نجيب محفوظ يتحدث عن رواياته (1) - بوابة الشروق
الخميس 2 أكتوبر 2025 11:27 م القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

برأيك.. هل تنجح خطة الـ21 بندًا لترامب في إنهاء حرب غزة؟

نجيب محفوظ يتحدث عن رواياته (1)


نشر في: الجمعة 17 ديسمبر 2021 - 7:20 م | آخر تحديث: الجمعة 17 ديسمبر 2021 - 7:24 م

ثرثرة فوق النيل
فى رواية «ثرثرة فوق النيـل» الـتى ظهـرت فـى عـز مجـد عبدالناصر، وفى وقت كان فيه الإعلام الرسمى يحاول ليل نهار أن يؤكد للناس انتصار الثورة والنظام، نبهت إلى كارثة قومية، كانت قد بدأت تطل برأسهـا علـى السطـح، وكان لابد أن تكون لها نتائجها الخطيرة. وكنت أعنى محنة الضياع وعدم الإحساس بالانتماء التى يعانى منها الناس، خاصة فى أوساط المثقفـين، الذيـن انعـزلوا عـن المجتمع، وأصبحوا فى شبه غيبوبة، فلا أحد يعطيهم الفرصة ولا هم قادرون على رؤية الطريق الصحيح. وفى المحاولة التى قاموا بها لإيجاد هذا الطريق ارتكبوا حادثة رهيبة فى شارع الهرم ولاذوا بالفرار، وهى الحادثة التى تدل على أن عزلتهم وأنانيتهم دفعتهم للإقدام على هذا التصرف الخاطئ.
وعدد كبير من النقاد أشار إلى أن رواياتى التى ظهرت قبل النكسة تنبأت بوقوعها ودقت أجراس الخطر، وأن ذلك ظهر بوضوح فى رواية «ثرثرة فوق النيل». كانت موضوعات رواياتى وأحداثها ـ فى الحقيقة ـ والتى كتبتها ونشرتها قبل الهزيمة، تحذر من حالة الفساد والتسيب والانحلال التى استشرت فى المجتمع، وتؤكد أن الأمور تنحدر نحو خطر كبير. وفى الواقع انتابنى منذ فترة طويلة إحساس متشائم تجاه مستقبل المجتمع المصرى، وهذا الإحساس مستمر إلى الآن. فهناك دلائل ونذر تدعو إلى التشاؤم والأمثلة عديدة: زيادة عدد البائسين فى المجتمع، والبائس كما هو معروف على استعداد لعمـل أى شيء لأنـه لا يملـك شـيئًا يخـاف عليه.
بعد نشر رواية «ثرثرة فوق النيل». ثار المشير عبدالحكيم عامر، وبلغنى أنه هدد وتوعد بإنزال العقاب بى، بسبب النقد العنيف الذى ضمنته الرواية، عن سلبيات قائمة فى المجتمع، وسمعه البعض وهو يقول: «نجيب زودها قوى ويجب تأديبه ووقفه عند حده». وعندما تخرج كلمة «ويجب تأديبه» من المشير عامر، فإنها تحمل معانى لا تخفى على الذين عاشوا فى ذلك العصر، كما أن لها معانى خاصة عندى، حيث ربطت صداقة حميمة بين المشير وابن أختى «حازم النهرى»، وتزاملا فى الدراسة الابتدائية والثانوية، وكان المشير مقيمًا تقريبًا فى بيت أختى ويناديها بــ«طنط». وفى حفل زفاف ابنة أختى بعد قيام ثورة يوليو 1952 حضر المشير واصطحب معه أنور السادات، كان ذلك قبـل نشر رواية «ثرثـرة فوق النيل» بسنـوات، وعلمت أن المشير ــ فى ذلك الحفل ــ سأل عنى، فأبلغوه بأننى انصرفت بعد عقد القران، مباشرة. ومن عاداتى الثابتة أننى إذا دعيت لحفل زواج واضطررت لحضوره، فإننى أنصرف بعد عقد القران فورًا، لأننى من أعداء الصخب والضجيج اللذين يعقبان عقد القران. سأل المشير يومها عنى لكى يناقشنى فى مقال كنت كتبته فى جريدة «الجمهورية» فى ذلك الوقت، فى أوائل الستينيات، وكنت أدعو فى هذا المقال إلى الخروج من حالة التأرجـح بين الكتلتين الاشـتراكية والرأسمـالية، وما دمـنا قد اختـرنا الميل إلى الكتلة الاشتـراكية، فلماذا لا ننضم إلى «الكوميكون»، وسوف نكسب من ذلك مزايا عديدة، وذلك كان فى نظرى أفضل من أن نبقى معلقين بين الاتحاد السوفيتى ورابطة عدم الانحياز والكتلة الرأسمالية الغربية، وعلى الأقل فلن نتعرض لاعتداء عسكرى إلا فى حالة قيام حرب عالمية ثالثة. كان هذا هو رأيى فى ذلك، وكان المشير يخالفنى فى وجهة نظرى ويرى أن اتجاه مصر إلى ذلك يمثل ضررًا بالغًا عليها.
وعندما جاء ثروت عكاشة لتهنئتى بجائزة نوبل حكى لى تفاصيل ما دار فى كواليس السلطة عن أزمة رواية «ثرثرة فوق النيل». فقد كان عكاشة وقتئذ وزيرًا للثقافة، وبينما هو يستعد لرحلة عمل إلى إيطاليا، استدعاه جمال عبدالناصر، وسأله عما إذا كان قد قرأ الرواية، ولما لم يكن قد قرأها، فقد طلب منه عبدالناصر قراءتها وإبداء رأيه فيها بعد عودته من إيطاليا، قرأ الدكتور ثروت عكاشة رواية «ثرثرة فوق النيل» فى أثناء رحلته، وفى أول لقاء له مع الرئيس عبدالناصر دافع عنها وفند اتهامات المهاجمين لها، وأكد للرئيس أننى أنبه إلى أخطاء موجودة وليس لدى سوء نية فى مهاجمة نظام الحكم، ثم قال له: إن من الضرورى أن يتوافر للأدب قدر من الحرية، لينقل صورة واقعية حقيقية عن المجتمع، وإذا لم يجد الأدب هذا القدر من الحرية مات واضمحل تأثيره، واستطاع الدكتور ثروت عكاشة إقناع عبدالناصر بأن حرية الأدب هى أفضل دعاية للنظام فى الخارج، وبالفعل اقتنع عبدالناصر، وقال للدكتور ثروت عكاشة: «اعتبر المسألة منتهية».
==
اللص والكلاب
وفى رواية «اللص والكلاب» كان هناك نقد واضح لثلاث قضايا، الأولى: هى خيانة المبدأ، والثانية: مبدأ الاغتيال نفسه، والثالثة: الحلول الغيبية. وكنت أعنى أن أمور التصوف والدروشة لا تقدم للسالكين فيها سوى تسكين مؤقت، ولكنها لا تعالج المشكلة من أساسها. وكنت أنبه إلى خطورة تغلغل وانتشار الطرق الصوفية فى مصر بعد الثورة، حيث وجد فيها الناس بعض العزاء عن إلغاء الأحزاب والقوى السياسية التى تعبر عنهم، حتى إننى شعرت فى لحظة من اللحظات أن الشعب كله أصبح عبارة عن تجمعات من الدراويش. ومن الفرق الصوفية بدأت تظهر فى فترة لاحقة جماعات لا تؤمن بالحلول الغيبية والمسكنات، ولا تجد نفعا فى التصوف المسالم، واقتنعت بضرورة اللجوء إلى استخدام العنف والقوة.
وظهر رأيى بوضوح فى رواية «اللص والكلاب» فى شخصية الرجل الصوفى الذى يلجأ إليه «سعيد مهران» عسى أن يجد عنده حلا لمشكلته، فلا يجد سوى لحظات من الراحة النفسية، هى أقرب إلى المسكنات، وليس فيها أى نوع من الحل الأساسى أو الدواء الشافى.
==
الشحاذ
وكانت رواية «الشحاذ» تعبيرا عن حالة الضياع والإحباط التى يعيشها المثقفون، وحاولت فيها أن أقول إننا عدنا، كما كنا فى أواخر الخمسينيات، نبحث عن طريق للخلاص، نبحـث عما نسميه اليوم بالانتماء.. فرواية «الشحاذ» عبارة عن أغنية رثاء ذاتـية لمثقف يسارى ضائع فعل كل شيء ولكنه لم يحصل على نتيجة، فيدخل فى صراع نفسى رهيب. ويسأل نفسه: أنا ابن من؟ وما هو الهدف من حياتي؟ ولماذا جئت إلى هذه الدنيا؟.. وهذه الأسئلة لا ترد على ذهن الإنسان إلا فى حالات الإحباط واليأس. وفى تلك الأعمال ظهر بوضوح الانتقال من المستوى الاجتماعى إلى المستوى الفلسفى.
==
ميرامار
وفى رواية «ميرامار» تعرضت بصراحة لمشكلة الاتحاد الاشتراكى وصراع الطبقات فى المجتمع، وتعرضت كذلك للديكتاتورية، وانتقدتها بشدة. ومع كل ذلك ظهرت كتابات نقدية تهاجمنى وتتهمنى بنفاق السلطة فى تلك الأيام، وهؤلاء لا يعرفون أننى كنت أكتب الرواية، ثم أضع يدى على قلبى خشية الاعتقال. ثم ماذا يريدون منى بعد كل تلك الانتقادات الصريحة التى وجهتها إلى السلطة وكشفت فيها عن أخطاء خطيرة؟ وهى أمور ما كنت لألتفت إليها لو كان فى نيتى نفاق الحكام.
==
الشيطان يعظ
قرأت «الكتاب المقدس» بإمعان، وكان من مصادرى التى اعتمدت عليها فى كتابة رواية «أولاد حارتنا»، كما أننى اقتبست منه قصة «أيوب» ــ فى المجموعة القصصية الشيطان يعظ ــ والتى تحولت فيما بعد إلى فيلم سينمائى قام ببطولته عمر الشريف. وهناك اختلافات كبيرة بين قصة «أيوب» فى «الكتاب المقدس» وقصة «أيوب» التى كتبتها أنا، إلا أن المصدر الرئيسى الذى أوحى إليّ بكتابة القصة، هو ما جاء عنها «بالكتاب المقدس».
==
المرايا
رفض الأستـاذ هيكـل نشـر رواية «المرايا» فنشرتها أنت فى مجلة «الإذاعة والتليفزيون».
من النجوم المشهورين فى تلك الفترة «على الحسني» وكان من فتوات بولاق، ويلعب فى مركز قلب الدفاع، وتميز ببنيانه القوى وطريقة لعبه العنيفة.. وفى «المرايا» أشرت إلى شخصية «على الحسني»، وبعد نشر الرواية، فوجئت به يتصل بى تليفونيا، ليشكرنى على تذكرى له. جاءنى صوته ضعيفا خافتا، وعرفت أن المرض أنهكه، وأنه لا يغادر فراشه، وتعجبت من الحال الذى وصل إليه هذا العملاق.
ولتأثرى بشخصية سيد قطب وضعتها ضمن الشخصيات المحورية التى تدور حولها رواية «المرايا» مع إجراء بعض التعديلات البسيطة. ولكن الناقد المدقق يستطيع أن يدرك أن تلك الشخصية فيها ملامح كثيرة من سيد قطب.
==
العائش فى الحقيقة
عندما كتبت الروايات الفرعونية الثلاث فى بداية رحلتى مع الأدب، كان فى نيتى أن أواصل السلسلة، وأكتب التاريخ الفرعونى كله بنفس الطريقة. ولما حدث التحول ولم أواصل العمل فى هذا الاتجاه، بقيت فى وجدانى شخصية «أخناتون» بكل ما تحمله من ثراء وغموض. وبعد سنوات طويلة وقع فى يدى كتاب باللغة الفرنسية عن «أخناتون» يتضمن آراء غريبة ومتناقضة لم أسمع بها من قبل. أثار الكتاب ما أحمله فى وجدانى من تقدير لهذه الشخصية، وقررت التوقف عند «أخناتون» والكتابة عنه. فجاءت رواية «العائش فى الحقيقة» لا تتضمن رؤية درامية بقدر ما هى عرض لوجهات النظر المختلفة فى هذه الشخصية التاريخية المثيرة. خاصة أننى أضفت للرواية شخصيات من صنع خيالى ليس لها أصل تاريخى.
«أخناتون» كما تصورته هو شخصية سابقة لعصرها، مثيرة للتعاطف معها، مضحية فى سبيل فكرتها وما تؤمن به من مبادئ، فهو رجل يدعو إلى السلام والتوحيد فى عصر كان يرفض مثل هذه الأفكار. ومن الثابت تاريخيا أن الكهنة هم الذين تآمروا عليه ليقضوا على أفكاره التى كانت تمثل ضررا شديدا على مصالحهم ونفوذهم. ومن خلال قراءاتى للتاريخ الفرعونى لفتت نظرى ملاحظة هامة، وهى أن سيطرة الكهنة على الحكم كانت تشتد وتظهر أكثر وضوحا فى فترات الضعف التى تمر بها البلاد، وكان حكمهم مرتبطا دائما بالتدهور وانتشار الفساد.
==
الروايات الفرعونية
حيث اعتمدت فى رواياتى الأولى على موضوعات من التاريخ الفرعونى، وهى المرحلة الأدبية التى يسميها النقاد «الفرعونيات»، ممثلة فى «عبث الأقدار» و«كفاح طيبة» و«رادوبيس». هذه المفارقة لها أسباب، أولها: زياراتى المتكررة للمتحف المصرى مع أمى فى طفولتى ومشاهداتى المستمرة للآثار الفرعونية، وثانيها: تأثرى بالروائى الإنجليزى المعروف «والتر سكوت»، وطريقته واهتمامه بالرواية التاريخية. ولكن أهم الأسباب جميعا هو قوة التيار الفرعونى فى العشرينيات من هذا القرن، خاصة بعد اكتشاف مقبرة «توت عنخ آمون». وكان ذلك حدثا ضخما جدا، ولا يقدر ضخامته، إلا الذين عاشوا فى تلك الفترة، وربما لم يعرفه الجيل الحالى إلا من خلال الكتب.
كان المد الفرعونى على أشده فى بدايات هذا القرن، وله أنصاره الذين يدافعون عنه باستماتة. وأذكر أنه بعد صدور دستور 1932 وإجراء الانتخابات البرلمانية، نادى أصحاب المد الفرعونى بقيادة عثمان محرم، بتصميم قاعة البرلمان على الطراز الفرعونى، واصطدموا مع أنصار التيار الإسلامى، فى الوقت الذى كان الاتجاه القومى العروبى ليس له صوت مسموع، وانتصر التيار الفرعونى، وأقيم البهو الفرعونى فى البرلمان، وهذا البهو موجود إلى اليوم.
امتد تأثير المد الفرعونى إلى جميع المجالات خاصة فى الشعر والغناء، فقد كتب الشعراء قصائد كثيرة عن مجد المصريين القدماء، ونظموا أغنيات كنا نرددها نحن الصغار من أمثال «إحنا أبونا توت عنخ آمون». وبتأثير هذا المد وتشبعا به كتبت رواياتى الأولى، بعد أن قرأت كل ما هو متاح عن التاريخ الفرعونى، مع نية صادقة ورغبة قوية فى كتابة سلسلة روايات تشمل كل مراحل التاريخ الفرعونى. والغريب أننى بعد كتابة الروايات الثلاث شعرت بفتور شديد وتراجع فى حماسى لذلك التيار.
==
القاهرة الجديدة
كانت روايتى الأولى التى كتبتها بعد فترة الفرعونيات هى «القاهرة الجديدة»، وقد تأثرت فيها بأجواء الدراسة الجامعية. فقد كانت الحياة الجامعية أقرب مكان لذاكرتى الواعية، فهذه الرواية ظهرت تقريبا عام 1940، ولكنى بدأت فى وضع خطوطها الرئيسية حوالى العام 1963، أى بعد تخرجى فى الجامعة بعامين فقط. فكانت حياة الجامعة مسيطرة على ذهنى تماما، ومنها جاءت أحداث وشخصيات «القاهرة الجديدة».
==
ليالى ألف ليلة
عندما وقعت حادثة المنصة التى قتل فيها السادات، كنت أيامها أنشر رواية مسلسلة فى جريدة «مايو» التى تعتبر جريدة السادات؛ لأنها هى الناطقة بلسان حزبه الحاكم، واسم الرواية «ليالى ألف ليلة»، وفى الرواية تحريض على قتل الحاكم. فلما وقعت حادثة المنصة توقف نشر حلقات الرواية لمدة أسبوعين لضيق المساحة، ولحرص الجريدة على متابعة أخبار حادث الاغتيال ونتائجه. ثم عادت الجريدة لنشر بقية الحلقات، ثم ظهرت الرواية فى كتاب. وبعد صدور الكتاب قرأت مقالة نقدية للدكتور يحيى الرخاوى الطبيب النفسى المعروف عن الرواية، يؤكد فيها أننى تأثرت بحادث قتل السادات، وأن العنف الموجود فى الرواية، هو نتيجة لمتابعتى للحادث.
ويبدو أن الدكتور الرخاوى لم يعرف أن الرواية نشرت مسلسلة فى جريدة «مايو» قبل صدورها فى كتاب، وأن النشر كان سابقًا للحادث. وحمدت الله أنه لم ينتبه إلى ذلك، ولم ألفت نظره إلى الخطأ الذى وقع فيه، لأنه لو أشار إلى أن الرواية كانت سابقة للحادث، فلربما اعتبرونى من بين المحرضين على الجريمة وقدمونى للمحاكمة.
==
الحرافيش
رواية «الحرافيش»، مليئة بالبهجة والإشراقات الروحية والفنية، وبعيدة عن جو الحزن والمشاكل، والتفسير الوحيد لذلك هو أننى كتبتها عقب انتصار أكتوبر 1937، وكانت الأجواء فى مصر وقتذاك توحى بالتفاؤل والأمل والإشراق. فانعكس ذلك على جو الرواية التى نشرت لأول مرة مسلسلة فى مجلة «أكتوبر» عندما كان يترأس تحريرها أنيس منصور. وكنت قد أرسلت الرواية بعد كتابتها إلى على حمدى الجمال لنشرها فى «الأهرام»، ودخل أنيس منصور إلى مكتب على حمدى الجمال فلمح الرواية على مكتبه، فصمم على أن يحصل على الرواية، وينشرها فى مجلة «أكتوبر» التى كان يترأس تحريرها، وهو ما حدث، وكان ذلك فى عام 1967.

==
قشتمر

تعرفت على صلاح جاهين ـ رحمه الله ـ بعد تكوين شلة الحرافش بوقت طويل، ولكنه ما إن انضم إلينا حتى واظب على حضور جلساتنا إلى أن اقترن بزوجته الثانية، السيدة «منى قطان»، فشغلته أمور الزواج ومسئولياته، وانقطع عن الحضور، مثلما انقطع الدكتور مصطفى محمود بعد أن دخل فى دور «الدروشة». وفى تاريخ الحرافيش تعودنا على ظاهرة الأعضاء غير الدائمين، الذين يواظبون لفترة من الزمن ثم ينقطعون، أو الذين ينضمون إلينا فى مواسم معينة ثم يختفون بقية السنة، مثل الدكتور لويس عوض وأحمد بهاء الدين، وعندما مات صلاح جاهين بالطريقة المأساوية التى نعرفها، حيث يقال إنه ابتلع كمية كبيرة من الحبوب المهدئة قضت عليه، حزنت وتأثرت لوفاته، وقررت أن أكتب كل ما أعرفه عنه فى عمل روائى، وكنت أعرف الكثير، واتضح لى أن هذا القرار قد يسبب لى مشاكل كثيرة، خاصة أن الرواية إذا ما كتبتها سوف تتضمن شخصيات معاصرة بالإضافة إلى وقائع وأحداث ليس لى الحق فى سردها، وتوصلت فى النهاية إلى أن أكتب رواية عن «شخصية» صلاح جاهين، على أن أعدل وأغير قليلا فى ملامحها حتى لا يتعرف عليها القراء، وكتبت رواية «قشتمر» وعبرت فيها عن مأساة هذا الرجل. والطريف أن ابنه ـ بهاء جاهين ـ تعرف على «شخصية» والده بسهولة عندما قرأ الرواية على الرغم مما حاولته من إدخال تغييرات فى ملامحها، وإلى جانب صلاح جاهين ضمت رواية «قشتمر» «شخصية» أخرى أكن لها كل التقدير والاحترام والمودة، وكان صاحبها من خارج الوسط الأدبى، وهو المرحوم الألفى مأمون.
أما بقية الشخصيات فى رواية «قشتمر»، فهى شخصيات خيالية قصدت بها تصوير نماذج مختلفة تعيش فى مجتمعنا.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك