جولة في «المراسلات السرية بين سعد زغلول وعبدالرحمن فهمي» (11): اقتحام الجنود الإنجليز للأزهر يصب في مصلحة الحركة الوطنية! - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 6:43 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

جولة في «المراسلات السرية بين سعد زغلول وعبدالرحمن فهمي» (11): اقتحام الجنود الإنجليز للأزهر يصب في مصلحة الحركة الوطنية!

حسام شورى:
نشر في: الإثنين 18 مارس 2019 - 12:39 م | آخر تحديث: الإثنين 18 مارس 2019 - 12:39 م

• قبل هذا الحادث لم تكن السلطات الدينية العليا قد جاهرت بدعمها للثورة
• كسبت الحركة الوطنية على الفور إلى جانبها السلطات الدينية بعد اقتحام الجنود البريطانيين الأزهر
• الأزهر يحتج: سيزداد الأثر السيء للحادث بنسبة انتشار الخبر في أرجاء مصر وتردد صداه في العالم الإسلامي
• أللنبي: لم يقصد انتهاك حرمة الأزهر ونأسف لوقوع هذا الحادث
• لم يضطرب الإنجليز وحدهم بعد هذه الواقعة بل اضطرب فؤاد أيضا


تواصل «الشروق» على مدار شهر مارس عرض مجموعة من الكتب، الحديثة والقديمة، التي تروي جوانب مختلفة لتأريخ وتوثيق أحداث ثورة 1919 من الأسباب إلى المآلات.
وثاني كتاب نتجول بين صفحاته هو «دراسات في وثائق ثورة 1919»..«المراسلات السرية بين سعد زغلول وعبد الرحمن فهمي»، الذي يزيح الستار عن جانب خفي من نضال الوفد، ومن شخصية الزعيم سعد زغلول، وسكرتير اللجنة المركزية للوفد عبد الرحمن فهمي، وهو الجانب الذي لم يكن معروفًا حتى عثر الأستاذ الدكتور محمد أنيس على هذه المراسلات التي مكَن نشرها الباحثين من تركيب صورة تاريخية لثورة 1919 كان من المستحيل التوصل إليها من دون الاستعانة بهذه الوثائق.
بلغ عدد المراسلات السرية (مكتوبة بالحبر السري) المرسلة من سعد زغلول إلى عبد الرحمن فهمي 30 رسالة، من 23 يونيو 1919 إلى 28 أبريل 1920، كما بلغ عدد التي أرسلها فهمي لسعد 29 تقريرًا بدأت من 23 يوليو 1919 وحتى مايو 1920.
تناولت تلك المراسلات قضايا مهمة مثل (خروج إسماعيل صدقي ومحمود أبو النصر من الوفد، ومقاطعة لجنة ملنر، وحركة الأمراء، ووحدة عنصر الأمة والتكتل الأرستقراطي)؛ فكل تقرير كان يشمل مسائل متعددة.
وتقارير عبد الرحمن فهمي تشمل عرضا لأهم الأحداث العلنية والسرية التي كانت تدور في مصر؛ وكان يعطي من خلالها للوفد في باريس صورة عن الموقف في مصر، بينما كان سعد يعطي لعبد الرحمن فهمي رأي الوفد في كثير من المسائل التي تجري في مصر لتسير اللجنة المركزية للوفد على هديها.
الكتاب صدرت طبعته الأولى في عام 1963 للدكتور محمد أنيس (1921-1986) أستاذ التاريخ الحديث بجامعة القاهرة، ومؤسس مركز وثائق وتاريخ مصر المعاصر (1967- 1975)، والرئيس الأول له، وهو المركز الذي قام تحت إشرافه بجمع شتات العديد من الوثائق المهمة، وأعادت دار الشروق نشر هذا الكتاب في 2019 ، ويقع في 242 صفحة، من القطع المتوسط.

••••••


وقع إبان وجود لجنة ملنر في مصر حادثان ساعدا على عزلة هذه اللجنة عزلة تامة، أولهما اعتداء الجنود البريطانيين على الأزهر الشريف يوم 11 ديسمبر 1919، بعد وصول اللجنة بأربعة أيام، ويعتقد فلنتين شيرول في كتابه «المسألة المصرية» أن الوطنيين المصريين هم الذين استدرجوا الجنود البريطانيين إلى داخل الأزهر لاستغلال ذلك في إذكاء الروح الوطنية ضد إنجلترا!

والحقيقة أن هذا الحادث ترتبت عليه نتائج كانت بعيدة المدى؛ فكسبت الحركة الوطنية على الفور إلى جانبها السلطات الدينية العليا في الأزهر، بعد أن كان الإنجليز يعتقدون أنها من الجهات الموالية لهم.

ذلك أن الأزهر على الرغم مما كان معروفا عنه، بأنه مركز الثورة، إلا أن السلطات الدينية العليا لم تكن قد جاهرت حتى ذلك الوقت برأيها في الموقف السياسي، أو أعلنت اتحادها مع الزعماء الوطنيين، ولكنهم دفعوا إلى ذلك دفعا، بعد حادث اقتحام الجنود البريطانيين حرمة الأزهر، واضطربت السلطات البريطانية اضطرابا شديدا، فقد اجتمع شيخ الازهر على الفور بأعضاء المجلس الأعلى وكبار العلماء وأصدروا احتجاجا شديدا إلى اللورد أللنبي، لوحوا فيه بإثارة العالم الإسلامي.

 

الاحتجاج الأول صدر عن هيئة كبار العلماء والمجلس الأعلى للأزهر والمعاهد الدينية، وكان نصه كالتالي:
«حدث في منتصف الساعة الحادية من صباح هذا اليوم، أن كانت فصيلة من الجنود البريطانية تطارد جماعة من الناس، واقتحمت الأزهر الشريف بنعالها وعصيها منتهكة حرمة هذا المعبد المقدس، والجماعة الإسلامية الكبرى التي يؤمها طلاب العلوم من جميع الأقطار ثم أخذت تشرب وتروع، وتجاوزت ذلك إلى الاعتداء على محل الإدارة والعمال يؤدون وظيفتهم، ومحاولة كسر الباب الموصل إلى القاعة المخصصة لشيخ الجامع الأزهر لولا متانته، ثم صعدت إلى الدور الأعلى من الرواق العباسي فسكرت باب غرفة رئيس الحسابات، وقد كان الرعب استولى على من فيها من العمال فأوصدوها على أنفسهم.
«إن هذا الحادث قد أحزن جميع المصريين في القاهرة وآلمهم أشد الإيلام، وسيزداد هذا الأثر السيء بنسبة انتشار الخبر في أرجاء مصر وتردد صداه في العالم الإسلامي، فنحن الموقعين على هذا من علماء الأزهر وأعضاء مجلسه الأعلى نحتج على هذه الحادثة السيئة قياما بالمفروض علينا من خدمة الأزهر الشريف وأهله».
وعقب ذلك إمضاء 113 عالما في مقدمتهم شيخ الأزهر والمفتي وأعضاء المجلس الأعلى.

 

أما الاجتماع الثاني فخرج بـ:
«إن علماء الأزهر الشريف وأعضاء مجلسه الأعلى بإزاء الظروف الحاضرة وما جرته على البلد من خطوب تفاقمت في هذا العهد حتى بلغت من الشدة درجة لا يحسن السكوت عليها، يرون من أقدس الواجبات التي فرضها الله عليهم ألا يتوانوا عن القيام بوظيفتهم من إبداء النصح والإرشاد إلى ما فيه تأييد السلم في الأرض وتوطيد العلاقة الحسنة بين الأمم والشعوب على دعائهم الصفاء والعدل طبقًا لما أمر الله به في جميع الشرائع المنزلة، ولا سيما الشريعة الإسلامية الغراء.
«أجمعت الأمة المصرية على التمسك بحقها الشرعي في الاستقلال التام وأصرت على المطالبة به بكل ما لديها من الوسائل المشروعة دون أن يظهر من جانب الحكومة الإنجليزية ميل إلى الاعتراف بهذا الحق، فأدى ذلك إلى أحوال تشعر بما يخالج النفوس من الريب والحذر والقلق، فكانت النتيجة استمرار الاضطراب وتعطيل المصالح العامة والخاصة.
«لذلك يرى علماء الأزهر الشريف ورجال مجلسه الأعلى والموقعون على هذا أن الطريقة الوحيدة لتوطيد السلام وللتوفيق بين الطرفين ولصون المصالح المتبدالة هي: أن تفي الدولة الإنجليزية بوعودها وتعترف بالاستقلال التام لهذا البلد الممتاز بميزاته المجيدة وبمكانته الخاصة ومقامه الراجح في بلاد الشرق أجمع.
«وبذلك تمتنع وسائل الشدة التي طالما ظهرت آثارها بما يوجب الأسف الشديد ويخلد أبناء الأمة كلهم إلى الهدوء والسكينة ولا يضمرون ضغنا ولا حقدا للحكومة الإنجليزية، ويقومون بالمحافظة على مصالحها مثل مصالح سائر الدول الأجنبية.
«هذه هي الأمانة التي وضعها الله في أعناقنا قد أيدناها قياما بالواجب على خدام الدين ونشهد الله على ذلك وهو خير الشاهدين».
وموقع عليه من نفس حضرات الموقعين على نفس الاحتجاج الأول، وبقدر ما كان لهذين البيانين وقع عظيم في نفوس الوطنيين، كان وقعه سيئا جدا على نفوس الغاصبين. وأرسل هذا الاحتجاج إلى السراي ورئيس الوزراء والوكالة.

الصورة نشرها دار الكتب والوثائق على هامش مؤتمر مئوية ثورة 1919

وقد رد عليه الجنرال اللنبي بالآتي:
«حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ محمد أبو الفضل شيخ الجامع الأزهر..قد تلقينا كتابكم الذي وجهتموه إلينا مع حضرات أصحاب الفضيلة والسعادة علماء الأزهر الشريف وأعضاء مجلسه الأعلى.. وقد أمرنا بإجراء التحقيق اللازم عن حادث يوم 11 ديسمبر، وقد يظهر أن بعض الأفراد السيء النية كانوا قد هاجموا الحوانيت ولما طاردتهم الجنود البريطانية التجئوا إلى الأزهر وجعلوا يقذفون منه الأحجار على الجنود، حتى أثاروا غيظهم اقتفوا أثر المعندين اللاجئين في جوانب الأزهر، ولا يغرب عن فضيلتكم أن ذلك قد حدث في الوقت الذي تهيجت فيه نفوس الجنود.
«ولكم أن تثقوا بأنه لم يقصد البتة انتهاك حرمة الأزهر ولا التعدي على كرامة فضيلتكم أو السادة العلماء أو الطلاب المسالمين.. وبينما نأسف في هذه الآونة لوقوع هذا الحادث إلا أننا نرجوا أن نوجه نظر فضيلتكم إلى أنه من الواجب على الهيئة الرئيسية للأزهر الشريف أن تمنع استعمال جوانب الأزهر لأعمال الاعتداء المخالفة للقانون».

 

ولم يضطرب الإنجليز وحدهم بعد هذه الواقعة، بل اضطرب السلطان فؤاد الذي كان قد ورث عن أسلافه من الخديويين السلطة العليا على الأزهر؛ لذلك لم يكن السلطان ينتظر من هذه السلطات الدينية أن تلجأ إلى ما لجأت إليه دون الرجوع إليه، ويقول شيرول إنه فهم من الدوائر الرسمية البريطانية أن السلطان فؤاد استدعى فيما بعد، بعض الموقعين من العلماء وأنبهم على ذلك.

وغدا حلقة جديدة...



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك