إبلاغ السفير الأمريكي في القاهرة الجنرال نجيب بأن "لدى الولايات المتحدة سببا للاعتقاد بأن الحكومة البريطانية مستعدة للتوصل إلى ترتيب معقول مع مصر من أجل الجلاء من منطقة القناة، وإبرام اتفاق عام بشأن صيانة القاعدة (العسكرية البريطانية في القناة)، وبشأن الدفاع عن الشرق الأوسط".
واقترحت الورقة أنه "بعد هذه المقاربة، ستجرى مفاوضات سرية في القاهرة بين السفير البريطاني في القاهرة والجنرال نجيب. وستكون أغراض هذه المفاوضات هي ضمان صدور التزام من الحكومة البريطانية بإجلاء كل القوات المسلحة البريطانية عن التراب المصري باستثناء "فنيين" ووحدات من تنظيم دفاع جوي انجليزي مصري مشترك. بالتزامن مع تبادل المذكرات بشأن الجلاء واتفاق بشأن القاعدة، يسلم الجنرال نجيب السفيرين البريطاني والأمريكي مذكرة توثق نية مصر دخول منظمة للدفاع عن الشرق الأوسط".
رغم مساحة الاتفاق الكبيرة، لم يكن هناك تطابق تام في الرؤى البريطانية والأمريكية في التعامل مع دول الشرق الأوسط.
تكشف محاضر المباحثات عن "خلاف أساسي في نهج التعامل مع مشكلات الشرق الأوسط عموما".
فالأمريكيون رأوا أن بريطانيا "أميل إلى جعل كل الإسهامات المقدمة إلى دول الشرق الأوسط مشروطة بمقابل مكافىء من الجانب الآخر"، ووصفوا هذا النهج بأنه "خطوات ضئيلة لأشخاص ضئيلين".
ورغم "تفهم" الأمريكيين للخوف البريطاني من أن "أي أسلحة تقدم ربما يستخدمها المصريون ضد القوات البريطانية، فإنهم اعتبروا "تكتيكات المملكة المتحدة مخطئة".
أما النهج الأمريكي فيقوم على "توفير مناخ جيد"، وأن الإخفاق في هذا " لن يؤدي إلى تحقيق تسوية".
لذا فإن نهج الولايات المتحدة تجاه المسألة هو أنه "يجب أن يحصل المصريون على شيء لإظهار أن سياسة الاعتدال والتعاون مع الغرب لها مقابل".
واحتج مكلنتوك بأنه "إذا سقطت حكومة نجيب، فلن تكون هناك حكومة نتفاوض معها على الإطلاق". وقال بايرود إن "الموقف المصري هو أنهم لن يبحثوا منظمة الدفاع عن الشرق الأوسط حتى يغادر آخر جندي بريطانيا مصر. ومن المهم إبعاد المصريين عن هذا الخط".
غير أن البريطانيين ردوا بأن "المصريين يميلون إلى طرح هذا النوع من الحجج، الذي يعتبر حقا نوعا من الابتزاز".
إلا أن الأمريكيين أبلغوا أصدقاءهم البريطانيين بفحوى آخر برقية وصلتهم من سفيرهم في القاهرة، جيفرسون كافري، في أول يناير عام 1953، بينما كانت مفاوضات لندن مستمرة.
ووفق البرقية، التي أرسلت بعد تحدثه إلى الجنرال نجيب وضباطه عن الجلاء فإن السفير قال لهم: "افترض أن ما تطلبونه هو أن يقبل البريطانيون مبدأ الجلاء، وأن يبدأ الجلاء على الفور، لكنكم لا تطلبون جلاء كاملا قبل بدء المفاوضات الدفاعية، ولم يقولوا لا".
وكشفت البرقية عن مذكرة قدمتها مصر للسفارة في 10 نوفمبر 1952، قالت فيها "بعد الموافقة البريطانية على الجلاء، سوف يعطي المصريون تأكيدات (ربما ليس علنا) لنيتهم مشاركة المملكة المتحدة والولايات المتحدة والآخرين في التخطيط للدفاع عن الشرق الأوسط".
وتطبيقا للنهج الأمريكي في التعامل مع مصر، أبدت الحكومة الأمريكية، بعد اتفاق وزراتي الخارجية والدفاع، استعدادا لمطالب إدارة اللواء نجيب الحصول على أسلحة.
وأكد بايرود أن "إرسال أسلحة الآن سيحقق منفعة سياسية ويجعل المصريين أكثر استعدادا للتفاوض".
ورد البريطانيون بأن "خبرتهم هي أنه لا المصريين أو ولا أي دولة شرق أوسطية أخرى ترد عادة بهذه الطريقة".
وفي التقرير النهائي لنتائج المباحثات الأمريكية البريطانية، اتفقت حكومتا المملكة المتحدة والولايات المتحدة "على أن حكومة الجنرال نجيب في مصر تتيح للقوى الغربية أفضل فرصة لها لوضع ترتيبات مرضية للدفاع المشترك عن المنطقة، ليس فقط مع مصر بل مع دول الشرق الأوسط الأخرى في النهاية". ولذلك، فإنه "من وجهة نظر الغرب عموما، من المهم أن تقدم لفتة (لمصر) ما بأسرع وقت ممكن".
وأبلغ الأمريكيون نظراءهم البريطانيين بأن واشنطن "مقتنعة بأن ردا مؤقتا عاجلا على طلب الجنرال نجيب الحصول على معونة أمر أساسي ليس فقط للاحتفاظ بثقة الجنرال في الغرب، بل أيضا لتهيئة المسرح لمفاوضات قادمة بين مصر والمملكة المتحدة والولايات المتحدة من أجل تسوية مشكلة الدفاع (عن الشرق الأوسط).
ونظرا لأنه لا يبدو ممكنا صياغة برنامج مساعدات اقتصادية يمكن تنفيذه فعلا في الأشهر القليلة المقبلة، فإن اعتقاد الولايات المتحدة هو أن برنامجا مؤقتا لمعونات عسكرية مطلوب. ويبدو أن الصفة العسكرية للنظام الحالي تؤكد أهمية مثل هذا البرنامج".
ماهي الدول التي اقترح مشاركتها في منظمة الدفاع عن الشرق الأوسط؟
انطلقت بريطانيا في تصورها للمنظمة من اتفاق مع الولايات المتحدة على أن
"الدفاع عن الشرق الأوسط أمر حيوي للعالم الحر"، ولا يمكن ضمان هذا الدفاع إلا "بتعاون كل الدول ذات الاهتمام". ولهذا فإن إنشاء منظمة للدفاع عن الشرق الأوسط "سوف يساعد الدول الراغبة في المشاركة في الدفاع عن الشرق الأوسط ويدعمها ويطور قدرة كل دولة في أداء دورها الملائم في الدفاع عن المنطقة ككل ضد الاعتداء الخارجي".
ووفق الورقة البريطانية، فإنه يجب أن تشارك 14 دولة شرق أوسطية وغير أوسطية في المنظمة.
وإضافة إلى المملكة المتحدة ومصر، تشمل الدول الأخرى العراق والأردن وسوريا ولبنان والسعودية واليمن والولايات المتحدة وفرنسا وتركيا واستراليا ونيوزيلندا وجنوب أفريقيا.
وحسب الاتصالات البريطانية فإن الدول الست الأخيرة "عبرت بالفعل عن نيتها المشاركة".
ما هي مهام المنظمة؟
وضع المشروع هدفا مرجعيا أساسيا للمنظمة هو "إيجاد مركز لجهود تعاونية للأغراض الدفاعية" عن الشرق الأوسط.
واقترحت المهام التالية لترجمة هذا الهدف إلى واقع على الأرض:
•وضع خطط للدفاع عن الشرق الأوسط
• التخطيط وتزويد دول الشرق الأوسط بالمساعدة في شكل التدريب وتقديم المشورة.
•تنسيق طلبات دول الشرق الأوسط الحصول على أسلحة والمعدات.
• وضع خطط للعمليات في حالة الحرب للقوات المخصصة للدفاع عن المنطقة بالتنسيق مع قيادات الناتو المجاورة في منطقة البحر المتوسط وأسيا.
•خفض أشكال القصور الموجود في الوقت الحالي في التنظيم والقدرة على الدافاع عن المنطقة.
وفي نوفمبر عام 1954، تحقق تحذير الأمريكيين بشأن عبد الناصر، الذي نجح في التخلص من اللواء نجيب بعد صراع بين مشروعيهما السياسيين لطريقة حكم مصر بعد الثورة.
وفي 21 أكتوبر عام 1954، وقعت مصر وبريطانيا اتفاقية جلاء القوات البريطانية عن مصر وفي 18 يونيو عام 1956 رحل آخر جندي بريطانيا عن القاعدة البريطانية بقناة السويس.