أحدث هذا الفيديو جدلا كبيرا حول مدى صحة أو خطأ فعل إعادة الأطفال المحتضنة إلى دور الرعاية مرة أخرى، ومن جهة أخرى دار نقاش حول حرمانية هذا الفعل من عدمه.

تفتح "الشروق" من خلال هذا التقرير بابا لمناقشة مجتمعية حول مسألة التخلي عن الأطفال المحتضنة لمحاولة وضع حلول لهذه الأزمة التي تتفاقم يوما بعد يوم، فما هي الدوافع التي قد تجعل الأسرة تتخلى عن طفلهم الذين احتضنوه بإرادتهم؟ وهل من يتخلى عن طفله المحتضن آثم؟ هل يعاقب من يتخلى عن طفله المحتضن قانونيا؟ وماذا يحدث للأطفال نفسيا بعد التخلي عنهم للمرة الثانية؟ الخبراء يجيبون خلال السطور التالية.

لماذا من الممكن أن تتخلى أسرة عن طفلها المحتضن؟

تواصلت "الشروق" مع أم رفضت ذكر اسمها لحساسية الموقف، أرادت أن تعيد طفلتها المحتضنة إلى دار الرعاية مرة أخرى، وذلك في اليوم التالي من احتضانها، إلا أن الإجراءات جعلت الطفلة تبقى معها لمدة شهر كامل، وهي مازالت معها إلى هذه اللحظة، ومازالت تحاول الأم إعادتها إلى دار الرعاية.

نشرت الأم منشورا على جروب جمعية الاحتضان في مصر، حيث كانت تظن أنها ستحظى بتأييد الأمهات لمشكلتها، ولكنها وجدت آلاف التعليقات ضدها، والتي وصفتها الأم قائلة: "حسيت إني حتة لحمة مرمية في الشارع وهما بينهشوا فيا".

قررت الأسرة الاحتضان لأنها تريد شقيقة لطفلهما، آملين أن تكون هذه الطفلة هي مفتاح دخولهم الجنة، وقد اتخذت الأسرة هذا القرار بالرغم من ضيق المعيشة، حيث يعمل الأب كموظف راتبه 1500 جنيه فقط في الشهر، نصفهم هو إيجار الشقة التي يسكنون بها، والنصف الآخر المقدر بـ750 جنيه هو المبلغ الذي تعيش به الأسرة، ولذلك تحاول الأم العمل في أي وظيفة لكي تساعد في توفير نفقات المنزل.

عندما ذهبت الأم لاختيار طفلتها، لم تجد بنات متوفرة للاحتضان، وسمعت من أكثر من أم أن هذه مشكلة دائمة، ولذلك عندما وجدت الأسرة طفلة متوفرة للاحتضان، أصرّ الأب على تقديم طلب الاحتضان بسرعة، قبل أن تحتضنها أسرة أخرى، وبالرغم من أن الأم قالت له إنها لا تشعر بأي مشاعر تجاه الطفلة التي تبلغ من العمر 4 أعوام، إلا أن الأب طمأن الأم بأن ذلك نتيجة أنها لم تعتد على الطفلة بعد، وأنها عندما تصبح في منزلهم، سيتغير كل شيء.

صلت الأم صلاة الاستخارة مرة تلو الأخرى، حتى وصلت البنت إلى المنزل وأصبحت معها، ولكن لم تشعر الأم بأي شيء تجاهها، فأصرّت على عودتها إلى دار الرعاية، إلا أن الدار طلبت منها كتابة خطاب للتخلي عن الطفلة، ولم تكن تعلم الأم أن الإجراءات من الممكن أن تستغرق أشهرا.

وتقول الأم عن سبب إصرارها على إعادة الابنة لدار الرعاية: "نفسي حد يفهمني، لو أنا لقيت بنتي اللي أنا حاسة بيها، والله ما كنت هرجعها، أنا مش عاوزة أظلمها معايا، لو البنت ملقتش إحساس الأمومة معايا وملقتش حنية مني، هظلمها جامد، رجوعها في مصلحتها، عشان تلاقي أم أحسن مني، هي لسه ملحقتش تتعود عليا، فهترجع ومش هتتأذي، لكن الناس عمالة تدبح فيا على النت، أنا مش عارفة أغير إحساسي ناحيتها، دي مشاعري، مش حاسة إنها بنتي، هتعيش معايا إزاي طول عمرها وهي مش بنتي؟".

وأكدت أنها أغلقت جميع حساباتها على الإنترنت لأنها لا تريد أن ترى ما يكتب عنها، مشيرة إلى أنها ستعيد الطفلة إلى دار الرعاية، ولن تحتضن مرة ثانية، خوفا من أن تعيش هذا الموقف الصعب مرة أخرى، فهي أصيبت بالاكتئاب، موضحة أنها أصبحت ترفض الحديث أو رؤية أي شخص، من شدة قسوة تعليقات الناس عليها.

هل من يتخلى عن طفله المحتضن آثم؟

يقول دكتور مختار مرزوق عبد الرحيم، أستاذ التفسير وعلوم القرآن بكلية أصول الدين جامعة الأزهر بأسيوط وعميدها السابق، إن الإسلام حرّم التبني، وشرح هذا المفهوم بأنه يعني أن يأتي الإنسان بطفل غريب وينسبه إلى نفسه، ويجعل الطفل يأخذ حقه في الاسم والميراث وغير ذلك، لأنه عندما يكبر هذا الطفل فإنه سيكون أجنبيا عن هذا الرجل وعن زوجته وبناته، إن كان لديه بنات، وعلى ذلك فهذا العمل محرّم بالاتفاق، وذلك وفقا لقول الله تعالى في سورة الأحزاب، "ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ ۚ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ ۚ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَٰكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا"، صدق الله العظيم.

أما بالنسبة للاحتضان فقد أكد مرزوق أنه يجوز للأسرة أن تحتضن طفلا أو طفلة، وشرح ذلك بمعنى أن يذهب الطفل أو الطفلة إلى منزل الأسرة، وأن ينشأ بينهم وسط ظروف الأسرة الطبيعية، حيث يحصل على حقوقه في الطعام والشراب والإنفاق وإلى غير ذلك، ولكن يجب أن يبقى اسمه كما هو، لأن خلاف ذلك فيه شبهة.

كما أوضح أن الطفل المحتضن من الممكن أن يرث باعتباره ابنا للأسرة، ولكن هناك مشكلة تكمن في وجود هذا الولد عند كبره مع الأسرة، لأنه يعد أجنبيا بالنسبة لوالدته بالاحتضان، مؤكدا أنه هنا تحاول بعض النساء أن ترضع الطفل، وإذا حدث الإرضاع فإنه يعد ابنا أو ابنه لها من الرضاعة، وهكذا يجوز أن يبقى الطفل في الأسرة دائما، كما يجوز أن يعطي الرجل الطفل جزءا من ثروته من باب الوصية، وذلك جائز، لأن الطفل لن يرث بعد وفاة الرجل، فوجودهم في مرحلة الصغر أو الكبر داخل منزل الأسرة لا شيء فيه لأنه ابنا لهم من الرضاعة.

ولكن أكد مرزوق، أنه في حالة عدم إرضاع الطفل المحتضن في الصغر، فلابد أن يكون مفهوما للأسرة أنه سيصبح أجنبيا عنهم عندما يكبر، ويصل إلى مرحلة البلوغ، فسيعامل وقتها معاملة الأجانب، فلا يجوز له الاختلاء بهذه المرأة لأنها ليست أما له، ولا يجوز أن يختلي ببناتها، لأنهن أجنبيات بالنسبة له، وهذه أمور شرعية، يجب اتباعها، ومخالفتها تدعو إلى كوارث.

وبسؤاله عن الحادثة التي سلطت الضوء على هذه الأزمة، هل السيدة التي تخلت عن ابنتها المحتضنة بعد ثلاث سنوات من احتضانها آثمة؟ قال: "كان الواجب على هذه السيدة أن تستمر في حضانة الابنة إلى قبيل مرحلة البلوغ، إذا لم تكن أرضعتها، ثم تكون هذه البنت قد فهمت وقتها أنها عند قوم يحتضونها، أما أخذها لمدة ثلاث سنوات وإرجاعها مرة أخرى إلى دار الرعاية، فهو جائز من الناحية الشرعية، فهي قامت بفعل خير لمدة ثلاث سنوات، ولها أجرها على ما قدمت بهذه المدة ولكن من باب أولى كان عليها أن تنتظر قليلا".

يضع القانون عدة شروط لاحتضان الطفل، فهل يضع شروطا في حالة التخلي عن الطفل المحتضن؟

يقول المحامي وليد زهران، أن الطفل المحتضن لديه جميع الحقوق في القانون مثله مثل أي طفل آخر، مشيرا إلى أنه إذا أساءت الأسرة إلى الطفل، أو عرضت حياته للخطر، فسيتم عقابها قانونيا، فلا يوجد في القانون ما يفرق بين الطفل المحتضن وبين غيره من الأطفال.

وأوضح زهران، أنه لا يوجد في القانون مادة تعاقب الأسرة على إعادة الطفل المحتضن إلى دار الرعاية مرة أخرى، وذلك لأن مسألة قدرة الأسرة على تربية الطفل سواء ماديا أو نفسيا، مسألة إنسانية لا يتدخل بها القانون، وعليه فإن الأسرة التي أعادت الطفلة التي احتضنتها لمدة ثلاث سنوات إلى دار الرعاية، لن يحاسبها القانون على أي شيء.

نفى زهران أن تكون فكرة وضع تشريع لمعاقبة الأسرة التي تتخلى عن ابنها المحتضن فكرة جيدة، قائلا: "الترهيب سيمنع الناس من الإقبال على احتضان الأطفال، وإذا احتضنت الأسرة طفل ووجدت أنها غير قادرة على تربيته، وعلمت أنه إذا طلبت عودته إلى دار الرعاية سيتم معاقبتها قانونيا بالتغريم أو الحبس، فمن الممكن أن تعرض الأسرة حياة الطفل للخطر، على سبيل المثال، من الممكن أن تجعله يعمل في سن صغيرة، أو أن يعيش مع أسرة أخرى، أو يبلغون أن الطفل مفقود فقط ليتخلصوا منه، ولذلك وجود هذا التشريع، سيكون ضد مصلحة الطفل المحتضن في كل الأحوال".

بماذا يشعر الطفل عندما يتم التخلي عنه مرتين، مرة من الأسرة البيولوجية ومرة من الأسرة المحتضنة؟

يقول الدكتور محمد هاني، استشاري الصحة النفسية، إن الأسرة التي تخلت عن ابنتها المحتضنة بعدما أصبح عمرها ثلاث سنوات، بالتأكيد ستحدث لها صدمة نفسية كبيرة، مشيرا إلى أن الابنة كبرت وهي تفهم أن هذه الأم هي والدتها، وأن هذا الأب هو والدها، ولذلك هي لا تفهم لماذا تم التخلي عنها، وستظل تبحث عن ماما وبابا التي تعرفهم ولن تجدهم، وهذه صدمة كبير لطفلة في هذا العمر الصغير.

أكد هاني، ضرورة وجود اختبارات نفسية مشددة، تخضع لها الأسرة التي ستقوم باحتضان هذه الطفلة مجددا، محذرا أنه إذا تم التخلي عنها لمرة ثالثة لأي سبب كان، فمن الممكن أن تقدم الطفلة على الانتحار من شدة الصدمة.

وأشار إلى أنه على دار الرعاية أن تعالج هذا الموقف سريعا فيما يخص الطفلة، حتى لا تصاب بملازمة التخلي، والتي تجعل الأطفال يدخلون في نوبات من البكاء والصراخ، وعدم النوم وعدم تناول الطعام بسبب شعورهم بالتخلي عنهم من قبل عائلتهم، موضحا أن أسرع حل للسيطرة على مشاعر البنت هي وجود نظام مماثل تماما لما كانت تفعله في منزل الأسرة التي احتضنتها، أن تنام في نفس المواعيد، تتناول نفس الطعام، تشاهد نفس البرامج، وتلعب بنفس الألعاب، وعلى الأسرة التي ستحتضنها مستقبلا أن تسير وفقا لهذا الروتين، حتى تعتاد الطفلة على حياتها الجديدة.

وأوضح أن على وزارة التضامن الاجتماعي، أن تتحرى الدقة في مراجعة طلبات الاحتضان قائلا: "بعد مسلسل ليه لأ اللي مثلته منة شلبي، زادت طلبات الاحتضان لأن الناس تعاطفت مع المسلسل، فده قرار مبني على عاطفتهم، ولكن هل هما مؤهلين للاحتضان؟ لازم يكون في اختبارات نفسية للأسر، ولازم يقعد معاهم أخصائيين نفسيين مرة واتنين وتلاتة، عشان يشوفوا الأسرة دي هتقدر تتحمل مسئولية الطفل المحتضن نفسيا ومعنويا وماديا ولا لأ، ومن الممكن عمل اختبار استضافة، تستضيف الأسرة الطفل لمدة قصيرة، ويشوفوا هيرتاحوا مع بعض ولا لأ، أحسن ما يقعدوا مع بعض سنين ويرجعوه تاني والطفل يتصدم".

وأشار إلى أن حادثة التخلي عن الأطفال المحتضنين متكررة، ولكنها لا تظهر في الإعلام مثل حادثة البنت التي تم التخلي عنها، ولذلك يجب تدخل مباشر من وزارة التضامن الاجتماعي لحل هذه الأزمة، من خلال إعطاء كورسات تأهيل نفسي للمقبلين على الاحتضان.

 



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك