هل يُسهم عيد الحب و«اليوم الأبيض» في تغيير ثقافة الشعب الياباني؟ - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 8:43 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هل يُسهم عيد الحب و«اليوم الأبيض» في تغيير ثقافة الشعب الياباني؟


نشر في: الثلاثاء 19 مارس 2019 - 4:54 ص | آخر تحديث: الثلاثاء 19 مارس 2019 - 4:54 ص

بعد مرور شهر على احتفالات عيد الحب في الغرب، حيث اكتست الشوارع بالقلوب الحمراء والوردية، تزينت المتاجر في اليابان واستعد الزبائن للاحتفال بالعيد المُكمل لعيد الحب، وهو ما يعرف بـ "اليوم الأبيض" الذي تستغله المتاجر لجمع أكبر قدر من الأرباح.

ويحتفل اليابانيون باليوم الأبيض يوم 14 مارس/آذار منذ نحو 40 عاما، لكنه تحول إلى مناسبة استهلاكية في المقام الأول، وتسربت الفكرة من اليابان إلى دول مثل الصين وكوريا الجنوبية.

إذ تقدم النساء عادة في عيد الحب هدايا من الشوكولاتة للرجال، وبعد شهر، يصبح على الرجال رد الهدية بمثلها في "اليوم الأبيض".

لكن شعبية هذه العيدين تراجعت نسبيا في الآونة الأخيرة، رغم ما يحظيان به من دعاية مكثفة، في ظل التغيرات واسعة النطاق التي يشهدها المجتمع الياباني.

متعة إجبارية
يطلق اليابانيون على الهدايا التي تقدمها النساء للرجال في عيد الحب "غيري شوكو"، أي "شوكولاتة إجبارية". ومن المتوقع أن يقدم الرجال في اليوم الأبيض هدايا بيضاء، بداية من حلوى المارشميلو والكعك والحلوى البيضاء، والمناديل القماشية، والأدوات المكتبية، إلى الهدايا الفاخرة مثل المجوهرات المرصعة باللآلئ.

وتقول شركة إيشيمورا مانسيدو، لصناعة الحلوى في اليابان، إنها ابتدعت "اليوم الأبيض" منذ نحو 40 عاما. إذ استغلت الشركة رسوخ عادة تقديم الهدايا وإبداء العرفان بالجميل في المجتمع الياباني من جهة، وشعبية عيد الحب في العالم من جهة أخرى، لتحض الرجال على توجيه الشكر للنساء في صورة حلوى من المارشميلو المحشو بالشوكولاتة .

لكن الأمر لم يعد يقتصر في اليابان على العشاق، إذ اتسع نطاق متلقي الهدايا في العيدين ليشمل الزملاء والرؤساء وأفراد العائلة والأصدقاء. وسرعان ما تزداد الهدايا وتتضاعف النفقات.

تقول ساواكو هيداكا، المديرة التنفيذية لمركز اليابان بطوكيو التابع لجمعية آسيا غير الربحية العالمية: "في أواخر الثمانينيات ومطلع التسعينيات إبان الفقاعة الاقتصادية لأسعار العقارات والأوراق المالية في اليابان، كان والد صديقي يوزع أوشحة 'هيرمس ' الحريرية الباهظة على الجميع في اليوم الأبيض".

وتضيف: "لكن الوضع اختلف الآن، وأعتقد أن الهدية لن تتعدى في المتوسط 18 دولارا. لكنك في نهاية المطاف ستنفق مبلغا كبيرا لأنك لن تقدم هدية لشخص واحد فقط".

مقابلة الهدية بمثلها
ولا شك أن هذا النوع من الأعياد المبتدعة التي تستغلها الشركات لجني المال ليس حكرا على اليابان وحدها، لكنه موجود في دول أخرى حول العالم. لكن المدهش أن اليوم الأبيض يرتبط بقيم راسخة في المجتمع الياباني.

إذ يحرص اليابانيون على تقديم هدايا "أوكايشي" التذكارية تعبيرا عن الشكر والتقدير للآخرين الذين اهتموا بتقديم الهدايا لهم. ومع اقتراب اليوم الأبيض، تحاول المتاجر بشتى الطرق بيع بضاعتها بوصفها هدايا "أوكايشي".

ويقول سيتسو شيغماتسو، أستاذ مساعد للدراسات الإعلامية والثقافية بجامعة كاليفورنيا: "إن تقليد تقديم الهدايا بشكل عام من التقاليد العريقة أو هو عادة متأصلة في الثقافة اليابانية تفرض عليك رد الهدية بمثلها، وليست تعبيرا عن الحب في حد ذاته".

ويضيف: "قد يضيق الناس ذرعا بالطبع بالمشاكل والأعباء المالية المصاحبة لتبادل الهدايا، حين يصبح الأمر أقرب إلى الالتزام منه إلى التعبير عن الحب".

هل تتراجع شعبية اليوم الأبيض؟
بحسب هيئة الأعياد السنوية اليابانية، المعنية بدراسة وتسجيل المناسبات والعطلات القومية، فإن حجم إنفاق المستهلكين في اليوم الأبيض قد تراجع العام الماضي بنحو 10 في المئة مقارنة بعام 2017، من نحو 530 مليون دولار إلى 475 مليون دولار، ومن المتوقع أن يواصل هبوطه العام الحالي.

وتقول الهيئة إن هذا الانخفاض كان بمثابة رد فعل لإنخفاض المبيعات يوم عيد الحب في اليابان. فإذا امتنعت النساء عن تقديم الهدايا للرجال، لن ينفق الرجال أموالا لشكرهن.

وتقول الهيئة إن حجم إنفاق المستهلكين في عيد الحب تراجع بنسبة ثلاثة في المئة عن العام الماضي، وإن كان تجاوز المليار دولار.

ويقول مايومي ناغاس، مدير تطوير المنتجات بشركة "بوراتوس" للحلويات بطوكيو: "تصل المبيعات إلى ذورتها في موسم عيد الميلاد المجيد- حيث يقبل الكثير من اليابانيين على تناول كعك عيد الميلاد- ثم يليه عيد الحب، ويأتي اليوم الأبيض في المرتبة الثالثة من حيث الأهمية."

الأدوار النمطية للرجال والنساء في المجتمع
وقد سئم بعض اليابانيين من أعباء عيد الحب وما ينطوي عليه من قوالب نمطية للرجال والنساء، ولا سيما في بيئات العمل.

ويقول مو سويجيما، أحد الطهاة باليابان: "يتوقع النساء من الرجال أن يقدموا لهن هدايا أغلى ثمنا من تلك التي قدمنها لهم في عيد الحب، وهذا يمثل عبئا على الذكور الذين يرهقهم البحث عن هدية مناسبة. فضلا عن أن فكرة اليوم الأبيض ذاتها لا معنى لها، فهل رأيت في حياتك مارشميلو أغلى من الشوكولاتة؟"

وتقول تومومي ياماغوشي، أستاذة علم الاجتماع والعلوم الإنسانية بجامعة مونتانا: "من الواضح أن هذه الأعياد تسند أدوارا نمطية محددة للمرأة والرجل وتقوم على التحيز الجنسي، إذ تستبعد أصحاب الميول المثلية."

وتشير إلى أن الحملات التسويقية لعيد الحب في اليابان تركز كليا على صورة المرأة التي تقدم هدية للرجل.

وتقول هيداكاإن الغرض من عيد الحب في اليابان هو "إعطاء الفرصة للنساء للتعبير عن مشاعرهن، وهذا ليس غريبا في عصر هيمنة الرجال والاستعلاء الذكوري". إذ ابتدعت متاجر البيع بالتجزئة في السبعينيات فكرة الاحتفال بعيد الحب على الطريقة اليابانية لحث الفتيات على شراء الشوكولاتة للتعبير عن إعجابهن بالرجال من دون استخدام كلمات.

ويرى شيغماتسو أن انخفاض الدخل المتاح للإنفاق الشخصي قد يكون السبب وراء تراجع شعبية هذين العيدين. إذ تشير تقديرات إلى أن متوسط دخل العاملين اليابانين بعد اقتطاع ضريبة الدخل وصل إلى أدنى مستوياته منذ 30 عاما.

ويقول: "إن نظرة المجتمع الياباني لأدوار الرجل والمرأة والميول الجنسية تغيرت، كما هو الحال في سائر المجتمعات حول العالم. ولهذا لم تعد فكرة تخصيص عيد الحب لهدايا النساء واليوم الأبيض لهدايا الرجال، تلقى رواجا بين اليابانيين في ظل هذه التحولات الاجتماعية والاقتصادية".

لكن هل سيواظب اليابانيون على الاحتفال باليوم الأبيض رغم هذه المشكلات الاجتماعية؟ ربما يكمن الحل في تغيير الحملات التسويقية لتركز على تدليل النفس ومكافأتها بدلا من الدخول في حلقة مفرغة من تقديم الهدايا للآخرين.

وتتابع هيداكا: "شرع اليابانيون بالفعل في إعادة النظر في ثقافة رد الهدايا بمثلها، لأن هذه الهدايا الصغيرة تكلفك في النهاية مبالغ كبيرة".



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك