"بوجلود".. احتفال شعبي مغربي قديم يُحتفل به باستخدام جلود أضاحي العيد بطرق كرنفالية تبعث على المرح والرعب أيضا.
في احتفال بوجلود الذي عادة ما تشهده منطقة سوس وسط المغرب وبعض المناطق الأخرى والذي يُطلق عليه أيضا اسم "بيلماون"، يرتدي المشاركون جلود الأضاحي ويغطون أجسادهم بها، مع وضع أقنعة وأحيانا قرون، مع تزيين الجلود بأشكال مختلفة وألوان زاهية.
ويتجول المحتفلون في الأحياء مطلقين الأغاني والأهازيج الشعبية، يمازحون الحضور وهم يحركون الجلود والأقنعة بطريقة مرحة ومخيفة في نفس الوقت.
وتعود جذور هذا الطقس إلى عصور قديمة، وقد تكون له أبعاد دينية أو اجتماعية مثل الاحتفال بالحصاد. وفي العصر الحديث يُعتبر مناسبة للفرح والترفيه وتعزيز الأواصر الاجتماعية.
كان الاحتفال بهذا الطقس واسع النطاق في الماضي، إلا أن بعض المناطق تخلت عنه شيئا فشيئا أو قللت من مظاهره، بينما تحاول مناطق أخرى الحفاظ عليه وإحياءه كجزء من الموروث الثقافي المحلي.
ويُعرّف رشيد آيت مبارك، وهو عضو بارز في هيئة (شباب تامسنا الأمازيغي)، كلمة "بوجلود" بأنها ترجمة حرفية للكلمة الأمازيغية "بيلماون" والتي تعني صاحب الجلود.
ويُرجع باحثون أصل احتفال بوجلود إلى عهد حكم الرومان بشمال أفريقيا، ويقول آيت مبارك إن الاحتفال كان يُطلق عليه آنذاك "ديونيسيس"، وكان يمر فيه موكب يضم ممثلين يرتدون أقنعة بصحبة أطفال وينشدون أناشيد دينية.
أشكال تنكرية
يقول آيت مبارك لوكالة أنباء العالم العربي (AWP) إن هذا الاحتفال تحول مع مرور الزمان إلى عادة مرتبطة بعيد الأضحى، حيث ترتدي مجموعة من الشباب جلود الأضاحي التي ذُبحت يوم العيد، خاصة جلود الماعز، ويرقصون على وقع أنغام أحواش الأمازيغية، ثم يبدأ هذا الاحتفال مساء يوم العيد ويتواصل خلال اليومين التاليين.
ويضيف "بيلماون عادة تراثية محلية انطلقت من قرى سوس نحو المدن الكبرى، وتميز بها أبناء المنطقة عبر الأجيال فأبدعوا في هذه التظاهرات الاحتفالية بعيد الأضحى المبارك، إذ ابتكروا أشكالا تنكرية متناسقة مع رقصات وغناء الفن الكناوي المغربي والنغمات الأمازيغية.
وتُعتبر احتفالات بوجلود بمحافظة سوس فرصة للإبداع والحفاظ على التراث الأمازيغي المحلي المتوارث عبر الأجيال، كما أنها فرصة لتلاقي كل أبناء المنطقة والزوار من باقي المدن المغربية.
وتشمل تحضيرات طقوس الاحتفال عند أمازيغ المغرب عدة خطوات وتجهيزات تبدأ بعد ذبح الأضاحي مباشرة، حيث يتم تجميع جلودها واختيار الجلود بعناية بحيث يمكن استخدامها كأزياء.
وتُنظف الجلود جيدا وتُجفف، ثم تُزيَّن وتُلَّون بأشكال وألوان تقليدية، وتُستخدم فيها أحيانا الصباغة الطبيعية المستخرجة من النباتات المحلية، وتُخاط مع بعضها بعضا لتشكيل أزياء تغطي الجسم بالكامل، وتُضاف إليها أقنعة مصنوعة من نفس الجلود أو من مواد أخرى مثل القش أو الأقمشة القديمة لتشكيل وجوه مرعبة ومضحكة في نفس الوقت.
وتُستخدم في الاحتفال أدوات موسيقية تقليدية مثل الطبول والدفوف والمزامير، بينما يُعّد العازفون أنفسهم للتجول مع المحتفلين وإضفاء جو من المرح وعزف الموسيقى الشعبية، في حين يتدرب المشاركون على الأهازيج والرقصات الشعبية التي سيؤدونها خلال الطقوس، مع الحرص على التناغم في الأداء لتقديم عرض ممتع.
ويتم التخطيط لمسار المسيرات التي ستجوب الأحياء، وتحدَّد نقاط التجمع والانطلاق، وقد يُرافق المسيرات أشخاص يحملون المشاعل أو الفوانيس لإضاءة الطريق. ويُبَلّغ سكان المناطق المحلية بمواعيد الاحتفالات والمسارات المخطط لها، وتُوجَّه الدعوة للأهالي لمشاهدة الفعاليات والمشاركة فيها.
ما بين مؤيد ومعارض
تثير احتفالات بوجلود، والتي تنظَّم مثيلات لها في عدد من قرى المغرب ومدنه لا سيما سوس، ردود فعل متباينة بين معارض لها ومدافع عن استمرارها.
ويقول عادل أداسكو، الناشط الأمازيغي والعضو بهيئة شباب تامسنا، إن موقف الرافضين لاحتفالية "بوجلود" أو "بيلماون" نابع من اعتبار البعض أنها تقوم على طقوس وثنية، وأنها تشوبها ممارساتها تتعارض مع الدين الإسلامي مثل تشبُّه الذكور بالإناث والاعتقاد بأن الضرب بقوائم الأضاحي يجلب الشفاء.
ويدافع أداسكو عن الاحتفالية ويقول إنها "بريئة من التهم التي يلصقها بها معارضوها، فهي احتفالية تبتغي الحفاظ على موروث ثقافي عريق".
واعتبر أن التظاهرة بمثابة كرنفال يعكس الخصوصية المحلية لأبناء سوس والهدف منه الحفاظ على هذا التراث الأمازيغي والتعريف به كموروث ثقافي أصيل، والعمل على تصنيفه تراثا للإنسانية "باعتباره كنزا تاريخيا توارثته الأجيال منذ زمن بعيد".
ودعا المسؤولين بوزارة الثقافة المغربية للحفاظ على هذا التراث وتطويره "لخلق دينامية اقتصادية واجتماعية وسياحية وثقافية على المستوى الإقليمي والجهوي والوطني، بالاعتماد على التكوين المستمر للرفع من القدرات والكفاءات التدبيرية لتنظيم تظاهرات ذات أهداف محددة وخلق آليات إيجابية لتدعيم التواصل بين مختلف الفعاليات الجمعوية لتثمين التراث محليا ووطنيا ودوليا".
وقال إنه بالرغم من الانتقادات لهذه الاحتفالية التي تحتضنها مدينتا الدشيرة وأغادير فإنها اكتسبت صيتا واسع، مضيفا أن أبناء سوس "ماضون في تنفيذ مشروعهم الرامي إلى جعل هذه التظاهرة منطلقا لتحويل المدينتين إلى عاصمتي الثقافة الأمازيغية بالمغرب".
الإسهام السياحي
ويرى أداسكو أنه يمكن الاستفادة سياحيا من احتفالية بوجلود ويقول "إذا كان العرض السياحي الذي تقدمه مدن سوس يقوم أساسا على الشمس والبحر والتراث القديم وفن أحواش والمآثر التاريخية، فإن تخليد تظاهرات بوجلود سيؤدي إلى تنويع العرض السياحي بسوس، وذلك من خلال الاشتغال على السياحة الثقافية واستغلال الخصوصية المحلية كأداة لاستقطاب السياح".
وأضاف "الهدف اليوم هو تحويل مدن وقرى سوس إلى وجهات سياحية على غرار مدينتي مراكش والصويرة اللتين ذاع صيتهما عالميا بفضل التظاهرات والمهرجانات الكبرى التي تُنظَّم بهما".
وتابع قائلا "إذا نجح هذا المشروع فإنه سيساهم لا محالة في تغيير عقلية كثير من الشباب، وسيجعلهم ينخرطون في تقديم منتج سياحي ثقافي، وبالتالي إبعادهم عن طريق الانحراف، مع التشبث بالهوية الأمازيغية الأصيلة والتشبع بالثقافة الإنسانية".
وتحمل طقوس بوجلود في طياتها رمزية الاحتفاء بالبركة والخصوبة التي تأتي بعد عيد الأضحى، حيث يُعتقد أن ارتداء جلود الأضاحي وإطلاق أجواء البهجة في المجتمع يجلبان الحظ والرخاء.
ويعزز كل من عيد الأضحى واحتفالات بوجلود الشعور بروح الجماعة والتلاحم الاجتماعي؛ ففي عيد الأضحى يتجمع الأهل والأصدقاء للاحتفال وتوزيع اللحوم على المحتاجين، بينما تُعد طقوس بوجلود مناسبة اجتماعية يتجمع فيها الناس من مختلف الأعمار والفئات للاحتفال معا، مما يعزز الروابط الاجتماعية.