د. محمود محيى الدين يكتب: مستجدات دور الدولة وضرائبها وعملتها - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 1:01 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

د. محمود محيى الدين يكتب: مستجدات دور الدولة وضرائبها وعملتها


نشر في: الأربعاء 21 أبريل 2021 - 7:06 م | آخر تحديث: الأربعاء 21 أبريل 2021 - 7:06 م

استوجبت الأزمات الصحية والاقتصادية والمالية المتزامنة تدخلا غير مسبوق للدولة. اتخذ هذا التدخل حزما من الإنفاق للعام لمواجهة هذه الأزمات والتعافى منها. وفى حين يتصف إنفاق المواجهة طبيعة مؤقتة تنتهى بنهاية الأزمة الصحية بالسيطرة على انتشار الوباء، إلا أن التعافى يتطلب استثمارا عاما لتنشيط الأسواق وتحفيز القطاع الخاص. كما تمتد استثمارات التعافى لمساندة قطاعات التعليم والرعاية الصحية، وتطوير البنية الأساسية والتكنولوجية على النحو الذى نراه الآن فى الولايات المتحدة التى أنفقت 1.9 تريليون دولار وهى بصدد إنفاق 3 تريليونات أخرى فى هذه المجالات بما يتجاوز 20 فى المائة من إجمالى ناتجها المحلى فى عام واحد. ويتجاوز الإنفاق فى دول الاتحاد الأوروبى متوسط 10 فى المائة من ناتجها وكذلك تفعل باقى الدول ذات القدرة الأعضاء فى منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية.
استعانت هذه الدول فى إنفاقها المالى بإمكانية تعبئتها لتمويل منخفض التكلفة بدعم من سياسات نقدية لبنوكها المركزية وجودة فى تصنيفها الائتمانى تجعل الأسواق المالية تمنحها ما تحتاج بتكاليف زهيدة. أما الدول النامية فلا تملك ترفا ماليا أو سخاءً نقديا فتجدها مقيدة فى إنفاقها. وهى إن تجاوزت حدودها هددها التضخم المحلى ولوحت لها مؤسسة التصنيف الائتمانى بعواقب الأمور وما يترتب عليها من تكاليف وأعباء فى التمويل الخارجى. وبعد سنوات من التقارب الاقتصادى بين الدول المتقدمة والدول النامية تجد إشارات واضحة للتباين والتفاوت لصالح الدول الأغنى التى ستشهد تعافيا أسرع من الجائحة ونموا اقتصاديا أعلى دون أن تتعرض لأزمة مديونية؛ كتلك التى تحدق بأشباحها وتداعياتها على الدول النامية، خاصةً بعدما تسارعت معدلات نمو تراكم مديونياتها من قبل صدمة الجائحة فيما عرف بالموجة الرابعة للديون.
ستترك الأزمات الراهنة صناع القرار أمام تساؤلات هامة:
ــ ما هو شكل التعافى؟ فمن الأرجح أن يأخذ التعافى شكل حرف K، بما يعكس التفاوت بين الدول والقطاعات فى معدلات نموها وبما يكرس عدم العدالة وينذر بتوترات اجتماعية وسياسية تهدد الاستقرار الاقتصادى.
ــ ما هو مستقبل العمل؟ لقد كان الحديث قبل الجائحة مشغولا بآثار الثورة الصناعية الرابعة والرقمنة ومستحدثات تكنولوجيا المعلومات وتطبيقاتها على البطالة. وقد أثرت إجراءات الإغلاق الكلى والجزئى للنشاط الاقتصادى لتحجيم الوباء على سوق العمل فأضافت ما يربو على 250 مليون متعطل فى السوق الرسمية وأضعاف هذا الرقم فى السوق غير الرسمية. وهنا يأتى دور الاستثمارات العامة للدولة فى تحفيز النشاط الاقتصادى وكذلك دور سياسات الدولة فى ضبط قواعد إعادة فتح المشروعات والقطاعات الاقتصادية للعمل، ومدى تفعيل نماذج التشغيل الهجين بالتفاعل الكفء بين نظم العمل التقليدية ومن خلال الوسائل الافتراضية وعبر شبكات الإنترنت.
ــ ما هى احتمالات عودة التضخم؟ فبعد عقدين من السيطرة على التضخم، هناك جدل محتدم حول الآثار التضخمية لحزم الإنفاق العام خاصةً فى الولايات المتحدة، التى بلغ متوسط معدل التضخم فيها 1.2 فى المائة فى العام الماضى 2020، ولكن هذا المعدل فى شهر مارس الماضى قد بلغ 2.6 فى المائة. وهناك رأى يقوده لارى سمرز وزير الخزانة الأمريكية الأسبق بأن حزم الإنفاق العام الأخيرة تتجاوز حجم المطلوب لتجسير الفجوات التى سببتها الجائحة وأن هذا الإنفاق سيكون تضخميا. فى حين يترقب بنك الاحتياطى الفيدرالى آثار هذا الإنفاق مفرقا بين ما يمكن أن يكون تضخما مؤقتا انتقاليا أو ذا طبيعة متواصلة تستوجب التدخل. وإن كان الأمر يتطلب فى كل الأحوال عدم إغفال عامل التوقعات التى تشكل سلوك المستهلكين والمدخرين والمستثمرين خاصةً فى ظروف اللايقين التى تسود الأسواق.
ــ ما هى مسارات سعر الفائدة؟ رغم التراجع النسبى للولايات المتحدة فى الاقتصاد العالمى فما زال الدولار يهيمن على أسواق الصرف ويشكل أكثر من 60 فى المائة من احتياطى البنوك المركزية و85 فى المائة من التداول فى سوق العملات الدولية. ومن ثم فإن تغيرات أسعار الفائدة على الدولار ستستمر فى تأثيراتها المعتادة على أسعار الفائدة للعملات الرئيسية وكذلك أسعار الصرف والتدفقات المالية خاصةً قصيرة الأجل.
وفى ظل تزايد دور الدولة يلزم حسن توجيه إنفاقها العام، فكلما كان هذا الإنفاق فى «مهمة موجهة» وفقا للاقتصادية الإيطالية ــ الأمريكية ماريانا مازوكاتو أصبح الأثر تكافليا ومساندا لنمو اقتصادى أكثر شمولا وأعلى فى قيمته المضافة طويلة المدى. وقد يكون هذا الإنفاق مكثفا للبحث والتطوير فى مجالات الأبحاث الطبية والتكنولوجية أو فى جهود السيطرة على الانبعاثات الضارة بالمناخ. أما إذا كان الإنفاق العام مزاحما للقطاع الخاص مقيدا لحركة السوق مشوها للمنافسة فسيتجاوز ضرره نفعه، ولو بعد حين.
ويتطلب توسع الدولة فى إنفاقها العام مراجعة لهيكل إيراداتها خاصةً من الضرائب. فنجد، على سبيل المثال، الإدارة الأمريكية الجديدة وهى تتوسع فى الإنفاق العام تراجع معدلات الضرائب على أرباح الشركات فتزيدها من 21 فى المائة إلى 28 فى المائة، وتتخذ إجراءات لتفعيل تحصيل الضرائب، وتقترح حدا أدنى للضرائب على الشركات دولية النشاط لا يقل عن 21 فى المائة عبر الحدود بما يستلزمه ذلك من اتفاقات وتنسيق دولى، كما تنظر فى تغييرات فى الضرائب على الأرباح الرأسمالية، بما قد يحقق فى مجمله زيادة فى الإيرادات الضريبية تغطى جانبا من الإنفاق المستجد وتسهم فى إعادة توزيع الدخول.
من ناحية أخرى تجد تغييرا مهما فى شكل العملات لن تستقيم إدارة السياسة الاقتصادية إلا بإدراك تبعاتها على الاقتصاد والاستقرار النقدى. فقد تنامى الإقبال على الأصول المشفرة وفقا لخوارزميات مركبة مثل البيتكوين، ولكن لا يمكن اعتبارها من العملات بحال فهى شديدة التقلب لا يمكن الاعتماد عليها كمخزن للقيمة أو وسيط مقبول ذى قوة إبراء واسع النطاق. ولكنها أتت حاملة مزايا تفهم تطور المجتمعات والتقدم فى تطبيقات الرقمنة وتكنولوجيا المعلومات. كما أنها تستفيد من خصائص اللامركزية بين أطراف المعاملات دون وسيط أو تكلفة معاملات، بتأمين نظام «سلسلة الكتل» وقاعدة بياناته الموزعة دون تحكم من مركز واحد. وقد حاولت ابتكارات من نوع العملات المستقرة التى تستخدم تكنولوجيا الأصول المشفرة ولكنها تحاول الحفاظ على استقرارها وتحجيم تقلباتها بربطها بأصول حقيقية ذات قيمة مادية مثل النفط والذهب أو عملات دولية مثل الدولار واليورو، ومن أمثلة هذه العملات المستقرة «ليبرا» التى طورتها شركة فيسبوك مع شركاء لها وواجهت صعوبة فى الحصول على الموافقات اللازمة وما زالت تحاول الحصول على الموافقات المطلوبة من خلال الشكل المعدل لها المعروف بوحدة «دايم» استنادا إلى قوة منصتها التى تضم 2.5 مليار مشترك حول العالم بدعوى تعزيز الشمول المالى. ويستلزم تفعيل العملات المستقرة موافقة صريحة من البنوك المركزية التى سترتبط بها هذه العملات وهو ما زال يواجه صعوبات.
المجال الأكثر احتمالا للتطور هو «العملات الرقمية للبنوك المركزية»، ومن خلالها ستكون للبنوك المركزية صيغة إلكترونية لعملاتها التى يمكن أن يستخدمها عموم الناس مباشرة دون وسيط مصرفى لإجراء المدفوعات وتسوية المعاملات من خلال محفظة أو تطبيق إلكترونى وبهذا تكون قد استفادت البنوك المركزية من المستجدات التكنولوجية التى تتميز بها الأصول المشفرة والعملات المستقرة مع قوة الإبراء والسند السيادى الذى تتمتع به البنوك المركزية. فلم تكن البنوك المركزية لتفرط فى احتكار ريع الإصدار النقدى لعملتها، أو تزيد من تعقيدات إدارتها للسياسة النقدية، ولكن الإجراءات القانونية والتطوير المؤسسى اللازم لتفعيل العملات الرقمية للبنوك المركزية يستغرق زمنا قدره البنك المركزى السويدى، المتقدم فى هذا المجال، بخمس سنوات، هذا وإن قامت بالفعل البهاما بإصدارها الأول تحت مسمى «ساند دولار» ولكنه اقتصاد صغير الحجم والتأثير. ووفقا لمسح قام به بنك التسويات الدولية فهناك 60 فى المائة من البنوك المركزية بصدد إصدار عملاتها الرقمية و14 فى المائة منها فى مرحلة الاختبارات التجريبية ويترقب المتعاملون ما قد يسفر عن إحراز اليوان الصينى سبقا فى هذا المضمار؛ وعندئذ ستتغير قواعد اللعبة فى السوق النقدية الدولية وليس فقط فى أدوار اللاعبين الرئيسيين.
نقلا عن صحيفة الشرق الأوسط



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك