تحت أنقاض برج الغفري غربي مدينة غزة الذي كان يحتضن مقر مؤسسة "عيون على التراث للدراسات والأبحاث والنشر"، تبحث طواقم فنية عن مخطوطات ووثائق وسجلات وكتب نادرة، بعضها عن تاريخ المدينة.
هذه المجموعات النادرة، كانت تحظى بعناية فائقة قبل اندلاع حرب الإبادة الجماعية التي بدأتها إسرائيل في 8 أكتوبر 2023 واستمرت لعامين.
لكنها تُنتشل اليوم إما ممزقة أو محترقة من تحت أنقاض برج كان مكونا من 9 طوابق ودمرته إسرائيل خلال الحرب بشكل كامل، في ضربة طالت الذاكرة التراثية والثقافية للفلسطينيين.
ووفق أحدث معطيات المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، فإن إسرائيل استهدفت 208 مواقع أثرية وتراثية على مدار عامي الإبادة.
مجموعات نادرة
المديرة التنفيذية للمؤسسة حنين العمصي، قالت إن "عيون على التراث" تعرضت خلال حرب الإبادة الجماعية، للتدمير الثاني من نوعه، لافتة إلى أن التدمير الأول وقع خلال الحرب التي شنتها إسرائيل على القطاع عام 2014.
وأضافت للأناضول، أن المؤسسة احتضنت على مدار السنوات الماضية أندر المجموعات الثقافية والمعرفية في فلسطين، والتي تمثل الفترة الزمنية الممتدة بين أواخر العهد العثماني حتى عام 1948.
وأوضحت أنها كانت تضم أيضا المئات من مكتبات علماء مدينة غزة بينها "مكتبة آل بسيسو، ومجموعة الشيخ عثمان الطباع (رجل دين حفظ تاريخ غزة وأنسابها)، ومكتبة ناهض منير الرئيس (مفكر وأديب)، ومكتبة الشيخ محمد عواد رئيس المعاهد الأزهرية".
وذكرت أن المجموعات المعرفية والتاريخية التي احتضتنها المؤسسة كانت "نادرة وطُبعت في فلسطين قبل عام 1948"؛ أي قبل عام النكبة وإعلان قيام إسرائيل.
مخطوطات تحت الأنقاض
العمصي قالت إن أرشيف المؤسسة كان يضم "مخطوطات لعلوم متنوعة، من التاريخ والجغرافيا والفلك والسياسة والأدب والشعر".
وأكدت أن أرشيفا "كاملا متكاملا" من مخطوطات ووثائق وصور وسجلات عثمانية باتت تحت ركام المبنى، و"في حالة يرثى لها".
وبين المخطوطات، أشارت العمصي إلى مخطوطة تاريخية بعنوان "اتحاف الأعزّة في تاريخ غزة" كتبها الشيخ عثمان الطباع مؤرخ مدينة غزة، مؤكدة أنها تعد المصدر الأم لتأريخ المدينة.
وأشارت إلى أن طواقم المؤسسة ما زالت تجهل مصير المئات من هذه المجموعات النادرة من الكتب والمخطوطات تحت الأنقاض.
إبادة ثقافية
وفي حديثها، أكدت المديرة التنفيذية للمؤسسة أن إسرائيل تعمدت إبادة التراث "المادي واللا مادي" في قطاع غزة.
وفي هذا الصدد، قالت العمصي إن أكبر "شاهد على هذه الإبادة، كانت البلدة القديمة بمدينة غزة"، والتي تعرضت لقصف إسرائيلي استهدف العديد من مواقعها الأثرية.
وتضم البلدة القديمة بغزة 4 أحياء، وهي الدرج والشجاعية والزيتون والتفاح.
وذكرت أن استهداف البلدة القديمة كان "منظما"، لافتة إلى أن أكبر دليل على ذلك هو "إبادة وتدمير وحرق البنى الأرشيفية" التراثية والأثرية في القطاع.
كما شددت العمصي على أن إسرائيل سعت من وراء هذا الاستهداف "لإبادة هوية وحضارة الشعب الفلسطيني، الذي له تاريخ عريق على مدار مئات السنين".
تأثيرات مستقبلية
وأشارت العمصي إلى أن تدمير الأرشيف الفلسطيني بالقطاع سيلقي بظلاله السلبية على الدراسات والأبحاث، خاصة المرتبطة بتأريخ مدينة غزة.
ولفتت إلى أن بعض المجموعات الأرشيفية التي تعود لما قبل عام 1948، وتشمل وثائق عن قرى تابعة لمدينة غزة، أٌبيدت بالكامل بينما لا يوجد لها أي سجلات إلكترونية تحفظها.
وحذرت من أن هذا التدمير سيترك "فجوة تاريخية في دراسات تأريخ المدينة".
وبدأت أعمال البحث عن هذه المجموعات النادرة عقب انتهاء حرب الإبادة الإسرائيلية ودخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في 10 أكتوبر الفائت.
وخلفت الإبادة التي ارتكبتها إسرائيل بدعم أمريكي، أكثر من 69 ألف شهيد فلسطيني، وما يزيد عن 170 ألف جريح، ودمارا هائلا طال 90% من البنى التحتية المدنية.